Wednesday, February 16, 2011

ثورة زمانية

تزعجني كثيرا تعليقات من محيط المعارف والأصدقاء والعائلة، وغيرها مما يرد على الفيسبوك من فئات عدة تعبر عن قلق وخوف وهواجس، كثيرا ما تتفوق على نشوة الفرح بالثورة.
واظنها كلها نتاج اسئلة مشروعة بالتأكيد..إنه الخوف التقليدي من الغد، من احتمالات الفوضى، ومن سيناريوهات المجهول الذي لا يحبه المصريون عادة، ويخشونه خشيتهم للموت.
لكني أعتقد ان المنظور الذي يجب أن نتامل به هذه الثورة العظيمة ينبغي أن يستعين بمناظير خاصة تميل للقدرة على الخيال، وعلى الطموح لتأمل النجوم في السماء اكثر كثيرا من النظرة التقليدية التي لا يمكنها ان تبتعد كثيرا عن أرض الواقع.

ما انجزته هذه الثورة في الحقيقة، ولمن يرغب في التأمل برؤية أكثرعمقا يتجاوز عمره 100 سنة تقريبا، وهذه الفجوة بين العمر الحقيقي للمنجز والعمر الذي كان من المتصور أن يأخذه يحتاج للقفز على الكثير من المعطيات خصوصا وان الشواهد القريبة لا يمكن القياس عليها
الثورة بكل ما أنجزته، وبتفاصيل تحركاتها، وبالشعارات التي رفعتها، وباداء وقودها من البشر من كافة الطبقات والانتماءات، وبانضباطها، وتفاني وإخلاص من قادوها وحملوا لافتة التغيير على صدورهم العارية امام رصاص الداخلية، هي في الحقيقة نقلة زمنية هائلة لا يمكن استيعابها بسهولة، سفر زمني، أو رحلة في الزمن، وربما عملية ضغط غير مسبوقة للزمن في مكان جغرافي محدد وثابت لا يمكن للمقاييس الطبيعية للتفكير ان تستوعبه بسهولة
وهذا نتاج التقنية الأساسية التي اعتمدت الثورةعليها في إطلاق شرارتها الأولى وهي تقنية الوسائل الافتراضية للاتصال ممثلا في الإنترنت  بوسائل التدوين والشبكات الاجتماعية التي تعد في حد ذاتها من سمات عصر الحداثة وما بعدها
وهي عندما بدأت في يوم 25 يناير بثلاثة مطالب تمثل الحرية والعدالة الاجتماعية والخبز كأي  ثورة لها مطالب اجتماعية كانت قد نظمت تحركاتها بشكل غير مسبوق سواء من حيث العدد او التحرك من اكثر من منطقة في القاهرة في نفس الوثقت وفي اكثر من مدينة بنفس التكتيك وهو ما منحها قوة كبيرة
وفي يوم 28 ارتفع سقف المطالب الى اسقاط النظام بما يعني ان المتظاهرين ارادوا ان يثبتوا للنظام ولجهاز الشرطة القمعي انهم لا
يلعبون وان الاستهانة بمطالهم ستؤدي الى رفع سقف المطالب الى اقصاه
اما الطابع الحداثي الثاني للثورة فهو طبيعة الشعارات نفسها والتي استخدمت  جملة عربية فصحى هي
الشعب يريد اسقاط النظام
تأكيدا لروحها الثقافية من جهة ولوعي من يحركونها من جهة ثانية والتأكيد على الخيال المختلف والروح الابداعية التي ظهرت العديد من تجلياتها في الايام ال18 اللاحقة عبر الشعارات والأنشة والاغنيات والاحتفالات والفقرات التمثيلية والشعارات الكاريكاتيرية التي ابدعها المشاركون  في التظاهرات في ميدان التحرير وفي ارجاء مدن مصر.
ِِ
ويخطيء البعض ان الشباب الذين تحركوا يفتقدون للمفاهيم السياسية لأن الواضح انهم يعرفون ما يفعلون لأن سرعة بديهتم واستجابتهم لكل تحرك من النظام او الحكومة وصولا للمطالب التي ابلغوها للمجلس الرئاسي العسكري تثبت ذلك بكل وضوح
ولا اعتقد ان هناك مشكلات في مستقبل الثورة التي تفرض كل يوم صوتها وتهز مصر كلها بأشواق التغيير في السياسة وفي القيم الاجتماعية والوطنية وفي إحياء فكرة نهضة المجتمع المصري وبعثه من مواته الطويل.
لذلك فالمخاوف التي تتغذى من الافكار المستقرة التي سادت في المجتمع على مدى عقود وعلى نظرية المؤامرة التي تسبب فيها غياب طويل للشفافية في المجتمع بإرادة النظام وحراسة ادواته القمعية .اقول ان هه المخاوف لا تصلح للتعامل مع واقع الثورة ومستقبلها
ما سوف تقود اليه هذه الثورة يحتاج لخيال مواز ولطريقة تفكير يمكنها تجاوز الزمن الي قفزت عليه هذه الثورة
ربما سيكون من المتوقع مواجهة القيم المتخلفة التي انتجها النظام السابق عبر انتشار الخرافة والتعليم الرديء وسوء مستوى المعلمين وانهيار المناهج التعليمية وانتار قيم التدين الشكلي واثرها المرعب في شيوع الانحياز الديني للفرد كهوية واحدة ووحيدة على حساب قيم المواطنة وهو صراع سيحتاج لجهد من الاعلام  والصحافة بعد ان يستعيدا صوتهما الموضوعي وحين تغيب منهم كل اصوات البلطجية والتافهين والسطحيين الذين لوثوا عقول المصريين وغيبوها، ولوثوا سمعة الاعلام المصري على مدى عقود وخصوصا السنوات الخمس الاخيرة التي وصلت فيها الصحافة الى انحدار ربما لم تعرفه في كل تاريخها من خلال ابواق السلطة التي تسللت الى قمة تلك المؤسسات الصحفية بترشيحات مؤسسة الحكم المخلوعة
لذلك لا بد ان يتم الآن الفرز اللازم في كافة المجالات والتخلص من كافة العناصر التي كانت تتربح من النفاق والممالئة للسلطة البائدة لأن المعركة المقبلة هي معركة استعادة الوعي المغيب للشعب المصري وهذه تحتاج لكل الأصوات من المخلصين ممن يمكنهم استيعاب حجم النقلة التي حدثت في المجتمع ونوع المجتمع المأمول تحقيق نهضته في المستقبل القريب والذي يحتاج لاصحاب الخيال والمبدعين والطموحين المؤمنين بأن الابداع هو سبيل النهضة 


No comments: