Wednesday, November 3, 2010

مؤامرة على اللغة

مؤامرة على اللغة



(اكتشفت إني مهموم بموضع العامية منذ فترة، وهنا مقال نشرته سابقا في صفحة "المدونة" التي اسستها وحررتها خلال عامي 2006 و2007 في الطبعة العربية من الأهرام اليومية)

مؤامرة على اللغة

لا أستطيع أن أفهم ظاهرة شيوع العامية في كتابة المدونات، تماما كما لا أفهمها، ولا أستسيغها، على أي نحو في الصحافة، وفي ظني أنها ظاهرة تصل حد الابتذال، خاصة إذا سمعت نشرة إخبارية مصورة على شاشة إحدى القنوات وهي تقرأ بالعامية.

عندما سؤل عميد الأدب العربي في أخريات أيامه عن الأجيال الجديدة، كان يرى أنها لن تصل إلى شيء طالما أنها تستخدم العامية.وأظن الرجل كان بعيد النظر، قادرا على رؤية ما لم نكن نستطع أن نراه آنذاك ببصرنا بينما كشفته بصيرته.

هل تتنافى اللغة العربية، بكل إمكانياتها وجمالياتها مع التعبير عن مشاعر الشباب، وهل يظن البعض منهم أن ما يشعر به، يستعصي على هذه اللغة المطواعة الآسرة ببلاغتها؟ وهل يعتقد القائمون على صحيفة مثل الدستور القاهرية، أن اللغة الفصحى ستصرف عنها القراء؟

وهم كبير، لأن القاريء الذي لا يحتمل قراءة الفصحى، لن يقرأ شيئا، حتى لو ذوبت له الكلمات في مشروبه المفضل، وكذلك الأمر، بالنسبة لمشاهد التليفزيون الذي يتصور البعض أنه يعجز عن متابعة الأخبار بالفصحى، فمثل ذلك المتلقي لن يسعى من الأساس لكي يشاهد نشرة الأخبار، ولو بثت له خصيصا.

المشكلة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المدونين المصريين دون غيرهم، وإنما تمتد لعدد كبير آخرمن المدونين، خاصة لبنان، وكذلك بعض المدونين من دول الخليج العربي، وكأن التدوين صنو نفي اللغة وابتذالها، أو أن العامية تكسبه صبغة خاصة تميزه عن الوسائط المقروءة الأخرى. وهي في الحقيقة لا تعكس سوى جهلا باللغة.



أما الجريمة الحقيقية التي ترتكب في حق اللغة ومهنة الصحافة، هي أن جيلا من ضعاف اللغة ينشأ على الكتابة بالعامية، فلا يستطيع الكتابة بغيرها، ويعجز عن إدراك جمالياتها، ولعله أيضا، وفي وقت لاحق سيعجز عن القراءة بغير اللغة السطحية المبتذلة التي تعلمها على يد من يفترض أنهم رواد المجال.

أذكر مقولة لصديقي الكاتب إبراهيم عيسى كان يؤكد فيها أن الشعر الحديث الغامض مؤامرة للإنهاء على مجد الشعر، وأنا أظن أن اللغة التي تقدمها الكثير من الصحف المستقلة الآن(ركاكة لغة الصحف القومية ليست استثناء) هي مؤامرة على اللغة العربية، وعلى مستقبل الصحافة التي سيصل يوما لمراكز قيادتها بعض الصحافيين الذين نشأوا معوجين، لغة وأسلوبا، دون أن يدركوا مأساتهم، بل ولعلهم سيقودون جيلا تاليا عليهم على نفس اللغة الركيكة التي اعتادوها وعندها لن نملك أن نقول إلا على اللغة والصحافة والقراءة السلام.

 
 
خواطر عن العامية
 
النص  الوحيد المكتوب باللهجة العامية الذي احترمته هو نص "قنطرة الذي كفر" للدكتور مصطفى مشرفة، وهو نص فاتن، وتجريبي، ويقدم خبرة روائية سردية مهمة، سواء عبر فكرة الرواية نفسها، وهواجس بطلها عن الايمان والكفر بنبرة إنسانية وفنية بالغة الصدق أو عبر الدقة البالغة في اختيار المفردات ،
مع ذلك فمثل كل النصوص العامية تظل هذه الرواية مفرطة الواقعية بتقليدها لغة العامة
ومن جهة أخرى هي ايضا رواية شعبوية بما أن المرشح الوحيد لقرائتها هو جمهور المصريين العالمين باللهجة المصرية فقط
كما أن العامية عموما في نص سردي هي علامة من علامات الانغلاق على الذات المحلية، والافراط في تقدير الذات، وربما تكون في ملمح من ملامحها ايضا تعبير عن أزمة هوية لا أظن أن اللغة يمكن أن تكون محلا لها اليوم لأن اللهجة العامية المصرية ذاتها هي لهجة مخففة من العربية الفصحى، مطعمة بمفردات الثقافات المختلفة التي دخلت مصر بعد العصر الفرعوني أضافة لمفردات من اللغة المصرية القديمة، لكن نسيج الأدب المصري منذ نشأته هو امتداد للأدب العربي الذي تأتي اللغة العربية أساسا لنسيجه وقد تطعم هذا السرد الفصيح مفردات من اللهجات العامية للدول العربية المختلفة
 .
هذه خواطر أولية عن موضع العامية قابلة للنقاش، وللتطوير ، 

1 comment:

محمود مودى said...

أتفق معك يا أستاذ إبراهيم .. فالنص باللغة الفصحى له رونق وجمال خاص .. لكن أية فصحى .. هناك فصحى بألفاظ ومترادفات إنقرضت , وهناك فصحى دارجة فى الكتابات الحالية وهى الأفضل .. لكن فى حال القصة والرواية , فأنا أعتقد أن الحوار بين الشخصيات يجب أن يكون كما هو منطوق فى الواقع , سواء كان فصحى أو عامية