بين ظهور علياء
المهدي وواقعة تحرش جماعي
ترويع الثائرات
بانتهاك الجسد..ثقافة ذكورية مكبوتة
في اليوم الذي
وقفت فيه علياء المهدي عارية في السويد لتعارض مسودة الدستور المصري، وهذا شأنها
وجسدها وموقفها الذي لا تلزم به أحدا غيرها في النهاية، انتبهت، على إحدى صفحات
الأصدقاء على "فيس بوك" إلى شهادة مريرة لإحدى الفتيات، اللائي تعرضن
لعملية انتهاك أو اغتصاب جماعي قريبا من ميدان التحرير، في يوم مليونية الإعتراض
على الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس المصري محمد مرسي، الذي تزامن مع محاولة
غريبة لتمرير إصدار دستور غير توافقي يتضمن الكثير من البنود التي تتعارض مع مبادئ
الثورة المصرية التي هبت في الخامس والعشرين من يناير 2011 تحت شعار "عيش،
حرية، عدالة اجتماعية".
الشهادة التي
قرأتها توضح أن هناك ميليشيات لا هم لها سوى ترويع الثوار، خصوصا السيدات
والفتيات، بمحاولة انتهاك أجسادهن، والتحرش بهن، لكنها في هذه المرة فاقت الحد.
نقلت الشهادة من
صفحة الصديق الكاتب والشاعر محمد خير، الذي اضاف إليها لاحقا عددا من تحديثات شهود
العيان ممن كانوا قريبين من الواقعة أو كانوا بين من حاولوا الدفاع عن الفتاة ولم
ينجحوا.
وقد صدقت كل كلمة
في الشهادة المأساوية، ليس فقط لأنني أثق تماما في الصديق محمد خير وما يكتب، وفي
امانته المهنية والصحفية والإنسانية، بل أيضا لأنني أعرف الفتاة بشكل شخصي، وقد
أكدت لي أن هذه الشهادة لها. وأنها تشعر بالغل الشديد مما حدث لها ولا تعرف ماذا
تفعل.
المدهش أن هذه
الشهادة، رغم بشاعتها، مرت إعلاميا، ربما لأن صاحبتها آثرت أن تحتفظ بشخصيتها سرا،
وكذلك الشهود، ولأنها لم تكن موثقة بالصور، لكن أكثر ما يؤسف حقا أن يدرك المرء
فعلا الكيفية التي انعدمت بها مروءة البعض من المحسوبين على التيار الإسلامي
والذين كانت تعليقاتهم لا تزيد إما عن التشكيك في القصة وأنها اختلاق من خيالي
الشخصي والادعاء على الإخوان بما ليس فيهم. رغم أني لم اشر إلى هوية المغتصبين من
قريب أو بعيد. كأن شواهد التحرش الجنسي بالفتيات في مصر وخصوصا من قبل ما أطلق
عليه ولا يزال الطرف الثالث، الغامض الخفي،
ليست واقعا حقيرا نعيشه للأسف ونعاني من غلظة ما يدل عليه من سقوط أخلاقي
وامتهان إنساني لبشر تربوا على أن ثقافتهم تشجع على الفحولة التي تعني للأسف بين
ما تعنيه احتقار المرأة وجسدها.
في تفاصيل
الواقعة التي نقلها محمد خير، وشهادة الشهود، جريمة انتهاك فتاتين، بصورة وحشية،
فرت إحداهما بينما لم تتمكن الأخرى، وسط حشود بالمئات، ولم تنجح محاولات من تصدى
من شباب الثورة وبعض المارة للمجرمين في
الإحالة بينهم وبين الفتاة التي تكاثروا عليها وانتهكوا جسدها أكثر من مرة،
بأيديهم وباجسادهم، وانتقلوا بها من ميدان التحرير وحتى حي عابدين الذي كتبت لها
فيه النجاة من أيديهم اخيرا، وهي تفاصيل تكشف عن أن المجتمع المصري بالفعل يضم
مرضى نفسيين كثرا، ومجرمين يستخدمون لصالح اصحاب المصالح. وقد بلغت بشاعتها أن
أكثر من تعليق جاءني بعد نشري لها على مدونتي http://ifarghali.blogspot.com/2012/12/blog-post_2241.html ، يصفها
بالبشاعة والبعض طلب ألا اعمم مثل هذه الوحشية لأنها تصيبهم بالأذى النفسي. فما
بالكم بمن تعرضت لها وحدها، في ايدي عشرات من الهمجيين السفلة، التي لا تعرف عنهم
شيئا، ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئا؟!
هذه الواقعة في
الحقيقة تدور حول القائمين بها شبهات انتمائهم للموالين للرئيس المصري، وإن لم
يكونوا منتمين لتيار الموالين فقد يكونوا مأجورين أو مدفوعين، خصوصا وأن الواقعة
تمت ليلة مليونية رفض الإعلان الدستوري. والواضح أن الهدف الرئيس منها هو ترويع
الثوار، والثائرات على نحو خاص، على نفس الطريقة التي سبق إليها العسكر في واقعتي
"ست الكل"، وفي واقعة تعذيب ميليشيات الإخوان المسلمين للمعتصمين أمام
قصر الاتحادية، وبينهم فتيات كثيرات تم سحلهن وتعريتهن وهو ما تم توثيقه بالصورة
وبالشهادات والصور.
وبالإضافة لكونها
واقعة وحشية لا أخلاقية أو إنسانية، فهي تعبر عن الكثير من العوار الأخلاقي الذي
تمارسه فصائل الموالين، وتعبر عن الطابع الانتهازي لمن يقوم بهذه الأفعال المشينة،
الذي يمكنه، وكما تبين خلال عملية الاستفتاء الأخيرة على الدستور المأزوم بعدم
التوافق والعوار، ووفقا لما هو مثبت ومسجل أيضا بمئات اللقطات المصورة وبالصور
وشهادات الشهود، وطعون المعارضة المصرية، إذ كشفت هذه العملية أن هناك فصيلا
مناصرا للسلطة يمكنه أن يقوم بالتزوير أو الكذب أو منع المعارضين من الإدلاء بأصواتهم،
لكي ينتصر للشريعة الإسلامية كما تزين له رموزه وقياداته.
وهذه الواقعة الخاصة بالاغتصاب الجماعي تدل أيضا
على عداء ذكوري مدهش للجسد الأنثوي والإنساني، يمكن أن نتأمل الكثير من تداعياته
في العديد من السوابق التي حفل بها المشهد السياسي في مصر، سواء بالانتهاكات التي
تمت في حق الفتيات والسيدات في الميادين وفي أماكن الاحتجاز، أو من خلال شيوع
مشكلة التحرش الجنسي في مصر منذ عدة سنوات وتفاقمها خلال العامين الماضيين.
وربما
يكون مناسبا هنا، مرة أخرى، الاستشهاد بردود الفعل حيال قيام علياء مهدي بنشر صور
عارية لجسدها على مدونتها الخاصة، وقفت فيها أمام عدسة الكاميرا لا تخشى شيئا،
فإذا بجسدها الصغير العاري الهش، يحدث صدمة مدوية في مجتمع لم يدرك انه في ذروة
انتفاضته من اجل الحرية لا يزال يخشى الحرية بأكثر مما يتخيل أكثر أفراده تحررا
واستنارة.
اليوم عادت علياء المهدي بجسدها العاري الوحيد ،
لكن على أرض الواقع هذه المرة، متخلية عن ظهورها الافتراضي، في السويد، أمام
السفارة المصرية، لتعبر عن رفضها لمسودة الدستور المصري غير التوافقي، الذي لا
يتلاءم مع وضع مصر التي تمر بحالة غليان ثوري رفع شعار الحرية مطلبا رئيسا.
بالرغم من أن ما فعلته علياء قد يبدو للبعض مجرد عبث
صبياني، أو نزوة مراهقة، أو عمل إباحي، لكنه، في اعتقادي، لا يقل شأنا عما فعله
الثوار، وهو اليقين بأن أجسادهم العزل من أي سلاح أو قوية بما يفوق الخيال.
وبالرغم من قوة ما تعرضت له من هجوم فإنها لم تطلب العون من أحد او تضامن أي شخص بل
طالبت فقط بفهم رسالة استقلالها الجسدي وتأكيد أن جسد الفرد هو ملك له وحده.
قد يكون من المهم السؤال عن اسباب تسلط هذه النظرة
الذكورية الفوقية لجسد المرأة، واظن أن المرحلة الفاصلة في هذا كله تبدأ منذ اعلان
الرئيس المصري الراحل انور السادات عن بدء إطلاق حملة ضد التيارات اليسارية عبر
فتح الباب أمام مد الإخوان المسلمين.
في تلك الفترة ايضا شاعت العديد من الأفلام المصرية
التي تناولت فكرة الانتقال من الريف للمدينة أو العاصمة وكيف يتم الانتقال غالبا
دون أن يحدث لون من التمدن للفرد المنتقل للمدينة، بل عادة ما يحدث العكس أذ يصطبغ
أداء الريفي المنتقل للمدينة بخليط من أسوأ صفات الريفي والمديني معا.
كانت تلك الأفلام تقدم رصدا للبداية الحقيقية لبدء
ترييف المجتمع المصري عبر هجرات أهل الريف إلى المدن الكبرى والعواصم، وهو ما أسس
لكتلة اجتماعية يمكنها قبول أية افكار رجعية وتبريرها باسم الدين، وخلال الثلاثين
عاما التي بدأت فيها تلك الظواهر تم ترييف المجتمع المصري بشكل كامل خصوصا مع
انهيار منظومتي التعليم والإعلام في عهد مبارك ما أدى إلى تخليق بيئة حاضنة لكل
مظاهر الأفكار الرجعية، والتمييز بين المرأة والرجل، وتسييد القيم الذكورية بكل
متناقضاتها ولا اخلاقيتها، وبينها ضمنا مفاهيم احتقار المرأة، والنظر اليها بوصفها
مجرد كومة من اللحم، مهمته تفريغ شهوة الرجل.
إن الكراهية والوحشية والعداء تجاه الآخر
وخصوصا تجاه الأنثى مما يمارسه الإخوان المسلمين وميليشاتهم، وغيرهم من فصائل
المجتمع، وبينها تصريحات بعض ممن يحسبون على الدعاة في مصر وسواهم، تعكس المناخ
الذي ولّدته سنوات القهر والجهل والفقر التي صنعها عهد مبارك عمداً لسنوات، ومع
ذلك، وفي المقابل هناك تيار كبير من العقلانيين والأحرار والوطنيين، الذين يسعون
لمحاربة هذا التيار المتخلف الرجعي بكل السبل، ولا يزالوا يحتاجون لمزيد من تنظيم
الجهد أولا لكشف زيف الخطاب المغلف بالدين، وتاليا لرفع القهر عن المواطن المصري،
بجنسيه، فضح ممارسات الميليشيات والعصابات التي تود أن تعيد إنتاج القهر، مرة باسم
الدين ومرة باسم الأخلاق.
واقع الحال أنه لا يمكن تبرير تحول
الإنسان من فطرته إلى قاتل أو منتهك للآخرين وحقوقهم أو مغتصب لجسد امرأة حرة باسم
أي دين أو أخلاق، فهذه سمات مستدعاة من قانون الغابة، وعلى من يقترفها أن يتأمل
المرايا جيدا، وإن لم يفعل فستظل الثورة تلاحقه وأمثاله حتى يفعلون أو يفهمون.
نشرت في النهار اللبنانية - في ديسمبر 2012
No comments:
Post a Comment