Sunday, February 15, 2009

حوار مع بهجتوس



كنت أجريت هذا الحوار مع الراحل الفنان بهجت عثمان أواخر التسعينان ونشر في الأهرام العربي، ولكني فقدته حتى وجدته بالصدفة منشورا في أحد المنتديات، فشكرا لهم.، وهي فرصة لاستعادة الفنان الجميل النبيل الراحل.


الفـنان بهجت عثمان: زياد رحباني أهم كاريكاتريست في العالم..!و

حوار: إبراهيم فرغلي
الفنان بهجت عثمان أحد رواد فن الكاريكاتير العربي..استطاع أن يضع بصمته الخاصة خلال رحلته الطويلة عبر صحف متنوعة تجلت عبر مجموعاته "الديك والفرخة"..و"السلم والثعبان" و"حكومة وأهالي" وبهجتوس" التي استطاع أن يبرز بها خفة ظله وقدرته المدهشة على التجديد باعتراف الأجيال الجديدة،الذين اكتشفوا أن الفنان الكبير سبقهم إلى أفكار ظنوا أنهم طرقوا بها أبوابا جديدة لفن الكاريكاتير. الكاريكاتير وعلاقته بالسياسية هو المدخل لأي حوار مع بهجت عثمان… ليس فقط لأنه ساهم في الانتقال بالكاريكاتير من دوره السياسي المباشر إلى الكاريكاتير السياسي الاجتماعي.. ولكن أيضا بسبب أن أغلب الفترات التي توقف فيها عن الرسم تعود لأسباب سياسية.وهو يعلق على ذلك قائلاً: لدى اعتقاد-ومن الجائز جداً أن أكون مخطئاً-أنه لا يوجد كاريكاتور غير سياسي بداية بالكاريكاتير الذي يتكلم عن الغلاء وازدحام المرور وتعداد الناس ونقص المواد الغذائية..فهذه كلها سياسة داخلية. -
عندما اتخذت قراراك بالتوقف عن رسم الكاريكاتير فسر البعض ذلك بأنك يئست من دور الكاريكاتير في نفس الوقت الذي أثبت فيه"ناجي العلي" أن الكاريكاتير قوة لا يوقفها حتى الرصاص؟
لا شك أن ناجي العلي كان موقفه صحيحاً، وأزعم أن موقفي أنا صحيح، لأنني على يقين أن الكاريكاتير إذا أصبح قوة غير مؤثرة فلا داعي لوجوده.
- غير مؤثر بأي معنى؟
بمعنى حجم استقبال الناس والجمهور له ومدى قوة الفكرة والأهم من هذا كله أن يكون هناك ديمقراطية حقيقية تسمح بالحوار.. وإنما أن يسود منطق "أنت تقول ما تريد ونحن نفعل ما نريد" فهذه ليست ديمقراطية وإنما"حوار الطرشان".

- هل تعتقد أن الكاريكاتير يرتبط بانتعاش حركة الفن التشكيلي أم بالصحافة؟

أتصور أن القضية قضية أوان مستطرقة.. وعندما يكون المسرح مثلا منتعشا ستجد أن بقية الفنون على نفس المستوى، ربما تكون هناك بعض الاستثناءات حتى لا أعمم بشكل غير دقيق، فمثلا رغم تدني مستوى المسرح والأغنية فجأة هبت ريح طيبة على السينما المصرية أظهرت جيلا بدأ بريادة على بدرخان ثم داود عبدالسيد وعاطف الطيب وخيرى بشارة ورضوان الكاشف حققت انتقالة نوعية في مستوى السينما السائد.. لكن تظل نظرية الأواني هي السائدة. - كيف ترى تطور مدرسة الكاريكاتير العربي؟ أنا في الحقيقة لست مؤرخا..ولكنى على المستوى التاريخي وجدت الكاريكاتير في بعض البرديات الفرعونية التي تصور مثلا الأسد والغزال وهما يلعبان الشطرنج أو الذئب يسير خلف مجموعات البط..فهذا كاريكاتير وبدون تعليق، أو صورة بها شجرة يقف أعلاها سيد قشطة بينما يقوم طائر بإحضار سلم لكي يستطيع الصعود فوق الشجرة.. فهذا انقلاب أوضاع وسخرية مرة.. وأزعم-مع أنني لست مؤرخا- أن هذا هو أول كاريكاتير شاهدناه. ويضيف بهجت عثمان: مرت على مصر عصور ازدهار وعصور انحطاط كثيرة.. لكن بدأ انتقال الكاريكاتير إلى مصر عن طريق يعقوب صنوع- وهو ما يؤكد أننا أمة عربية واحدة- الذي جاء إلى مصر من الشام.. كما مرت مجموعة من الأجانب وأثروا بشكل كبير مثل "سانتيز" الأسباني و"رفقي" والفنان "صاروخان" وهو فنان عبقري ومتطور جدا.. وهؤلاء أثروا مسيرة الكاريكاتير في مصر حتى ظهر أول مصري في هذا المجال وهو عمنا "رخا".

- نموذج"بهجاتوس" الذي أبدعته كتب عنه د.علي الراعي-رحمه الله- في أحد مقالاته مشيرا إلى أنك تأثرت بمسرحية "الإمبراطور جونز" لأونيل في ابتكاره هل هذا صحيح؟

أنا في الواقع تأثرت بعناصر كثيرة اختزنتها في الذاكرة.. ولكن ربما أن ما ساعد على تفجير الرغبة في إخراج نموذج "بهجاتوس" هو قراءتي لرواية ماركيز "خريف البطريرك".
- دار الهلال.. روز اليوسف.. السفير.. الأهالي.. العربي..والمساء.. كلها محطات في مشوارك.. أيهما أقرب إلى قلبك؟
أريد أن أؤكد على شئ مهم –وأعتبر نفسي محظوظا لذلك-هو أنني لم "أعمل عند أحد" وأؤكد على هذه الكلمة..وعندما كان "إحسان عبدالقدوس" صاحب مجلة "روز اليوسف" هو والسيدة "فاطمة اليوسف" وانتميت إلى "روز اليوسف" لم أشعر أنني "باشتغل عندهم" رغم أن رواتبنا كانت تخرج من جيبهم الشخصي.. وهكذا كنت أشعر بأنني أعمل مع إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين ومحمود أمين العالم وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور ومحمود عودة وفتحي غانم وأبو العينين وحسن فؤاد.. وكذلك في تجربة المساء كنت أعمل مع خالد محيي الدين وعلى الراعى والآخرين.

- هل يمكن الربط بين هذا الإحساس.. وانسحابك من بعض التجارب؟

لهذا السبب وحده كان الانسحاب إلى جانب مئات الأسباب منها وقفي عن العمل في "دار الهلال " لفترة عندما جاءني عرض من صحيفة أخرى اشترط عدم تناولي للسياسة وكان بديهيا أن أرفضه

.

- وهل توجهك لرسوم الأطفال كان بديلا للكاريكاتير؟

عندما قدمت نموذج "بهجاتوس" كنت أحاول تقديم دعوة للديمقراطية..والحقيقة أنه كان له صدى أكثر من عادى ربما بسبب توقيته، بالإضافة إلى أنه نشر في جريدة "الخليج" بالشارقة وفي "الوطن" بالكويت و"السفير"بلبنان و"الاتحاد الاشتراكي" بالمغرب و"اليوم السابع" في باريس إلى جوار "الأهالي".. وطبع ككتاب ثلاث طبعات في مصر والمغرب ولبنان.. ومع ذلك عندما نظرت إليه بعين ناقدة اكتشفت أنه على الرغم من محاولة المبالغة الكاريكاتورية لوصف الديكتاتور كان الواقع فوق ما وصفت.. وتوقفت.. وجزء من توقفى كان محاولة للبحث عن طريقة للتعبير عن نفسي لمحاولة تحسين وجه الدنيا كما هي عقيدتي كرسام.. فدخلت عالم رسوم الأطفال واكتشفت أنه لا يقل أهمية إن لم يكن أهم من الكاريكاتور

.

- كيف كانت العلاقة بينك وبين زملائك الذين أطلق عليهم الجيل الذهبي للكاريكاتير؟

علاقتي بهم كانت ومازالت طيبة طبعا.. وكنت أتعلم منهم جميعا.." صلاح جاهين" بدأت صداقتي به في كلية الفنون الجميلة.. سألني عن اسمي.. فأخبرته فقال.."على اسم أبويا.. طيب تعالى يا أبويا أرسمك".. وقد بهرنى رسمه العبقرى وقلت إذا كان هذا الذى يعيد السنة يرسم الشكل.. فالأفضل لي أن أجد لى مكانا آخر. واستمرت صداقتنا حتى بعد ذهابه إلى كلية الحقوق.. وكان لدي ذاكرة تمكنني من حفظ أى شعر يقوله من المرة الأولى، لذلك عندما قامت السيدة الفاضلة"عطيات الأبنودي" بتجميع أشعاره في كتاب أهداني نسخة كتب عليها.. إلى "راويتي". وهو فنان شامل ومبدع عزيز فتعلمت منه الكثير، وتعلمت أيضا من "حجازي" الذي كنت أغبطه على البساطة المدهشة في أعماله.


- في مجموعتك "حكومة وأهالي" و"بهجتوس" لاحظت عدم وجود العنصر النسائى.. هل لهذا دلالات خاصة؟

أنا مشغول طوال عمرى بقضية المرأة، وحتى عندما قمت مؤخرا بعمل رسوم الأطفال تعتمد على تقديم ميثاق حقوق الطفل اهتممت بالبنت..مثلا أشرت إلى أنه من حق الطفل أن يكون له اسم مناسب..فكنت أرسم صورة وأكتب تعليقا تقول البنت من خلاله:"أمال ليه أنا اسمي "استكفينا" وبنت خالتي اسمها "زيادة" ؟! وآخر ما قمت به في هذا الصدد نتيجة مخصصة لحقوق البنت من خلال الأمثلة الشعبية.. وقد قمت بجمع عدد هائل من الأمثال الشعبية اعتمادا على مؤلفات "عائشة التيمورية" و"أحمد باشا تيمور" إلى عمنا "سيد عويس" وآخرون.. والغريب أنني اكتشفت أن 98% من هذه الأمثال ضد المرأة. أما بالنسبة "لبهجتوس" فقد كانت التجربة الرئيسية هي نموذج الديكتاتور. - هل هنالك نموذج لكاريكاتير سيئ تحتفظ به في ذاكرتك؟ لأن الكاريكاتير السيئ أنساه فورا.. لكن على أي حال أسوأ الكاريكاتير هو مهاجمة الضعيف.. أي أن تسخر من شخص أعرج أو عجوز..إلخ، لأن هنالك بديهات تعلمناها من "شارلي شابلن" أنك عندما تشاهد شخصا فخما.. يدخن سيجارا ويتزحلق على قشرة موز تضحك. يضحك بهجت عثمان وهو يبرر الضحك بقوله "لأنك يعني.. متعاطف مع قشرة الموز" إنما لو شاهدت شخصا ضعيفا في نفس الموقف فسوف يصعب عليك وسوف تجرى- نفسيا على الأقل-لمساعدته، وهذا هو الفارق بين الكاريكاتير الجيد والكاريكاتور السيئ.

- من الذي يلفت انتباهك من الأجيال الجديدة لرسامي الكاريكاتير؟

بالنسبة للجيل الجديد أنا أراهن على"عمرو سليم" لأنه أكثر الموجودين موهبة..وتشعر بأن لديه هما حقيقيا وأعتقد أنه أكثر الموجودين على الساحة من الجيل الجديد الذى يبشر بأنه امتداد للجيل السابق.

- قلت ذات مرة إن "زياد الرحبانى" أهم كاريكاتيرست في العالم.. ما الذي تعنيه بهذا؟

فعلا.. "زياد" هو أهم كاريكاتيرست في العالم.. لأنه يرسم صورا لفظية مدهشة بالكلمات.. وعلى سبيل المثال قام في أثناء الحرب اللبنانية بتقديم برنامج "بعدنا طيبين" كان خلاله يقدم يوميا فقرة تتراوح بين 15 ثانية، و15 دقيقة عن قضايا في منتهى الأهمية، أما من ناحية الأغاني- فلو سمعت أغنية "أنا مش كافر..بس الجوع كافر..وشو بدى أعمل لك إذا اجتمعوا في كل الأشياء الكافرين؟!" ستعرف أن ما أقوله صحيحا..بالإضافة إلى أنه أيضا من الفنانين الشاملين.. ممثل عظيم وشاعر عظيم ومطرب كبير وملحن متمكن ومجدد لدرجة مدهشة

No comments: