Tuesday, December 17, 2013

علياء المهدي وفيلم عن المثلية وملحد

 
فرادى يصنعون ثورة ثقافية بعيدا عن الميدان!
إبراهيم فرغلي
 

ينشغل الكثير من المصريين اليوم بحوار عبثي عن الفارق بين 25 يناير و30 يونية، وما إذا كان الأول هو تاريخ لثورة شعبية حقيقية أم مجرد مؤامرة خارجية إخوانية! فيما يرى الكثير من فلول عصر مبارك، أو يحلو لهم أن يتصوروا، أن تاريخ خروج الشعب المصري لإعلان رفضه التام لوجود الإخوان في حكم مصر هو التاريخ الحقيقي للثورة.
شخصيا لا أحب هذا النوع من الجدل العبثي، ولا محاولات ليّ الحقائق وفقاً للأهواء، وأفضل بدلا من هذا العبث تأمل الفعل الشعبي الجماعي الذي أسقط مبارك في فبراير شباط 2011، وما تلاه من وقفات احتجاجية واعتصامات، وصولا للخروج التاريخي للمصريين في 30 يونية ضد الإخوان من جهة ما إذا كان فعلا ثوريا يتضمن رفضا للاستبداد والديكتاتورية والفشل الإداري، ولمشروع توريث الحكم كذلك، ويمتلك رؤية شاملة للبديل المفترض أن يستبدل به النظام القديم الغابر؟ بصوغ آخر أتأمل الأحداث "الثورية" من حيث النتائج على الأرض.
والحقيقة أن الجزء الأول من السؤال يمكن الإجابة عنه بسهولة؛ عبر رصد الأحداث التي نجحت في إسقاط رأس نظام مبارك الديكتاتوري، أما الشق الثاني من السؤال،  وعبر عديد الشواهد مما بذله النشطاء والثوار في الفترة اللاحقة لسقوط مبارك، فإنها تجعلني أتريث كثيرا، خصوصا وأن الثوار في غالبيتهم العظمى تفرقوا وتشرذموا من دون تحديد برنامج واضح لمطالب الثورة، ولم يتمكنوا حتى من الالتفاف حول مرشح رئاسي يمكنهم أن يقنعوا به جماهير الشعب، ولم يقدموا برامج ثورية للتوعية والأعمال المدنية الخاصة بالتنمية في المجتمع. ,اخفقوا في مشاريع ثقافية مستقلة يوضحوا من خلالها مفهومهم للثقافة والإعلام في مرحلة ما بعد الثورة. وباستثناء بعض المشروعات المستقلة مثل (الفن ميدان)، وبعض الحملات التي قامت بدور كبير في توضيح مدى سوء ممارسات المجلس العسكري في الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية مثل عسكر كاذبون ولا للمحاكمات العسكرية والوقفات القوية ضد كشوف العذرية، فإن عملا ثوريا حقيقا لم يقدم نفسه للمجتمع من قبل أي قوة ثورية. بل إن المخطط الإخواني للوصول إلى الحكم بالتنسيق مع المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي وبعض القوى الخارجية، تم تمريره ووصول الإخوان للحكم، وكتابة دستور ظلامي يعود للقرون الوسطى تحت سمع وبصر المجتمع الثوري كاملا، والذي لم يكتف بهذا التمرير، بل إن بعض النشطاء والكتاب وغيرهم شجعوا على هذا المسار الذي كان عواره جليا للجميع حين تمت الموافقة على ترشح أشخاص مشكوك في صلاحيتهم القانونية للترشح مثل المرشح الإخواني محمد مرسي الذي نجح في الوصول إلى الحكم.
واليوم خلال الأحداث التي أعقبت تدخل الجيش لتنفيذ المطلب الشعبي بإقالة مرسي، تبين مدى الضحالة السياسية والثورية التي يتمتع بها العديد من النشطاء، الذين بدوا وكأنهم لم يتعلموا درس خيانة الثورة، من قبل الإخوان وداعميهم، وتحول النشطاء إلى محترفي كتابة التغريدات وبثها على تويتر، في محاولة لتبرير ما يفهمونه عن النقاء الثوري، باعتبارها جوهر مبادئ الثورة، وكأن ضياع البلاد الذي كان جليا لكل ذي نظر في عهد الإخوان لم يكن كافيا أو دافعا لهم لكي يعيدوا تأمل واقع الأمور، والتفريق بين فكرة العمل السياسي حين تمارسه جماعات سياسية مدنية سلمية وبين ممارسته على يد جماعات تدعي احتكارها للدين، وتخلط عملها السياسي بالإسلام، وتدعو للعنف في مواجهة من يرفض الفكرة في المجتمع. وظهرت فتاوي من الناشطين تشبه فتاوي الإخوان !
هذه المساخر الثورية في الحقيقة كشفت مدى قلة خبرة العديد من النشطاء، وقدرتهم المحدودة على رؤية الأمورالتي تقع تحت أقدامهم فقط، وعدم مد فكرة الثورة باعتبارها عملا جماعيا كبيرا، الميدان جزء واحد منه فقط، بينما تثوير المجتمع خصوصا في الريف والصعيد هو جانبه الأهم. وغرورهم على غير أساس سوى من أرقام متابعينهم على تويتر، وعدم قدرتهم على نقد الذات وإجراء حوار حقيقي بين مختلف التيارات الثورية لعمل تصور واضح لمسيرة الثورة وبرنامجها وكيفية تنفيذه بالاستناد إلى الخبراء في كل مجال، بدلا من الادعاء بما لا يفقهون عن جهل فادح. وهذا ما أدى إلى انسياقهم إلى المسار الخيالي الرومانسي الذي يثير الاشتباه بالدعم الغربي، بدلا من قراءة الواقع بوعي، والعمل المشترك المنظم، وتفعيل الفكر الثوري الذي يقول أن الثورة لا يمكن أن تطرح أسماء أشخاص أو أفراد لمجرد أنهم لم يكونوا أطرافا في النظام البائد، أو لأنهم يعرفون بعدم التورط في الفساد، حتى لو كانوا في المقابل بلا خبرة من أي نوع. وكان المفترض أن يطرح تصور للحكومات المقترحة بما يجب عمله كأولوية أولى تستوجب المحاسبة من القوى الثورية حال عدم اكتمالها.

 
بصوغ آخر فإن الخيال الثوري الفقير، وقلة الخبرة، والانشغال بالتفاصيل على حساب استراتيجية تحول الإرادة الثورية لبرنامج عمل كان من نتيجتها خطيئتين كبيرتين: الأولى وصول الإخوان للحكم، والثانية عودة رموز رجال مبارك بعد تاريخ الثالث من يوليو تموز، إلى الواجهة، وكأن ثورة لم تقم، وكأن شبابا لم يبذل روحه من أجلها. أي أن الأمر يبدو هنا، وبتعبير الصديق الشاعر ناصر فرغلي الذي أستعير فكرته اللامعة، كأن الثورة أصبحت فعلا للمقاومة والاحتجاج فقط وفقدت بالتالي معيار الفعل الثوري الحقيقي.
في المقابل هناك عدد من الظواهر التي تشكلها أعمال فردية بعيدة تماما عن الحشود والميادين والهتافات، أظنها تتضمن في جوهرها، مهما اختلفنا حولها واختلف تقييمنا لها، قيما ثورية عميقة، لما توفره من ضربات قاسية لجمود القيم الاجتماعية وللقيم الجماعية المتمثلة في الازدواجية وشيوع خطابات مزيفة عن أخلاقيات عتيقة في جوهرها تقبع كل ألوان السادية والعنصرية والتمييز واحتقار المرأة واحتقار الاختلاف.
ولا زلت على يقين، كما كتبت هنا من قبل أن صورة علياء المهدي العارية التي وضعتها على مدونتها على الإنترنت، كانت أول فعل ثوري فردي خاص يعبر عن ثورة امرأة شابة بطريقتها. وفعل ينتمي لتحدي قيم الذكورية العربية بقوة.

 
من بين ما استلفت الانتباه بقوة أيضا تظاهرات طلبة إحدى مدارس القاهرة اعتراضا على منع كتاب الأيام لطه حسين من التدريس. وهو في تقديري معيار ثوري بامتياز ولأول مرة في التاريخ الحديث أن يتظاهر طلبة ضد الرقابة ولأجل رمز ثقافي وتنويري بارز. وهذا الوعي الجديد في تقديري له أهمية مئة اعتصام في ميادين القاهرة.
الظاهرة الثالثة هي ظهور ملحد لأول مرة على شاشة التلفزيون المصري، يجهر بإلحاده، مغامرا بحياته، وسمعته ومعرضا نفسه لسخافات مذيعة تلفزيونية ريهام السهلي، كانت ترى الشاب كأنها تواجه مريضا نفسيا أو وحشا مخيفا حاولت أن تسخر منه لأجل ان تتغلب هي على مفاجأتها دون أن تدرك أن وجودها الإعلامي مثل غيرها في الإعلام المصري وربما العربي، هو أخطر ما يعانيه هذا الإعلام. هذا فعل ثوري بامتياز، لأنه بالإضافة للشجاعة التي ربما لا يمتلكها مئات من المثقفين والملحدين العرب في الإعلان عن إلحادهم لما يمثله ذلك من كونه تقريبا دعوة للانتحار، فإن هذا الفتى أشعل شمعة مهمة في نفق الحريات العربي المعتم باستمرار.
أما المثال الرابع للعمل الفني الثوري فيتمثل في أول فيلم مصري يتناول قضية المثلية في مصر كقضية أو موضوع رئيس. وهو فيلم "أسرار عائلية" من إخراج هاني فوزي، ورغم ان الفيلم لم يعرض بعد، بسبب الرقابة وإصرارها على حذف بعض المشاهد، لكن العديد من النقاد الذين شاهدوا العرض الخاص للفيلم كاملا تحدثوا عن العديد من إيجابيات الفيلم، ونقاشه لسؤال مهم هو هل المثلية الجنسية حرية شخصية أم مرض نفسي؟ وهو سؤال يستحق أن يطرح في مجتمع ما بعد الثورة كما أسئة كثيرة أخرى بعضها طرح وبعضها ينتظر انتهاء مهاترات النشطاء والثوار والقوى السياسية وفلول النظام القديم والإخوان التي تحرك المجتمع "المقاوم" في دائرة عنوانها "محلك سر".
 نشرت في النهار اللبنانية في  4 كانون الأول - ديسمبر 2013

No comments: