من يوميات مصطفى ذكري عن الطبيب الأديب
سُئل الطبيب الأديب- ولطالما اكتسب الأدب دفعاً قوياً من إضافته للعلم الوضعي الذي يقيم اعوجاجه وغموضه وينزع عنه زوائد الأسلوبية- علاء الأسواني في إحدى الدوريات الصحفية، وذلك بمناسَبَة سفره إلى دولة أوروبية، عن أحوال الأدب والترجمة، ومن موقع الاهتمام الجاد أجاب الطبيب، أنه يشعر بمسؤولية كبيرة بعد ترجمة "يعقوبياه" إلى اثني عشرة لغة، وأنه يأخذ- فيما معناه- على الكتابات الجمالية بعدها عن قضايا التغيير السياسية والاجتماعية، ونحن نقول له: إن سحب الرواية العربية من محض أدبيتها، ووضعها على أرض الواقع الغليظ والمُباشِر، يقع على عاتق روائي تسلَّح بالعِلْم، ونحلم معه باليوم الذي تصبح فيه الرواية تقريراً صريحاً عن اللحظة الراهنة، بحيث يبدو مفهوم الخلود الأدبي المسرف في عاطفيته سخيفاً أمام رد مصالح الشخصيات الروائية الخيالية المُختَرَعَة بكيمياء سريَّة، إلى مصالح شخصيات واقعية حقيقية عايشناها بالأمس القريب- وما زلنا- في الصحافة والإعلام، ولا يعني كثيراً قول عالم اجتماع الأدب الراحل بيير بورديو: من مصلحة الأدب أن لا تكون له مصلحة، ونحن نعرف أن عبارة بورديو السابقة التي جاءت في كتابه قواعد الفن تُعتبر نكسة حقيقية أصابت علم اجتماع الأدب الذي وصل مع بورديو إلى قممٍ رفعية كفيلة بنكوصه كله كعلم مشكوك في نواياه إلى شكليَّة مُضاعَفَة، وكأننا لن نتخلَّص أبداً من شبح نظريات الفن للفن العائدة فجأةً على غير توقعٍ في ثوبها الواقعي. ومع هذا يكفي الطبيب علاء الأسواني أن قارئاً لا علاقة له بالنوع الأدبي الروائي يستطيع بسهولة قراءة "عمارة يعقوبيان" استناداً فقط إلى خبرة القراءات الصحفية وخبرة الحكي الشفاهي التي يملكها الجميع بحكم الميلاد والجماعة والوطن، وقد يبدو للقارئ أن مُشاهَدَة الرواية عبر وسيط السينما لا تحرمه من الوصول إلى أعمق ما في يعقوبيان، وطالما أن الرواية طلَّقتْ طلقةً ثلاثية لا رجعة فيها عادة الأسلوب، فلا حاجة إذن إلى القراءة. إن ما جاء به الطبيب لهو ثورة ضمن ثورة.
يوميات مصطفى ذكري تنشر في صحيفة روزاليوسف القاهرية اليومية.
No comments:
Post a Comment