Wednesday, September 29, 2010

القاريء.. الرواية والفيلم



القاريء ..الرواية والفيـــلم

شاهدت فيلم
The Reader
 من بطولة العبقرية كيت وينسليت وممثلي المفضل رالف فين، واستمتعت..

لكني عدت لقراءة النص في ترجمته الإنجليزية، الرواية من تأليف الكاتب الألماني برنهارد شلينك وصدرت عام 1995.

والحقيقة أنه نص فاتن أسلوبيا من حيث كونه نص سهل ممتنع بامتياز، يبدو سرديا سهلا، بينما هو يخفي طبقات عميقة من الفلسفة والفكر خلف سطور السرد.

وهو نص ممتع، وصادق في وصف شخصية هانا ..التي نجحت ونسلت في تجسيد شخصيتها على الشاشة باقتدار، والمبهر أنها التزمت بالوصف الدقيق الذي قدمه الكاتب لها، وهي قد تبدو شخصية غامضة بليدة المشاعر، رغم أنها تخفي عاطفيتها وهذا في ظني تجسيد عميق للشخصية الألمانية، التي تخفي مشاعرها وتلتزم الصمت وتبدو جامدة عصية على الفهم..متحفظة. خصوصا في الجيل الذي يتناوله الكاتب وهو جيل النازية.

هذا نص فاتن من حيث قدرته على إثارة الأسئلة بتلاحق.. أولا حول مفهوم الكرامة، حين تمتثل هانا لقدر السجن لكي لا تفشي سر أميتها.. فهل من الكرامة أن تعتبر في عرف المجتمع مجرمة مسؤولة عن قتل عدد من البشر ممن كانوا يعيشون في معسكر تتولى هي مع عدد آخر من السيدات حراسته، قبل انتقالهم لغرف الغاز؟

أم أنها تقدم نموذجا يطرحه الكاتب للشخصية الألمانية التي صدقت في مزاعم النازي وخضعت له؟ هل أميتها هنا رمز لهذا الغسيل العقلي الذي صدق بسببه البعض مزاعم النازي العنصرية؟

أم أنها ترمز للشخصية الالمانية التي ترفض أن تتهم بالأمية، خصوصا وأن الإحصاءات تقول أن المجتمع الألماني من أكبر شعوب العالم "تعلما".

في ظني أن الرواية نموذجا للنقد الذاتي، الذي ينقد به الكاتب المجتمع الألماني على مستوى الجمهور العادي الذي تقبل ما فعله الديكتاتور إما خوفا من بطشه او تصديقا لمزاعمه.

أما شخص الراوي "مارك" الذي تورط في علاقة عاطفية جسدية وحسية بالغة القوة مع هانا وهو في مقتبل مراهقته، فهو يقدم ربما نموذج المثقف الألماني الذي لم يقاوم، ولم يؤد دوره على النحو الواجب في مقاومة فاشية الديكتاتور، واكتفى بدور "القاريئ" السلبي؟

ولعله ايضا يقدم توصيفا لهذه الشخصيات كنماذج من المجتمع الألماني بنقد انغلاق هذا المجتمع على ذاته.

في مشهد بالغ الجمال يقف الراوي في الغرفة التي يجلس فيها والده للكتابة والعمل، وهو فيلسوف وأستاذ جامعة متخصص في الفلسفة.. يرصد مارك مكتبة والده ويصل الماضي بالحاضر بلمسة سردية حين يشير للكتب بكونها الكتب نفسها التي لمستها يد هانا حين زارته في بيت أهله في غيابهم مرة من المرات، وهي كتب الأب المنعزل في برجه العادي عن الناس، جالسا في غرفته التي توجد بها نافذتان الأولى تطل على الطبيعة التي يقول مارك أنه لم يكن مسموحا له ولإخوته الخروج إليها كثيرا، وهو تعبير عن الانغلاق الذي أشير إليه، أما النافذة الثانية فتطل على نهر الراين، وهي إشارة ربما إلى ارتباط الهوية الألمانية بهذا الانغلاق.

إنها رواية تدين الانغلاق والأمية، وسلبية المثقف وعزلته، وكذلك تطرح فكرة العدل بقوة.

شخصيا تعاطفت مع هانا، خصوصا في اثناء محاكمتها، لأنها على الأقل قررت تحمل جزءا مما اقترفته، سواء كانت تقصد ام لا، وسجنت 18 عاما، وكانت تسأل القاضي بإخلاص: ماذا تفعل لو كنت مكاني؟، مؤكدة أنها لم تقصد شيئا، وأنها اضطرت لما اضطرت إليه حين احترقت الكنيسة التي كانت توجد بها مجموعة الفتيات والسيدات اليهوديات اللائي كن في الطريق إلى معسكرات القتل الجماعي.

تعلمت هانا القراءة والكتابة بفضل الشرائط المسجلة التي كان يرسلها لها مارك مسجلا روايات وملاحم أدبية مما يقرأه، مؤكدا أن خلاص الشعوب في وعيها وثقافتها، بعد أن تدفع ضريبة استعادة هذا الوعي.

لكنها رفضت أن تعود للحياة بعد انتهاء فترة سجنها كأنها ترفض الحياة في مجتمع لم يوفر لها فرصة التعلم، حتى في السجن. وهكذا انتحرت.

وهي أيضا وأيضا رواية عن الحب، والجنس، والمسؤولية، وعن ارتباط المعرفة بالمتعة والجنس بما هو معنى من معاني استعادة الحياة واستمراريتها، رواية تستحق أكثر من قراءة وتستحق الترجمة أيضا.













5 comments:

Michel Hanna said...

مقال جميل نبهني إلى أشياء لم أنتبه لها من قبل
لكني لم أستطع أن أحب الفيلم في الحقيقة عندما رأيته
كنت قد كتبت عن الفيلم وقتها هنا:
http://mostanqa3at.blogspot.com/2009/06/reader.html

Michel Hanna said...

مقال جميل نبهني إلى أشياء لم أنتبه لها من قبل
لكني لم أستطع أن أحب الفيلم في الحقيقة عندما رأيته
كنت قد كتبت عن الفيلم وقتها هنا:
http://mostanqa3at.blogspot.com/2009/06/reader.html

د.حنان فاروق said...

أظن أن تحويل العمل المكتوب إلى سينما أو دراما بوجه عام يؤدي إلى تغييره ولن أقول تشويهه فقد يصبح الفيلم أو العمل الدرامي أقوى واكثر إقناعاً من المكتوب وقد-وهذا يحدث أكثر-يظل العمل المكتوب أروع واقرب للقاريء ...عندما تشاهد العمل وتسمعه يتغير وضعك كمتلقي من مستقبل حرف يخرج العمل داخله ويمثله ويراه ويعيش أحداثه ويتنفسه إلى أسير الشخصيات أو القوالب التي وضعك فيها فكر مخرج العمل وسيناريسته وكاتب حواره...لا شك أن العمل مهما اقترب من العمل الأساس يصبح آخر...وجهاً مختلفاً ووجهة نظر أخرى...لأنه لايصبح فكر الكاتب الاصلي وحده ولكن يمتزج بفكر ورؤى الآخرين..
قراءتك للرواية ورؤيتك للفيلم استاذ ابراهيم سيجعلاني أبحث عنه واحرص على رؤيته وقراءته معاً
تحياتي

د.حنان فاروق said...

أظن أن تحويل العمل المكتوب إلى سينما أو دراما بوجه عام يؤدي إلى تغييره ولن أقول تشويهه فقد يصبح الفيلم أو العمل الدرامي أقوى واكثر إقناعاً من المكتوب وقد-وهذا يحدث أكثر-يظل العمل المكتوب أروع واقرب للقاريء ...عندما تشاهد العمل وتسمعه يتغير وضعك كمتلقي من مستقبل حرف يخرج العمل داخله ويمثله ويراه ويعيش أحداثه ويتنفسه إلى أسير الشخصيات أو القوالب التي وضعك فيها فكر مخرج العمل وسيناريسته وكاتب حواره...لا شك أن العمل مهما اقترب من العمل الأساس يصبح آخر...وجهاً مختلفاً ووجهة نظر أخرى...لأنه لايصبح فكر الكاتب الاصلي وحده ولكن يمتزج بفكر ورؤى الآخرين..
قراءتك للرواية ورؤيتك للفيلم استاذ ابراهيم سيجعلاني أبحث عنه واحرص على رؤيته وقراءته معاً
تحياتي

Afrah Nasser's Blog said...

For me it was a wonderful movie . I simply loved it.

Your article made me want to read the novel itself and i will do tht soon :)