Monday, June 6, 2011

العطر ..دراما الرائحة




"العطر".. دراما الرائحة!

إبراهيم فرغلي


ليس من السهل لمن قرأ رواية العطر للكاتب الألماني "باتريك زوسكند" أن يتخيل إمكانية تحويلها إلى صورة سينمائية، ليس فقط لأن النص يحقق أحد شروط الحداثة التي تقتضي صعوبة تحويلها لعمل سينمائي، كما يشير الكاتب ميلان كونديرا، وأنما لأن الروائح تلعب الدور الأساسي، وتمثل جوهر النص. ومع ذلك فقد استطاع المخرج الألماني "توم تيكفر" أن يتحمل عبء هذه المهمة فهل استطاع أن يصيب النجاح؟
للإجابة على السؤال يقتضي الأمر أن نبدأ من النهاية، أي من الأثر الذي تحدثه قراءة النص، ثم قرينه الذي ينتج عن مشاهدة الفيلم السينمائي. فعندما تنتهي من الرواية ستكون قد استنفذت كل خبراتك الخاصة بحاسة الشم، واستعدت، وربما استنشقت، عشرات من الروائح وأريج العطور، وعبق الأجساد. لكنك ستقف عاجزا أمام الكثير من الروائح التي لا تختزن ذاكرتك الشمية لها أي مدلول. وهذا على وجه التحديد أحد المناطق التي تمثل جوهر العمل الروائي، وهي في نفس الوقت منطقة خلافية بين الفيلم والرواية.

فبطل الرواية "جون باتيست جرونوي"-الذي ولد بشكل درامي أسفل عربة سمك في قلب سوق باريس المعبأ بكل الروائح البشعة- يمتلك طاقة غير عادية على شم الروائح، بكل أنواعها، وتصنيف محتوى ما يشمه، وهو ما جعله يبدو قادرا على التنبؤ، أو قادرا على رؤية ما لا يراه غيره. لكنه في الواقع وجد في المرادفات اللغوية المتاحة لتوصيف ما يشمه فقرا شديدا، وعجزا عن التعبير والوصف الدقيق، ما جعله يشك بمعنى اللغة؛ فلم يستسهل على نفسه استخدامها إلا عندما كان يضطر للتواصل مع الآخرين. إذن ففي هذا ما يبرر قلة كلامه في النص، واستكانته إلى عالمه الباطني الذي تلعب الروائح فيه دور البطولة. أما في الفيلم فقد بدا صمته، وقد أدى الممثل "بن ويشو" الدور ببراعة، يبدو كأنه جزء من غرابة أطواره، وربما بلاهته، بينما نعرف من النص أنه لم يكن كذلك على الإطلاق، بالعكس فهو بالغ الذكاء، وما يعرفه مقارنة للبشر خارق، ويفوق إمكاناتهم جميعا. وبالتالي فصمته ليس إلا استغراقه في عالمه الذاتي الذي يتفجر بالمسميات والروائح وبالعطر الملكي الذي سيعيد له أهميته أمام الناس، والذي يستبدل به أي معرفة للضمير، أو القيم أو القداسة. هنا كان الحل الذي قدمه المخرج ممثلا في اختيار الممثل الذي بدا وسيما بعض الشيء والذكاء يطل من عينيه، وأعتقد أن هذا هو الحل الذى حاول به المخرج التغلب على شرح كل هذا باللغة والاكتفاء بطّلة الممثل وأدائه وتعبيرات وجهه. وأظنه نجح في ذلك
 بامتياز.


أما الأثر الذي يخرج به مشاهد الفيلم، فهو فكرة دراما الرائحة، من خلال تركيز الكادرات على الفتى وهو يستنشق عبق رائحة ما، وعلى الموسيقى التصويرية التي تصاحب صورا تكشف قدراته على شم ما لا يمكن لغيره أن يشمه مثل روائح الدود في الخضروات، أو البكتيريا في أمعاء فأر صغير، وما شابهها, وعلى اللقطات المصاحبة لاستنشاقه عبق الفتيات اللائي يقوم بقتلهن للحصول ، من بشرتهن، على الرائحة التي يمكنها أن تجذب إليه العالم، وتجعله في نظر من يشم شذاها بطلا أو ملاكا.
ومن المؤكد أن الفيلم لم يخلص للتفاصيل السيكلوجية والوصفية، بنفس إخلاص النص المكتوب لهذه التفاصيل، لكنه، أخلص للجزء الثاني من الرواية الذي يتضمن نهايتين: الأولى يسكب فيها جرونوي العطر، الذي استخلصه من عبق الفتيات المراهقات الفاتنات، على رأسه، فيتحول من مجرم يقف على منصة المقصلة عقابا على جرائم القتل التي ارتكبها، إلى ملاك يدخل البشر تحت تأثيره في حالة من النشوة الروحية والجسدية التي يفقدون بتأثيرها وعيهم، حتى يكتشفون عريهم في الصباح. أما النهاية التالية فيجسدها مشهد النهاية الذي يذهب فيه إلى مكان مولده في سوق السمك، ليسكب مرة أخرى العطر ويترك نفسه لهجوم البشر وتكالبهم عليه حتى ينتهون من تناوله كأنهم أصبحوا من آكلي لحوم البشر.

في سبيل التركيز على النهايتين، لم يتقيد المخرج ببعض التفاصيل مثل مقتل مرضعته الأولى في الفيلم فور أن تركته، بينما هي في النص تعيش حتى التسعين ثم تموت نفس الموتة التي كرست حياتها كلها لكي تتجنبها. كما أن النص الروائي يفسر أن جرونوي لا يمتلك رائحة منذ طفولته، وهو ما يسبب الدهشة والارتياب لكل من تعاملوا معه. بينما في الفيلم لا نفهم هذه الخصوصية، إلا بعد أن يكبر، ويكتشف بنفسه هذه الملاحظة. كما أن بالديني صانع العطور لم يلتق، في الفيلم ، بنظيره الذي كان قد سحب البساط من تحت أقدامه لفترة، وكان للمثلين بشكل عام تقوية للشخصيات التي ليس لها نفس القوة في الرواية لصالح شخصية البطل جرونوي.
مع ذلك فالخط السردي في كلا النصين المكتوب والمرئي يكاد أن يتطابق في الحالتين، إذ أن التفاصيل التي تجنبها الفيلم في أغلبها لم تؤثر على سير الأحداث، خاصة فيما يتعلق بمواصفات الشخصيات، والأماكن، من الأسواق، إلى المنازل ومعامل العطور والمدابغ وقصور النبلاء، إذ بدا السيناريو - الذي شارك فيه المخرج مع الكاتب الألماني  زوسكند- أمينا في تصوير تلك الأماكن كما كانت تبدو عليه في القرن الثامن عشر، وهو زمن الرواية والفيلم.بالإضافة للإضاءة التي لعبت دورا أساسيا في تأكيد البعد الزمني من جهة، وشاركت في إنجاح محاولة المخرج لعمل تأثير درامي للروائح. وبذلك يكون المخرج قد نجح في تحقيق ما اعتبره الكثير من المخرجين مستحيلا.

ساعد في هذا النجاح الأداء العبقري للممثل الشاب(بن ويشو)، إضافة لأداء النجم (داستين هوفمان) الذي لعب دور صانع العطور الإيطالي بالديني، والذي أسهمت خبرة جرونوي في صعوده إلى قمة صناعة العطور في فرنسا. إضافة لدورأبوالفتاة الأرستقراطية التي كانت واحدة من ضحايا جرونوي( لعب الدور آلان ريكمان، ولعبت دور الابنة راشل هارد وود).
بغض النظر عن نجاح الفيلم وقدرته على إحداث نفس تأثير الرواية يكفي النصين: الروائي والبصري قدرتهما على إدهاشنا، وفضح محدودية قدراتنا اللغوية في التعبير عن حواسنا، ودفعنا إلى مناطق غير مطروقة، تتجاوز الحواس التي نعرفها إلى ما بعدها. وتنقلنا بين تناقضات الخير والشر، قربا وابتعادا ، وتثير الأسئلة التي عادة ما تحتاج لتلق تال؛ إما بإعادة القراءة، أو إعادة المشاهدة، وفي أعمال سباقة كهذه يكون في الإعادة أكثر من إفادة.

حوار مع المخزنجي ..من قديمي الجديد


بعد صدور كتابه الجديد "حيوانات أيامنا":
محمد المخزنجي:

·        أنتمي إلى الكتاب الذين يمثلهم بورخس ونصوصهم على حافة الأنواع الأدبية
·        أنفر من السياسة في الأدب، وأؤمن أنها إطلاق للنار في حفل موسيقي


حوار أجراه: إبراهيم فرغلي


من يعرف الكاتب محمد المخزنجي عن قرب لن يعوزه الكثير من الفطنة ليدرك أنه إزاء شخص بالغ الحساسية وبالغ النقاء، ولمن قرأ أعماله الأدبية قبل أن يعرفه سيدرك فورا أنه كاتب استثنائي بامتياز، فهو من الكتاب النادرين الذين تعكس أعمالهم جوهر شخصيتهم. ولعل هذا ما جعل الكاتب الراحل يوسف إدريس يقول عن المخزنجي،في آخر لقاء جمعه بجمهور الشباب بالجامعة الأمريكية, أنه كاتب حساس بشكل يدعو للدهشة وأن الكتاّب، عند إدريس, يقعون جميعا في كفة، بينما المخزنجي في كفة واحدة بمفرده.
المخزنجي من جهته كان، وما زال، يعتبر إدريس كاتبا عبقريا يصعب أن يتكرر، وتجربة في الفن الأدبي لها خصوصيتها وتوهجها بلهيب موهبة استثنائية.
وبالرغم من الصداقة التي جمعت المخزنجي بإدريس، إلا أنه نأى بنفسه من استغلال هذه الصداقة كوسيلة للدعاية له. وإدريس العارف بحساسيته، وبموهبته الكبيرة، كان يدرك أن المخزنجي كاتب كبير لا يحتاج للدعاية، إذ تكفيه نصوصه وزيادة.
استطاع المخزنجي منذ أعماله الأولى: "رشق السكين" و"الآتي" و"صار بعيدا"، أن يلفت انتباه النقاد الذين احتضنوا كتاباته، وبشروا به كاتبا ولد عملاقا؛ من فرط إحكام قصصه، وقوة تكثيفها، وجماليات اللغة الخاصة التي تتمتع بها نصوص المخزنجي إجمالا. احتفى به نقاد من أمثال علي الراعي وعبد القادر القط وفاروق عبد القادر ورجاء النقاش وغيرهم. ورسخ المخزنجي موقعه في المشهد الأدبي عبر مجموعته البديعة "الموت يضحك" ثم "سفر" و"البستان"، كما أظهر موهبة في فن الريبورتاج الأدبي في كتابه "وقائع غرق جزيرة الحوت" الذي تناول فيه تفاصيل واقعة التسرب النووي في "تشير نوبل " بالاتحاد السوفيتي السابق كمؤشر من مؤشرات انهيار القوة العظمى التي كانت توازن، وتردع القوة الأمريكية بندية حتى قضى عليها الفساد والدكتاتورية معا.

انتقل المخزنجي بالنص المعاصر، وبتجربته الخاصة أيضا، درجة، أو نقلة، حاول فيها البحث عما يمكن تسميته بالجانب الميتافيزيقي للعقل وللعلم معا، عبر عدد من النصوص الفاتنة ضمنها مجموعة "أوتار الماء" التي حازت على جائزة ساويرس للقصة في دورتها الأولى، وأخيرا نشر للمخزنجي كتاب جديد عن دار الشروق بعنوان "حيوانات أيامنا" فأضاف للمكتبة العربية نصا حديثا، فريدا، يصعب تصنيفه، وهذا واحد من وجوه حداثته، يتكيء على الحيوان ليكشف وحشية الغابة البشرية التي نعيش فيها الآن، تطاردنا أشباح وحوشها في النهار، وتلاحقنا كوابيسها في المنام، لكن المخزنجي لا يقول شيئا من هذا بهذه المباشرة، وإنما يفنن الوحشية، ويستعين بالأسطورة، ويقتطع من أمهات الكتب عن أجمل ما قيل عن الحيوان، ويرينا فيها ما لا يرى، من شاعر يتخذ هيئة الدب، إلى أرنب مسحور لا يُرى إلا في الليل كما القديسين ، وأُتْن يتكثف حزن العالم في مقلتيها، وجنادب معدنية تتقافز كالأحياء، وفراشات بحر تفعل بالبشر فعل السحر والمعجزات.. وغيرها.

من هذا الكتاب الساحر بدأ الحوار، لكنه انطلق لاحقا في عوالم بعيدة فرضتها تجربة المخزنجي الثرية في الأدب وفي الحياة،عبر وجوهه العديدة من مناضل سياسي في عصر السادات، إلى طبيب نفسي يتأمل المرض النفسي برهافة الفن، ومنه إلى الصحافة، ثم تجارب السفرإلى موسكو لإنجاز دراسته العليا في الطب البديل، ومنها إلى أرجاء العالم، خاصة آسيا وإفريقيا؛ شرقا وغربا كاتبا صحفيا أضاف للكتابة في مجال للاستطلاعات المصورة  بنفس قدر ما أثرت به التجربة عوالمه الفنية وسعت زوايا رؤاه إلى آفاق خصبة، زادت من رحابة روحه وتوقه الدائم للمعرفة. المعرفة التي تجاوزت خبرة الحياة وما وراءها إلى تقنية الكتابة نفسها التي جعلته يقتحم بها مغامرات يبدو فيها لا يتهيب التجريب ولا الخروج من أسر التصنيفات الضيقة شأن مافعله في كتابه الأخير, ولتكن تلك نقطة افتتاح هذا الحوار:

·        صنفت كتابك الأخير بأنه "كتاب قصصي" .. فلماذا اعتبرته كتابا، وليس مجموعة قصصية وفقا للتصنيف
 الشائع؟ وما هي فكرة الكتاب ؟

         ** أتصور أن المجموعة، بشكل عام، هي نوع من الحصاد الزمني لإنتاج الكاتب، حيث يقوم بعد فترة من الكتابة بتجميع ما كتبه ويضعه في مجموعة، لكن بالنسبة لي أعتقد أنني ومنذ وقت مبكر جدا أعمل بشكل مختلف. ربما يمكن توضيحه بطريقة الحركة وفقا لأسلوبين هما أسلوب العقل وأسلوب الأقدام: فالأخيرة تتحرك في مسار معين إما للأمام، أو للخلف. أما العقل فلا يسير بهذا الشكل المنهجي، وإنما تتعدد أشكال حركته، وفي بعض الأحيان تكون هناك مسارات متقاطعة أو متوازية.
والحاصل أنني انتبهت لتلك المسارات في عملي، بشكل شعوري ولا شعوري معا، فكل كاتب لديه مجموعة من المسارات هي التي تكون عالمه، وهذا أحد المسارات المكونة للعالم الموجود في المخيلة الإبداعية، أو العقل الإبداعي. وسوف تجد أنها، ومنذ البدايات الأولى، تظهر وتختفي. وما يحدث هو أنني أتتبع مسار من المسارات، ولأنني في الحقيقة لست متلهفا على نشرها،أو على النشر بشكل عام، فأظل أراكم ما يخص هذا المسار وحده، ويستمر تراكمها حتى تكتمل.ولذلك فإن هذه القصص ليست منتجة في فترة زمنية واحدة. بالإضافة إلى أنني لا أحب كلمة قاص وأعتبرها كلمة بذيئة..وأفضل كلمة كاتب لأنها أكثر واقعية.
أخيرا أعتقد أن وحدة المسار هذه موجودة منذ أعمالي الأولى، ستجدها في "الآتي"، مجسدا في الشكل القصصي القصير جدا، أو القصة الموجزة، وفي "رشق السكين" كانت هناك مسارات، اتخذت تقسيمات منها مثلا: "في المقهى" التي مثلت مجموعة من القصص، ثم "الطيور"، وهكذا..، ووحدة التوليف كانت موجودة أيضا في البستان، وأوتار الماء. الاستثناء الوحيد كان في الموت يضحك الذي مثلت قصصه مجموعة قصصية بالتصنيف المعتاد.
أما فكرة الكتاب نفسه "حيوانات أيامنا" فتعود إلى أنني اكتشفت في نفسي توق لعمل كتاب عن حيوانات العالم، وبمرور الوقت أدركت أن العالم طموح ضخم، لن يكون بإمكاني إنجازه، فتحولت الفكرة بالتدريج إلى "حيوانات أيامنا" كما جاءت بالكتاب.

·        ربما يتبادر للذهن، أن الكتاب تنويعة على بعض أشكال كتب التراث، أو الكتب القديمة التي تناولت الحيوان مثل كتب الجاحظ أو ابن المقفع أو القزويني في غرائب المخلوقات؟
** أحب أن أوضح أن تتبع المسار الواحد عادة ما يؤدي لوحدة توليف، وهذا وجه التشابه الوحيد مع كتب التراث التي أشرت لها وغيرها، لكن الاختلاف بين تلك الكتب القديمة وهذا الكتاب، أن التوليف هنا يتم في قصص أو نصوص تخييلية محورها الحيوان، كعنصر درامي تدور حوله العناصر الأخرى، لكنه في النهاية، كتاب تخييل، أي أدب صرف.
كما أنني لم أؤنسن الحيوان كما فعل ابن المقفع في "كليلة ودمنة"، ولم "أحيون" البشر، وإنما أخذت سلوك الحيوان الفطري الطبيعي داخل التراجيديا الأرضية في اللحظة الراهنة، حيث يلعب فيها دورا دراميا تدور حوله دراما أخرى خاصة بالبشر.

·        في وقائع غرق جزيرة الحوت كان هناك اختلاف واضح في النوع الأدبي، وفي مسارك أيضا؟
** بالتأكيد وقائع غرق جزيرة الحوت كتاب تضمن وحدة التوليف، من جهة، لكنه، من جهةأخرى، عندما نشر للمرة الأولى كان مستعصيا على التصنيف، فلا تستطيع أن تقول انه مجموعة، أو ريبورتاج صحفي، وأخيرا وأنا أقرأ عن فن الرواية وجدت قطاعا أدبيا نقرأه بين الحين والآخر دون أن نعي تصنيفه، وهو ما يسمى "رواية الحقيقة القصصية" . ووجدت أن هذا الكتاب ينطبق عليه هذا التصنيف بامتياز، أو ما يسمى بالحقيقة القصصية، أو رواية الصحافة الجديدة، وهي خليط من الريبورتاج والقص يكونان معا شكلا متماسكا رغم تناقض الأداتين أو التقنيتين.

·        من بين تعليقات قراء أعمالك يشير البعض إلى سيطرة الجانب العقلي على أجواء نصوصك الأخيرة مقارنة بالنصوص الأولى التي كان الوجدان يلعب فيها دور البطولة..هل لديك تفسير؟
** ما تسميه الجانب العقلي أو العلم، ربما، دعنا نقول أنه المعرفة. وجزء منها هو المعرفة العلمية، لكن تناولي للمعرفة، في الحقيقة، يتخذ قالبا يكاد يكون وجدانيا. بمعنى أنني حتى في بحثي عن المسائل العضوية المادية، فإنني أتلمسها بشكل يكاد أن يكون روحيا. فالعلم، حتى في ذراه الشاهقة، وفي أوج مجده في العصر الحديث، ما زال يترك مساحات، أو فجوات واسعة، للمجهول. وهذه المساحات التي تجعلك تحيلها إلى عناصر تخص الروح، أو المعتقد الديني. وبالرغم من اتساع مساحة المعرفة، إلا أن مساحة المادة السوداء المظلمة الهائلة في الكون تمثل نحو 90 في المائة من المادة غير السوداء. أي أن هناك في الكون فجوات ضخمة لا يمكن أن تكون فارغة، ربما أنها فارغة بالنسبة لحدود معرفتنا، إنما بالنسبة لحدود المجهول، الذي تقع الروح في نطاقه بالتأكيد، فهي وجود روحي ما. فكأنني إذن أقارب العلم بشكل إنساني وروحي، وليس بشكل حسابي مجرد، بقدر الإمكان.
والتنظير لعملية الإبداع ليس سهلا لأن الإبداع خليط بين الشعور واللاشعور، لكني أعتقد أنني أصبحت واعيا بمسألة الحتمية إلى حد بعيد، والذي يتعلق بتدخل عناصر عديدة في التقنية. كنت أعيد قراءة وتأمل أعمال بورخس مؤخرا، وهو من كتابي المفضلين، وأعتقد أنني أنتمي لهذا النوع من الكتاب الذين يطرحون أفكارهم الجمالية والمعرفية من خلال النص القصصي، وأدركت أنه كاتب على الحافة. أي يقف على تخوم الأشياء..بين القصة والرواية أو بين القص والريبورتاج، أو بين المقال والقصة، وهذه الكتابة على الحافة لا أخشاها.
أحاول أن أوظف الجزء المعرفي داخل نسيج القص، هذا ما أفعله، غير عابيء بالنص التقليدي، ولا أعرف إذا ما كنت قدمت إنجازا في هذا الصدد أم لا، وهو ما أتمناه بطبيعة الحال, وسأقوم بتجويده بالتأكيد إذا استطعت.

·        عنوان الكتاب قد يعطي انطباعا بأنه كتاب علمي عن الحيوان..على الأقل قد يكون هذا انطباع الكثيرين ممن
 لم يقرأوا الكتاب..هل لاحظت ذلك من خلال انطباعات البعض؟
** هذا صحيح بالفعل، لكن الكتاب، كما لعلك لاحظت، ليس عن الحيوان، على وجه الإطلاق، وإنما، وعلى العكس تماما، هو كتاب عن الإنسان، أو بالأحرى عن وحشية الإنسان، وعن تسلط البشر وسحقهم لتلك الكائنات الفطرية.
وبالعكس تماما؛ هذا الكتاب ينتصر لبرية الحيوان وفطريته، كأنني من خلاله أصرخ لأقول للعالم أننا حتى نستعيد إنسانيتنا يجب أن نتحيون بالمعنى الحقيقي لكائنات تحكمها غريزة حب البقاء والاستمرار، لكن تلك الحيوانات، في الواقع، ليس لديها الكثير من الصفات البشرية المدمرة، فهي لا تحب الشهرة، ولا لديها أطماع التوسع الإمبريالي، ولا التسلط الديكتاتوري، أو غيرها من سلوكيات توقف الكتاب عندها بشكل فني.

·        في إحدى قصص الكتاب استوقفني نموذج الراوي الذي يطارد فراشة البحر الفاتنة فيكاد أن يغرق لأنه لا يعرف السباحة، ومع ذلك فقد امتلكت عليه أمره مثل انشغال الصيادين في أعمال هيمنجواي بالصيد الذي يصبح محورا لحياتهم يشبه اليقين الديني لدى المتدينين.

** هذه قصة نواتها من الواقع، فقد قضيت فترة تجنيدي في منطقة البحر الأحمر،طبيبا في المستشفى العسكري، وكانت الغردقة آنذاك مكانا فطريا، لم تعرف الهجمة السياحية الموجودة بها الآن، وكنت على الشاطيء في أحد الأيام لأراقب مجموعة من الأسماك الملونة، وإذا بي فجأة أرى هذا الكائن الجميل، بلونها الأصفر الذي لا يمكن وصف جماله، أصفر ليموني به لمسة من لون الشمس. فتتبعتها مذهولا، وفجأة وجدت نفسي في عرض البحر وأنا لا أجيد السباحة، وبدأت أعايش تجربة الغرق. والقصة تسجل الأحاسيس التي عايشتها.
لكن أعتقد أنني لست من الكتاب الذين يحكون حكاية لا يعرفون مغزاها أو دلالتها، وإنما دائما تتنور لي رؤية ما، وهي هنا مسألة المدخر الإنساني.
ففي الكتاب هناك الكثير من القصص التي تبدو مثل الصرخات، لكن هذه القصة بمثابة أغنية، لطاقة الإنسان المدخرة واللامعلومة، فهذا الشخص الذي كان يظن أنه لا يستطيع السباحة بقدميه وذراعيه، إستطاع السباحة بذراعيه فقط عندما أصيبت قدميه، رغم أنه لا يجيد السباحة.

·        على المستوى الشخصي ما هي علاقتك أنت بهذه النصوص، وبتلك الكائنات؟
** أعتقد أنني في أعماقي كائن بري تماما. صحيح أنني أبدو هادئا ووديعا، لكني كنت طفلا شقيا جدا. ولا زال هذا الطفل موجودا في أعماقي. لكن ، مع الزمن والخبرة أصبحت أرى في إحدى المقولات التي أحبها دلالة مهمة وهي " تاريخ الحضارة البشرية هو تاريخ الانضباط" والمعنى هو أن من حقك أن تكون بريا وحرا كما تشاء، لكن هذا لا بد أن يتوقف عند حرية الآخرين. وكونك فنانا لا يرتب لك أية حقوق استثنائية على الآخرين، لأن كل إنسان فنان بطريقته. ويكفيك أن مخيلتك كفنان توفر لك فرصة الانطلاق البري.

·        في أغلب نصوص الكتاب، عندما يمتزج السرد الواقعي بالخيال تكون هناك إشارات ووصف واقعي للمكان، على عكس النصوص التي تستدعي ذكريات تختلط فيها الإيديولوجيا بالحنين، كأنه تعفف عن المباشرة والدعاية الإيديولوجية، ومع ذلك فهناك نص عن الغزلان يشير للواقع الدامي في العراق، وفي اقتحام المارينز للقصور..كيف تفسر ذلك؟
** معك حق، وأنا بشكل عام أؤمن بمقولة قرأتها مؤخرا عن أن السياسة في الأدب تشبه إطلاق النار في حفل موسيقي. أي أنني أنفر من السياسة، لكن أحيانا لا يمكن تجاهلها، وبالتالي أتعامل معها بشكل ضبابي بحيث تمر في النص بلا تحديد للمكان أو الواقع، مما يجعل النص محملا بالسحر، ومتصفا بشيء من النعومة التي تجعله أقرب لنص أو دلالة فلسفية، لا مقولة سياسية مباشرة.
بالنسبة لموضوع العراق فقد وصفت القصور من المخيلة وهالني أن الورداني اتصل بي بعد مشاهدة حلقة تليفزيونية عن العراق بدا له ما وصفته منقولا من الواقع. وبدأت الكتاب بها لأنها الأقرب زمنيا، ولأن مأساة العراق لا تقل في مرارتها عن الماساة الفلسطينية، بل بالعكس، فقد كانت مأساة فلسطين توحد العرب حول قضية واحدة، أما كارثة العراق فتفرز قوة مدمرة ممثلة في المرض الطائفي، وما يحدث ليس هناك أبشع منه على مر القرن، ونهايته قد تكون خطيرة جدا ليس على المنطقة فقط، وإنما على العالم.

·        اخيرا هل لديك مشروع في نفس الاتجاه ستحاول أن تنتهي منه قريبا؟
** لدي مادة بالفعل تجعلني أستمر قدما في هذا الاتجاه، ربما بما يتيح لي إضافة كتاب آخر، وربما كتبا تصنع موسوعة كاملة عن حيوانات أيامنا، لكن سيكون هذا مؤجلا لبعض الوقت.

في شقة مصر الجديدة



 في شقة مصر الجديدة..محاولة رومانسية لتوأمة زمنين متنافرين!


إبراهيم فرغلي


كنت قررت التوقف عن مشاهدة الأفلام المصرية منذ فترة، بعد أن تلقيت عدة صدمات، من موجة الأفلام الكوميدية الخفيفة التي كادت أن تضرب مجد السينما المصرية بالقاضية، لكن الصدفة وحدها لعبت دورها، وقادتني لمشاهدة فيلم" في شقة مصر الجديدة" لأنني لم أجد الفيلم الذي قصدت مشاهدته يومذاك: وهو فيلم"بانيبال"، لكن رب ضارة نافعة كما يقال، ولعل وجود اسم محمد خان وزوجته السينارست الموهوبة وسام سليمان على الأفيش لعب دورا حاسما في تعديل اختياري باتجاه فيلمهما هذا بنوع من الفضول والأمل. ولم يخب أملي، بل بالعكس، استمتعت بالفيلم كثيرا، إن لم أكن أغرمت به.
"في شقة مصر الجديدة" فيلم يبحث عن توأمة زمنين متنافرين، زمن الماضي الجميل الذي شاعت فيه الرومانسية والقيم النبيلة، وزمن العصر الحاضر الذي تتوحش فيه الرأسمالية على حساب كل القيم. عصر اللهاث والفردية، والعصرية المشوشة بقيم ماضوية. هذه المحاولة للتوأمة بين زمنين من جهة، والبحث عن الزمن الضائع من جهة أخرى، تمثلت في عدد من العناصر تبدأ من فكرة الفيلم وقصته، وتتجاوزها إلى تفاصيل الديكور، والإيقاع، والموسيقى، وكادرات الصورة، وحركة الكاميرا وصولا للأداء المميز لأبطال العمل.
قصة الفيلم تتناول محاولة فتاة بسيطة تدعى "نجوى" – غادة عادل- والتي تقطن إحدى مدن الصعيد (المنيا)، البحث عن مُدرّسة الموسيقى "تهاني" التي كانت تعلمها الموسيقى بالمدرسة في مرحلة الصبا، والتي قررت إدارة مدرسة الراهبات الصارمة، التخلي عن خدماتها لأنهم اعتبروها قد تجاوزت المسموح به لأنها كانت تعلم الفتيات معنى الحب.
دأبت الفتاة، لسنوات، على إرسال الخطابات لمعلمتها على عنوانها في شقة مصر الجديدة لسنوات، حتى بعد تخرجها وعملها بنفس المدرسة التي درست بها، كمدرسة للموسيقى، أيضا، مثل أستاذتها. وتستغل نجوى فرصة وجود تجمع لمدارس الراهبات في احتفال بالقاهرة، فتقرر البحث عن "تهاني" ، لكنها تكتشف أنها تركت الشقة منذ فترة، وأن ساكنها الشاب يحي – خالد أبو النجا- هو الذي كان يتلقى خطابات نجوى ويحتفظ بها دون أن يفهم شيئا عن العلاقة التي تجمع تلك الفتاة بساكنة الشقة من قبله.
تتخلف نجوى عن القطاروترتبك كثيرا لأنها لم تسافر للقاهرة من قبل ولا تعرف فيها أحدا، ويقوم سائق التاكسي عيد ميلاد – أحمد راتب- بتوصيلها إلى سكن مغتربات تديره إحدى السيدات التي تتعامل مع الفتيات كأنهن بناتها – عايدة رياض- وفي القاهرة، وخلال بحثها عن مدرستها بدأب ويقين قوي في وجودها، بعد أن أشاع البعض أن تهاني ماتت، تتشابك الأحداث، وتتعرض لمواقف عديدة مثل مصادفة سيدة تلد في حمام السيدات بمحطة القطار، أو محاولة زميلتها بالسكن للانتحار، وتطور علاقتها بالسيدة مديرة السكن، صاحبة الخبرة والتجارب، وأخيرا تطور العلاقة بينها وبين يحي ساكن الشقة الذي لا يؤمن بالحب ويكتفي بعلاقته بسيدة مطلقة – مروة حسين-هي زميلته في نفس الوقت إذ أنهما يعملان في البورصة، ويتشاركان أيضا في  تفضيلهما علاقة حسية بلا التزامات عاطفية من أي نوع، لكن وجود نجوى في حياته فجأة يقلب كل المعايير.
يبدو الفيلم محاولة لالتقاط العناصر التي تنتمي للزمن الماضي، التي توجد حولنا ولكننا لا نشعر بها من فرط رداءة الواقع الذي يحيط بنا حيث تسود الفوضى والزحام والفساد وغياب القيم والعشوائية وشيوع المظهرية وحساب المصالح. نجوى تجسد نقيض هذا كله، إذ أنها تبدو فتاة من الطبقة الوسطى المحافظة بلا تشدد، البريئة إلى حد السذاجة، التي تؤمن بالحب كإيمان عقيدي يجعلها ترفض الزواج التقليدي السائد في محيطها حتى تتعدى الثلاثين.
ثم يضع الزمنين معا، ليس فقط نقدا للواقع البشع، ولا حنينا للماضي، وإنما إقرار بأن الواقع ما زال يتضمن الكثير مما ينتمي لذلك الماضي، حتى لو بدى خابيا خلف ركام من وحشية الواقع، ما يعني إمكانية استعادة الزمن الضائع. يتجلى ذلك في الكادرات التي تعامل معها خان ببراعة وحتى في الديكور. فشقة مصر الجديدة هي في الأصل شقة قديمة ذات سقف عال، واسعة، تحتفظ بمظهرها الكلاسيكي القديم، وتتكوم فيها آثار تهاني؛ من البيانو العتيق، إلى الأثاث ذي الطراز الكلاسيكي، والصور الأبيض والأسود، باستثناء غرفة النوم التي تبدو كأنها المكان الوحيد الذي ينتمي له الساكن الجديد، فهي غرفة عصرية، بأثاث مودرن ذي خطوط حادة، بلا زخارف من أي نوع، يطغى عليها اللون الأحمر في لون الحائط وأغطية الفراش، والإضاءة العصرية، بقعة مفصولة زمنيا عن الزمن الذي تنتمي له الشقة، وساكنتها القديمة. وعادة ما يبدو يحي، في مشاهد وجوده مع عشيقته داليا، داخل كادر محدود بأطر خانقة لا تتجاوز مساحة مدخل باب الغرفة، أو بمدخل باب الحمام، أو حتى بمساحة المرآة الطويلة المواجهة للسرير. بينما الكادرات التي تجمعه مع نجوى عادة ما تكون كادرات واسعة في الفضاء الخارجي، في الشوارع، وعلى دراجته البخارية.
كما أن حركة الكاميرا أثبتت تميز مديرة التصويرنانسي عبد الفتاح. باختيار الكادرات بالشكل السابق الإشارة إليه، وأحيانا بالتصوير من زوايا عليا لإحتواء المجموعة كما في المشاهد التي تجمع الفتيات في سكن المغتربات، أو بحركة الكاميرا، التي تختار أكثر من كادر في المشاهد التي تجمع البطل بالبطلة، وحتى إذا اجتمعا في مكان مغلق مثل أحد المطاعم، فالكاميرا تتحرك بزاوية 180 درجة لنرى بروفيلهما في لقطة، ثم نرى الجانب الآخر من بروفيلهما في لقطة تالية، مما يعطي المشهد نوعا من الحيوية، ويسهم في تأكيد إيقاع الفيلم (المونتاج لدينا فاروق) الذي يخطف المشاهد ولا يوقع به في أسر الملل، رغم أنه فيلم ناعم وبسيط.
من عوامل حيوية الفيلم على مستوى الإيقاع هو أيضا إثارة بعض الأجواء الشبحية والغموض بالأصوات الغريبة ومشاهد للعمارة من خلفيتها ليلا،وانقطاع الكهرباء أو توقف الموسيقى بلا مبرر، من خلال مفارقات تلعب على توهم البطل أن تهاني قد ماتت وأن شبحها موجود في الشقة، إضافة لتراوح أجواء سكن البنات بين الميلودراما واستعادة البهجة من تفاصيل الحياة البسيطة للفتيات .
غادة عادل في هذا الفيلم تتألق، وتتفوق على نفسها، ببلوغها حالة من النضج تجب عنها الأداء الضعيف والمراهق الذي اتسمت به منذ ظهورها على الشاشة، بالشكل الذي يذكرنا بتألق نجمات كثيرات بعد مرحلة كن يحاولن فيها اكتشاف ذواتهن، مثل نجلاء فتحي، على سبيل المثال، فقد لبست الشخصية تماما، وأقنعتنا بأنها تلك الفتاة المنياوية، البريئة التي تشعر بالذنب تجاه معلمتها لأنها أثرت فيها وجعلتها تتلقى قبلة من فتى في عمرها واكتشف أمرها وحدث ما حدث. الطريقة التي تتحدث بها ومشيتها، ووجهها الخالي من المساحيق على امتداد الفيلم، وتهدل كتفيها، ونظرات عينيها، جاءت كلها على نفس مستوى استيعابها النفسي للشخصية. وفي مستوى تال أكد خالد أبو النجا موهبته وقدرته على التنوع, وإبراز قدرته على الأداء السهل الممتنع في هذا الدور، ولم يقل مستوى عايدة رياض وأحمد راتب عن ذلك في حدود مساحة دوريهما، كما أضفى يوسف داوود( لعب دور صاحب العقار وعشيق قديم لتهاني) حالة من البهجة، وأضاء بعض المشاهد بحيويته ومحاولة الابتعاد عن نمط شخصيته المعتاد. كما تألقت مروة حسين في دور العشيقة التي ترفض الارتباط بميثاق الزواج بعد فشل زواجها، ثم وقوعها أسيرة فكرة الإنجاب على حساب أي شيء آخر.ولا شك أن كل ذلك يعود لتوجيهات المخرج المخضرم محمد خان .
  اللافت هنا أيضا أن وسام سليمان أكدت موهبتها مرة أخرى بشكل يقربها كثيرا النجومية، في مناخ طغت عليه كتابات تتنازل للمنتجين تطوعا تحت دعوى أن "الجمهورعاوز كده" وقدمت المعادلة الصعبة، رغم أنها لم تكتب قبل هذا الفيلم سوى فيلمين فقط هما "أحلى الأوقات" وبنات وسط البلد"، كما بدا حرصها على التفاصيل (ربما باستثناء القصور الذي شاب تفاصيل خلفية كل من يحي وداليا عشيقته)واختيار الأغنيات المعاصرة ببراعة، والابتعاد عن النمطية واختيار نهاية مختلفة،  إضافة إلى الكثير من اللمسات التي أعطت للفيلم خصوصيته، التي أكدتها في نفس الوقت موسيقى تامر كروان. هذا الفيلم أشاع في قلوبنا الأمل، ليس على مستوى الحياة اليومية فقط، وإنماعلى مستوى مستقبل صناعة السينما المصرية أيضا وبالأساس.

نشرت في النهار اللبنانية في 2007