Monday, April 23, 2012

نغمات فنية تتأمل الفرد في عالم سحق الإنسانية



معرض مشترك للفنانين هند عدنان وإبراهيم الدسوقي
نغمات فنية تتأمل الفرد في عالم سحق الإنسانية


للوهلة الأولى حين يدلف زائر المعرض المشترك للفنان ابراهيم الدسوقي وزوجته هند عدنان يرى الفنانة هند عدنان في مدخل المعرض، وسرعان ما يتبين أنها لوحة ضخمة استخدم فيها الفنان ابراهيم الدسوقي زوجته الفنانة كموديل.
ولعل هذه المفاجأة ليست الأولى لهذا المعرض المشترك الذي افتتح قبل أيام في قاعة بوشهري للفنون في مدينة الكويت، واحتضن أعمالا لكلا الفنانين معا ربما لأول مرة. وهذه لعلها المفاجأة الثانية.

أما الثالثة فتتبين في التيمة المشتركة في معرض يجمع بين فنانين عملا في وقت قياسي على تثبيت سمعتهما كفنانين مرموقين في اتجاه فني يبدو اليوم غريبا، كونه يقترب أكثر إلى مفاهيم "الواقع"، وإن كان برؤى حداثية تنتمي لمدارس من مثل "النيو كلاسيك". والعودة، وفي هذا المعرض معا، إلى التعبير الفني بتدعيم فكرة "الموديل". وبينما يشترك الفنانان في تيمة الاستعراض التعبيري عن الحالات  الوجدانية المختلفة للكائن البشري عبر موضوع "الموديل"، فقد اختار الفنان ابراهيم الدسوقي إضافة موضوعين آخرين جانب منهما هو الطبيعة، وجانب آخر يتعلق بموضوع الهوية.
الفنانة هند عدنان تنوعت أعمالها بين اللوحات التي تركز على التناقضات في المشاعر الوجدانية البشرية عبر ثنائيات الحزن والفرح، او الحيرة والقلق، أو سوى ذلك من مشاعر وجدانية اعتمدت على "اسلوبين" فنيين عبرت في كل منهما بشكل مستقل عن التيمة الرئيسية، في الأولى اعتمدت على استخدام الألوان القوية بما يلائم كل حالة تعبيرية، بينما اعتمدت في الثانية على مفاهيم "الاسكتش" بالأبيض والأسود، وهي تعبير ايضا عن الأسلوب الأولي للتعامل مع الموديل بشكل عام حيث يتم نقل الحالة المراد نقلها بسرعة وبرتوش سريعة إلى اللوحة في مرحلة أولى، ولاحقا تقوم الفنانة بنقل الحالة وفقا للتأثيرات الفنية التي ترغب فيها في لوحة أخرى.


وبالرغم من أن هند عدنان بدأت هذه التيمة منذ وقت يعود لنهايات التسعينات، لكنها لا تزال ترى في التيمة ما يمكن التعبير عنه وإيجاد قيم فنية ووجدانية جديدة، وباستخدام تقنيات متعددة، ونماذج موديل تتنقل بين البشري وغير البشري أحيانا، وصولا للطبيعة، وهي مدرسة تذكرنا بفنانين من قبيل حسن سليمان، وعادل السيوي، وكلاهما كان يعمل على تيمة محددة لسنوات ويستخلص منها قيما فنية جديدة في كل تجربة.
وبالرغم من أن مثل هذه الأعمال تحيل إلى مفاهيم فنية من مثل "الواقعية"، وبالرغم من ذلك فهناك إضافة خاصة تمنح كل عمل منها لمسة الحداثة الخاصة بها، والتي تتحقق من منح اللوحة أو العمل تأثيرا شعريا، يتبين من حالة الصمت السائدة في جو العمل، وفي الإحالة الوجدانية التي يشير لها مضمون العمل في الوقت نفسه. والواقعية الشعرية كانت واحدة من اهتمامات عدد كبير من الفنانين الغربيين في الستينات الذين اسسوا ما يعرف باسم الواقعية الجديدة، وبرزت تاثيراتها في العمارة اكثر من الفنون.


ولعل الفرد الذي أصبح اليوم مثار اهتمام كبير، بعد ثورات الربيع العربي، كشف ان غيابه، كفرد ومواطن وصاحب حقوق وكإنسان، اصبح اليوم محلا للسؤال وبحث سبل استعادة الذات الفردية المطموسة تحت نير الفساد والقهر والظلم، وبهذا يمكن تأمل الحالات المختلفة التي يعبر عنها هذا الفرد مستعيدا "ذاتيته"، وكرامته، فنيا، على الأقل، في أعمال كل من هند عدنان وكذلك إبراهيم الدسوقي، الذي يختار هند لتكون "موديل" عددا من لوحاته يعبر في كل منها عن حالة وجدانية مختلفة، فبينما يبدو الشجن والحنين وربما الحزن عنوانا لإحدى اللوحات مؤكدا إياه بالالوان الحيادية والباردة، فإنه في لوحة أخرى، أقرب لفن البورتريه يعبر فيها عن حالة "موديل فنانة" مضيفا لونا أصفر كشريط تلف بها شعرها، وتذكرنا على نحو ما بملامح الفنانة فيروز! ويبرز في هذه الاعمال بشكل عام مهارة الدسوقي الكبيرة، اضافة للمهارة الفنية، في تجسيد الحالة الروحية التي تعد بصمة الشخصية في وضع تعابير الوجه للموديل في حالة خاصة جدا وبرغم صمتها تبدو معبرة بشكل لافت عن روح الشخصية.
أفتح مزدوجين هنا محيلا على عملين آخرين كنت شاهدتهما هنا ايضا في الكويت في المعرض الخاص بأم كلثوم، وفيه قدم ابراهيم الدسوقي لوحتان جسد فيهما، كوكب الشرق في حالتي تألق على المسرح، ملتقطا روحها الفنية، والكاريزما القوية التي كانت تتمتع بها في حضورها عموما، وعلى المسرح على نحو خاص.

هناك لوحتان يختلفان نوعيا عن موضوع المعرض وهما للفنان إبراهيم الدسوقي، وفيه يستعرض جانبا من الأعمدة الحجرية العتيقة التي تبدو كأجزاء من معابد فرعونية قديمة. يستعرض الدسوقي في هاتين اللوحتين اسلوبه الرصين وقدراته الفنية الكبيرة في التعامل مع الضوء والظل، وطبقات اللون وكثافته، ومهاراته الأكاديمية في نقل الواقع بشكل مختلف عبر الاستخدام المميز لإمكاناته في نقل الصمت الى اللوحة مانحا لها إيقاعا خاصا يسمو بها فوق الواقع، وأيضا في التعبير عن مضمون فكرتين الأولى تبدو تعبيرا عن مفهوم الهوية ممثلة في استعادة الدسوقي لجزء من الحضارة المصرية القديمة في اوج قوتها ممثلة في "الهندسة" المعمارية المتطورة والتي تعد وثيقة معمارية عابرة للزمن. وتأكيده لروح هذه الحضارة كقوة روحية وقيمية وفكرية راسخة برسوخ وجودها نفسه، وهي فكرة لها أهمية كبيرة في مراحل التشتت التي يعيشها الكثير من المصريين الآن.
هذا معرض له طابع خاص جدا، ويكشف عن فنانين مميزين، لكل منهما بصمة خاصة جدا، تكشف بين ما تكشفه عن الأصالة والقدرات الفنية الخاصة لهما من جهة، كما تكشف عن قوتهما الشخصية والفنية في الإصرار على تجويد اتجاهات فنية تعيد تمثيل وتصوير وقراءة الواقع باساليب فنية لا تعدم وسائل حداثتها.


No comments: