وداعا أيتها
السماء لحامد عبد الصمد
دائرة إنتهاك
الجسد وقهره في بوح يتقنع بالسرد
إبراهيم فرغلي
المؤلف حامد عبد الصمد وزوجته كون في كوبنهاجن
مثل أغلب
الروايات الأولى التي تصدر في العالم العربي، تبدو رواية وداعا أيتها السماء لحامد
عبد الصمد الصادرة عن دار ميريت، نموذجا للسيرة الذاتية التي تحاول أن تتزيا بزي
التخييل، ونبرة الحكي البسيطة، التي تبدو قريبة للبوح، وللاعتراف، كأنها وسيلة
للتطهر، وليست عملا فنيا له غايات فنية لا بد أن تعطى لها الأولوية الأولى.
وبالرغم من ذلك
فقد لفتت الرواية انتباه بعض النقاد والكتاب، وتراوحت ردود الفعل حولها بين السلب
والإيجاب.
لكنني أظن أن أهم
أسباب الالتفات للرواية هو طبيعة العوالم التي تتناولها، والموضوعات، التي يعد
الكثير منها من قبيل التابوهات، مثل اغتصاب الأطفال، والمثلية الجنسية، والعلاقات
الجنسية الحرة، والختان. والتي لم يعدم كاتب النص الجرأة في تناولها بالتفاصيل، وبالكشف
الصريح، بالرغم من فجاجة انتمائها للكلاشيهات المغوية لاهتمام الغرب، وهو ما يمكن
فهمه عندما أعلن الكاتب أنه كتب النص أولا باللغة الألمانية، لأنه لم يكن يتقن
العربية، ثم ترجمها إلى العربية، بمحاولة الكتابة باللغة الأم المستعصية، والتي
سرعان ما تحول عصيانها استكانة وتدفقا!
وصحيح أنه أعلن
أنه لم يكن يكتب رواية، لكنه أوضح على اي حال طبيعة الجمهور الأساسي الذي استهدفه
من هذا النص.
"قبل أن
أسافر إلى ألمانيا كان إسم هذا البلد مرتبطاً بذهنى بأسماء وأحداث متناقضة:
ألمانيا "جوته" و"ريلكه" وألمانيا "هتلر"
و"جورنج".. ألمانيا المحطمة بعد الحرب، وألمانيا المعجزة الإقتصادية
وإعادة البناء. ألمانيا المقسمة لشرق وغرب، وإعادة التوحيد بدون قطرة دماء.
ألمانيا العمل والنظام وعلامة الجودة "صُنع فى المانيا". وبالطبع أيضا
المنتخب الألمانى لكرة القدم الذى كان يكسب كل مباراة حتى ولو لم يلعب جيداً.
ألمانيا أرض "مارتين لوثر" وأرض التحرر والمجون.. ألمانيا بلد
"الفرنجة".. أقربائى... بلد الشعراء والفلاسفة والأبطال.. والبلد الذى
لم يعد مسموحاً له أن يكون له أبطال.
كانت الصور
الوحيدة التى رأيتها عن ألمانيا عبر التليفزيون هى صور مظاهرات النازيين الجدد فى
الشوارع وصور إحتراق بعض بيوت اللاجئين هناك، وصورة إنهيار حائط برلين فى سلام
تام. وصورة أخرى تلقيتها عن ألمانيا من فيلم "النمر الأسود" الذى
تعلّمنا منه أن أى جاهل مصرى يمكنه أن يسافر إلى ألمانيا فيصير مليونيراً فى غضون
سنوات ويتزوج أجمل النساء..".
هكذا يبدأ نص
وداعة أيتها السماء، والذي يبدو مبشرا بتجربة في عالم مختلف عن أجواء النصوص
العربية المغرقة في المحلية، لكنه قبل أن يستفيض في التجربة الألمانية يعود
بذاكرته أولا إلى تجربة الحصول على التأشيرة من السفارة الألمانية بعد حصوله على
فرصة للدراسة هناك.
ثم يعود بالذكرة لاحقا إلى ما هو أبعد من
ذلك، إلى قريته التي عاش فيها طفولته، مستدعيا صور الأب القاسي المتدين، إمام
المسجد، وشيخ القرية في الوقت ذاته، الذي كان حريصا على حفظ الابن القرآن كاملا،
والأم المقهورة في مجتمع ريفي بدائي، ثم انتقاله للقاهرة لفترة للدراسة في
المدرسة، حيث استقر لدى أحد أطراف العائلة، لكنه يتعرض للاغتصاب من قبل حرفي
ميكانيكي، في اثناء ذهابه لشراء الخبز من أحد الأفران القريبة من مقر إقامته.
تصف الرواية مشهد الاغتصاب كاملا، والألم
الذي تعرض له، والمهانة التي أحس بها، بعدها، والخوف من تهديدات ذلك الصبي من أن
يقتله إذا أخبر أحدا بما حدث، كما تصف التداعيات النفسية لتلك الواقعة، في ذلك
اليوم، والأسئلة الصادمة التي كانت تتصاعد في ذات الطفل، ثم في وعيه لاحقا،
وتأثيرها في تطوره النفسي، وفي سيطرة الإحساس العميق بالنبذ من المجتمع في أعماقه.
إحساس الرجولة ومعناها أحد الأسئلة
الأساسية في النص، لأنه يعود إليه بين آن وآخر، وينتظر وصوله إلى البلوغ لكي يتأكد
من ذلك، بل يصبح ممارسا للجنس مع الإناث بنوع من الهيتيريا لاحقته حتى في تجربته
الألمانية، ثم في تجربة اليابان لاحقا، والتي تبدو مقحمة تماما على النص.
فمنذ علاقته الجنسية الأولى يدرك أنه رجل،
وليس مثليا، وأنه يستجيب للمارسة الجنسية الطبيعية، فيتمادى، وكأنه يحاول بذلك أن
يمحو سنوات إحساسه بالمهانة من الذاكرة، وكنوع من تأكيد هويته كما بدأ يشعر بها.
ومع ذلك فهو يبدو بلا يقين، وأسئلته لا
تبدأ وتنتهي من الجنس، وإنما تمتد للمقدس، ولمعنى الحياة، وللقيم، في الشرق والغرب
على السواء.
وبالرغم
من خلو النص من أية تقنيات روائية،
وبالرغم من تراوح مستوى اللغة بين المباشرة والركاكة، وبالرغم من الطابع التقريري
للكثير من مناطق النص والتي يبدو فيها المؤلف كأنه يقدم دليلا سياحيا، عن
الاختلافات بين الثقافة التي ينتمي إليها، والقائمة على الكبت والتلصص والتناقض
بين الحلال والحرام والغيبيات، وبين الثقافة الأخرى القائمة على التحرر والمكاشفة
والعقلانية.
لكن ذلك كله لا يبدو مهما لكاتب النص لأنه كتب نصا يتكيء على الجرأة
في تناول العديد من القضايا والموضوعات المسكوت عنها في الأدب العربي بشكل عام،
كما ينحو نحو بعض النماذج الكلاشيهية مثل ختان الصبية والفتيات في الريف المصري،
حيث تصف أحد المشاهد تفاصيل ختان البطل وشقيقته في نفس اليوم، ومدى الألم الذي شعر
به، والإهانة، وكيفية مراقبته لشقيقته التي كان عليها، وعلى نقيضه هو، حتى الامتناع
عن التعبير عن ألمها على أي نحو.
وتظل حيرة البطل، عنصرا أساسيا في كل
مراحل حياته، فلا يزاد إحساسا الا بالعزلة، وبالنأي عن الآخرين، والاختلاف، مهما
أقحم نفسه في علاقات عاطفية او مغامرات جنسية محضة، سواء في القاهرة، أو ألمانيا
لاحقا، بل وحتى في اليابان التي يتناول الثلث الأخير من الرواية تجربة الراوي
فيها، لكنها على عكس الجزء الخاص بالمجتمع الألماني، تبدو نظرية، ذهنية، ولا تبدو
التجارب فيها طبيعية وإنسانية كما شأن العلاقات في أجزاء أخرى من الرواية.
وبعيدا عن كل تلك
المعايير الفنية في تناول الرواية، أريد فقط أن أتوقف عند التيمة التي أظنها تيمة
أساسية في هذه الرواية وهي تيمة أو موضوع الجسد.
فصحيح أن الراوي
لديه أسئلة وجودية، عن الحياة والمقدس، وعن القيم، ومعنى الرجولة وغيرها، لكنها
جميعا تنطلق من خبرات كان للجسد دور أساسي في إطلاقها، وفي تكون وعي الراوي بشكل
عام.
فهو يرفض الريف
والقيم التي نشأ عليها فيه، ويرفض القيم السلبية للمجتمع المصري، وتناقضاته،
والكبت الذي يتسبب فيه، ومظاهر التدين الشكلي، ولكنه في المقابل، يكره المجتمع
الألماني بلا سبب واضح، رغم إعجابه بمظاهر التحرر، والحرية التي لا يختبرها بشكل
واضح سوى في أفكار التحرر الجنسي، وقدرة العاهرات على التعري على شاشة التلفاز.
هذا الرفض
للمجتمعين تجعل الراوي لا يجد حلا للبحث عن هويته سوى بجسده، وعبر علاقات جسدية
تبدأ بالفتاة الألمانية التي التقاها في القاهرة وكانت سببا في وجوده بألمانيا، ثم
ينفر منها ليمارس العادة السرية على صور العاهرات المبثوثة على الشاشة.
وعندما تبرد
علاقته بزوجته الألمانية يستغل فترة سفرها إلى الهند ليذهب إلى أحد النوادي
الليلية، حيث يشاهد عاهرات، ترفض الكثيرات منهن دعوته، لكنه أخيرا يجد فتاة، ترغب
في مشاركته الفراش بعد أن أقنعها أنه ثري من دبي!
ويقدم تفاصيلا
مشوقة لجو علاقته الأولى بالعاهرات، دون التطرق لفعل الجنس نفسه، ودون أن يوضح
الاختلافات في إحساسه بين تلك الفتاة وبين زوجته التي فترت علاقته بها دون سبب
واضح، مركزا فقط على جانب التناقض الشرقي، الذي يتمثل في استيقاظه في الصباح لكي
يغتسل اغتسال الجنابة ويصلي!
ثم يسرد سريعا
تحوله للعلاقات، بلا رادع، أو وازع، أو هدف، مع فتاته العاهرة، ثم بعد انتقاله إلى
هامبورج، من برلين، مع فتيات من الطالبات المبتعثات من أرجاء أوروبا وروسيا، ثم
يلقي علينا هذا التقرير الساذج الذي يبدو موجها لقاريء من القرون
الوسطى:"ولكن هذا لا يعني أن كل بنات أوروبا كن عاهرات أو سهلات المنال.
فمعظمهن يعشن في علاقات ثابتة مع بوي فريند يخلصن له إخلاص المرأة لزوجها. وحتى
إذا كانت البنت بدون صديق فإنها لا تذهب للسرير مع أول رجل تصادفه..هذه فقط مجرد
صور نمطية نحتفظ بها في أذهاننا نحن الشرقيين".
لكن يبدو أن هذا
المستوى من التقريرية تمهيدا من كاتب النص للانتقال إلى منطقة الماضي، والذاكرة،
المنطقة التي تكون فيها وعي الصبي، وتعرض خلالها للانتهاك على يد ميكانيكي، وهو في
الخامسة من عمره، والتي أثارت في أعماقه مخاوف عميقة، وأسئلة حارقة، عن الفارق بين
الطبيعة البشرية والحيوانات، إذا كانت الغريزة، هي التي تحرك كل منهما، فقط، سواء
في وصفه الدقيق لمشهد الاغتصاب، أو لاحقا حين يصف الراوي ألعاب الفتيان في القرية
الذين كانوا يصطفون ليتبارون في مضاهاة أعضائهم ببعضها وممارسة العادة السرية أمام
بعضهم البعض في مسابقة لأبعد قذف!
يتأمل الراوي
المشهد، متسائلا لو ان كائنات من الفضاء تابعته من أعلى فكيف سيرون البشر، مقارنا
بين هذا المشهد وبين مشهد مجموعة من القرود.
لكن واقعة
الاغتصاب الأولى لم تكن الأخيرة، فقد تعرض شاكر للاغتصاب الجماعي، من قبل عدد من
رفاقه في مدرسة القرية بعد عدة سنوات، أخرى، حينما استدرجوه إلى منطقة المقابر،
وقيدوه وتناوبوا عليه. وكان إحساسه بالمعانة أكبر من المرة الأولى، لأنها واقعة
تسببت في فضيحته، لكن بينما كان الخوف والرعب، الذي تحول لحالة من العنف، هو رد
فعله في المرة الأولى، فقد كان العنف هو رد الفعل في تلك المرة، حتى أنه أمسك
سكينا هدد به أحد الفتيان الذين حاولوا أن يراودوه عن نفسه، فمنعهم عن معاودة
إثارة الموضوع لاحقا.
وفي غير موضع يشر
الراوي إلى الصراع العنيف بين كراهيته للجسد الذكور الفحل العنيف، وبين رغبته في
أن يتحلى بهذه الفحولة مع الفتيات لكي تتحقق له هويته الضائعة: "كنت أظن ان شعوري
بالرجولة سيغسل عني هموم الماضي وعاره ولكن هذه الرجولة جعلت من الصعب علي قبول ما
حدث لي في طفولتي وفي المقابر. فلو كنت قد صرت شاذا لكنت ربما صرت فخورا ان اول
تجاربي الجنسية كانت في سن الرابعة. أما الآن فاشعر بصراع داخلي بين الرجل الفتى
الذي يريد ان يلعب دور الفارس وبين الطفل الذي يكره الرجال وفتوتهم".
لكن هناك تناقضا
أساسيا في هذا النص، يظهر في أن سرد الراوي لمشاهد فحولته الجنسية في ألمانيا تبدو
وكأنها تعويض عن فترة كبت طويلة، بل إنه يوضح أنه لم يواقع الفتاة التي تزوجها إلا
بعد الزواج، قبل أن يقرر أن ينهي علاقته بالدين، وأن يفعل كل المنكرات، دون أن
يتوقف عن الصلاة، لكن الحقيقة أنه في مواضع الرواية التي تتناول عالم القرية يوضح
أن تجاربه الجنسية بدأ ت بعد بلوغه في القرية، بعد أن شاهد مشهد جنس جماعي في
منطقة المقابر النائية بين عاهرة وتلاثة رجال تناوبوا عليها فأشعل خياله ورغبته
المراهقة إلى حد الالتياث، فبدأ في ممارسة العادة السرية بجنون. ثم يبدأ لاحقا في
التلصص على جارتهم "أنهار"؛
الزوجة التي سافر زوجها إلى بلد عربي، التي كانت تستحم عارية في فناء بيتها، وحيث
كان بإمكانه مراقبتها من أعلى سطح منزلهم المتاخم، الأمر الذي تكرر كثيرا، حتى بعد
أن أدركت الجارة لوجوده، بل أنه حاول التودد إليها لاحقا.
ثم عند التحاقه
بالجامعة وتراوحه بين التحرر والكبت، ومحاولة مصادقة الفتيات، ثم انتمائه لجماعة
الإخوان المسلمين، وبعدها التقى سائحة أمريكية، وعندما أتيحت له الفرصة، مارس
الجنس معها بلا تردد. وذلك كله قبل المرحلة الألمانية.
وهي من مواضع
الخلل في هذه الرواية التي كانت تحتاج لمحرر جيد يضع يده على هذه المناطق السردية
المختلة وعلاجها، والذي أظنه كان حريا به أن ينزع عن الرواية فصلا كاملا انتقل به
الراوي إلى اليابان، حين حصل على فرصة للعمل، واستمرت فيها رحلته العبثية في
اللايقين، والبحث عن العشق الجسدي غير المبرر، وعن الإيمان. وهو فصل تقريري مجرد
خال من الحيوية، وممتليء بالتققارير الخبرية والسياحية عن اليابان، يبدو مقحما
بتعسف على النص.
وبالرغم من
العديد من مناطق الخلل التي تعتور هذا النص، فقد نجح في إثارة عدد من القضايا
المسكوت عنها في النص العربي عموما، مما تمت الإشارة إليه، ثم لموضوع قهر جسد
المرأة، من جهة أخرى.
فهناك بالتأكيد
صورة أساسية لجسد المرأة في هذا النص، يبدو فيها تقريبا موضعا للانتهاك، سواء من
خلال رصده لتجربة ختان أخته في اليوم نفسه الذي تعرض فيه للاختتان، لكن مع الفارق
في قوة قهر المجتمع للفتاة المختونة، فقط، من أجل كبح جماح شهوتها ورغبات جسدها،
أولا، ومنعها من التعبير حتى عن ألمها في هذا الموقف، تاليا. وفي مشهد الجنس
الجماعي للفتاة التي اعتبرت عاهرة بعد علاقة غير شرعية مع أحد الملاك، ولم يعد
أمامها طريق آخر للإنفاق على أطفالها سوى الدعارة.
ثم هناك الجـسد
الأنثوي كرمز لتعويض الراوي عن امتهان جسده هو طفلا وصبيا، بعدد كبير من العلاقات
مع النساء الغربيات، كأنها محاولة مزدوجة لتعويض الإحساس بالدونية، تجاه جسده،
وتجاه الغرب الذي لم يستطع أن يتفاعل معه.
ومع ذلك فلا يبدو
النص قادرا على الإمساك برؤية واضحة قوية لأي مما يعالجه، فهي كلها تناقضات ورؤى
مشوشة ربما لا يمكن تبريرها سوى بانتهاء أمر الراوي إلى المصحة النفسية التي كانت
ملاذه الأخير من نوبات جنونه، وصراعه الداخلي العميق.
مقتطف:
"أمرني
بالسجود على الأرض ففعلت والرعب يكاد يقتلني . سجدت أمام الوحش الجائع وأنا أمسك
بلفافة الخبز الساخن، ورحت أقرا من المعوذتين كما علمتني أمي أن أفعل في حالة
الخوف. حاول الصبي أن يدخل عضوه الذكري في داخلي ولكنه لم يستطع. كان ملمس عضوه
على جسدي كفأر قذر قد خرج لتوه من أنبوب المجاري، وكانت رائحته التي تمزج العرق والشحم
تثير اشمئزازي . ظننت أولا أن فارق الاحجام بيني وبينه قد أنقذني ، ولكن
"شكمان" كان مصمما على إنهاء المهمة بأية طريقة. راح يبصق على مؤخرتي ثم
أدخل أحد أصابعه بعنف في أحشائي . ظننت أن ذلك هو اقصى ألم يمكن أن يتحمله جسدي
حتى أدخل اصبعا آخر وراح يعبث بداخلي. ثم أخرج اصبعيه وبصق مرتين قبل أن يدخل عضوه
في جوفي. لم تكن "شكة دبوس" وإنما سكين بارد يمزق أغشيتي في كل رجة جسد.
وبعد رجات مؤلمة خرج مني وترك سائله اللزج، الذي لم أكن اعرف اسمه حتى ذلك اليوم،
ينسال على مؤخرتي.
لم أرَ، في حياتي
كلها، شيئا بهذه الدرجة من الألم والقذارة، مع العلم بأنها لم تكن آخر مرة اتعرض
فيها لمثل هذا الامتهان. دفنت هذه الجريمة في طفولتي وأحلام بقائي في القاهرة.
توقفت عن تكرار قراءة المعوذتين، وأخرجت من اللفافة التي لم تترك يدي رغيفا رحت أمسح
به قذارة سائل صبي الميكانيكي عني.
"وحياة امك
لو حكيت لحد اللي حصل دا لاقطم رقبتك. فاهم يا ابن اشرموطة؟" قال شكمان
مهددا.
لبست سروالي في
رعب وأخذت الخبز وعدت الى منزل جدي. كل درجة سلم عذاب. كل نَفَس نفخة عار. سلمت
الخبز لزوجة جدي ثم ذهبت الى السرير واختبات تحت البطانية رغم انه كان يوما شديد
الحرارة. رقدت على بطني من فرط آلامي الداخلية ورحت أبكي بصوت منخفض. كنت اتذكر
لوم أبي "ماتعيطش زي الحريم!" لماذا؟ لماذا انا؟ لماذا هنا؟ آلاف
الاسئلة تصارعت في رأسي وما من مجيب!
-
"شاكر، فيه رغيف عيش ناقص انت اللي اكلته ولا الواد
بتاع الفرن ضحك عليك؟". سالت زوجة جدي مستفسرة.
-
"أنا اللي اكلته يا ستي"
قلتها وانا احاول ابتلاع دموعي. وفي اليوم التالي تجاهلت الامي الداخلية وتجاهلت قطرات
الدماء التي نزلت مني اثناء التبرز وغسلت سروالي بنفسي في المرحاض حتى لا ترى زوجة
جدي آثار ما حدث. لم افش بآلامي لأحد حتى لا يأخذوني للطبيب فيعرف بما كان. كنت لا
أريدهم ان يطلقوا عليّ لقب "الواد الخسران بتاع العيال".
فقدت منذ ذلك اليوم ثقتي بكل البشر. أصبح كل انسان في
نظري مجرد كائن شرير. وما الخير إلا نفاقا محسوبا خوفا من طائلة القانون او رقابة
المجتمع. فاذا غاب القانون والرقابة عاد الانسان الى طبيعته الحيوانية..ولكن حتى
الحيوانات لا تفعل ذلك.
آاااه، كم كنت أود ان أظل طفلا لفترة أطول! كنت أود ان أحتفظ
بخيالاتي الساذجة عن العالم لبعض السنوات. كنت أود ان أفكر قبل نومي في لعبي ومرحي
وفي الغد، لا في كيفية الاحتفاظ بسري وعاري. لا بد أن طبائع الغجر او الصليبيين قد
تسربت إليّ. لقد جلبت العار لبيت الشيخ الكريم!!
قررت ألا أبقى يوما واحدا في القاهرة بعد ذلك. إن هذه المدينة
لا تعرف اسماء ابنائها. إنها تخنق أولادها تحت أحجارها، وتدهسهم تحت عجلات
سياراتها وتبتلعهم في أنابيب مجاريها. جئت اليها فاتحا ذراعي وظننتها ستعانقني
ولكنها حتى لم ترد عليَّ السلام. لا احد هنا ينصت لأحد والحياة استمرت في اليوم
التالي وكأن شيئا لم يكن.
قلت لجدي بإلحاح إنني أريد العودة لأمي فورا. فقال لي إن
أبي سيأتي بعد شهرين ليأخذني بسيارته وأنه لا يوجد هاتف في القرية ليطلب منه
المجيء مبكرا. فقلت له إنني لا أريد البقاء في هذا البيت لأنني أكره زوجته. فسألني
لماذا تكرهها؟ فقلت "عشان بتبعتني اجيب عيش. انا مش خدام عندها!" وفي
النهاية أجبر إلحاحي وصراخي المستمرين جدي على الرضوخ لرغبتي ومصاحبتي للقرية في
اليوم التالي".
نشرت في العدد الأول من مجلة "جسد" في بيروت
No comments:
Post a Comment