الأصولية التكنولوجية في العالم
الإفتراضي
إبراهيم فرغلي
في عالم الفنون التشكيلية يمكننا
أن نتخيل لوحة فنية نرى فيها رجلا من عصر ناء بعيد ينتمي إلى زمن آخر، أو بالأحرى
إلى زمن ماض، يجلس على ارض خيمة بدائية لكنه يمسك في يده جهاز حاسب آلي، أو ربما
جهاز آي فون من الأجهزة الحديثة التي أصبحت صرعة اليوم، في دلالة ما عن التناقض
بين الماضي والمستقبل، أو بين قيم التراث والمعاصرة، وما يشبه ذلك من ثنائيات.
ولعل فكرة لوحة فنية تقدم موضوعا كهذا قد تبدو لافتة لانتباهنا، لكن حدود الانتباه
لن تتعدى كون الفكرة مؤطرة في حدود اللوحة التي تنتمي للفن الرمزي، وليس للواقع،
ومع ذلك فكثيرا ما يقال، ان الواقع أحيانا أغرب من الخيال.
بمعنى آخر فإننا اليوم نشهد على
امتداد شاشة الإنترنت، وهي وسيلة اتصال حداثية وعلمية بامتياز، مواقع عديدة
تستخدمها جماعات ذات قناعات تقليدية ورجعية للدعاية لأفكار ذات صبغة تتسم بنوع من
التخلف، أو لنشر قناعات دينية متشددة، أو انتشار ما يطلق عليه الجهاد الالكتروني
بالدعوة الى سفك الدماء أو لتكفير المجتمعات الغربية او حتى الحكومات العربية
وغيرها باسم الدين.
وفي هذه الدعوات تتكشف حالة صارخة
من التناقضات التي تتجسد في استخدام وسيلة حداثية، كان من الممكن أن توصف بالبدعة،
لدى العديد من أشياع مثل تلك التيارات، لنشر أفكار تتعارض في جوهرها مع طبيعة
الوسيلة من حيث كونها أفكار اصولية ومتأخرة تطالب المجتمعات بالعودة إلى مظاهر
وعادات تعود لقرون مضت.
الجهاد الالكتروني
ولم يعد مفهوم "الجهاد
الالكتروني" مقصورا على مجرد نشر أفكار خاصة، او ربما التخطيط لأعمال عنف
وتفجيرات دموية تستهدف في غالبيتها العظمى، مع الأسف ،أفرادا أبرياء واطفالا، عادة
ما يروحون ضحية هذه الأعمال الإرهابية. بل تمتد اليوم إلى استخدام تقنيات البرمجة
الالكترونية في أعمال القرصنة على المواقع الخاصة لجهات تستهدفها تلك الجماعات
فقط، بل تمتد إلى محاولة تدمير منشآت عبر التفجيرات الالكترونية على ما يقول تقرير
صادر عن معهد السلام الأمريكي كتبه الباحث جابريل وايمان يقول فيه :"
«بدلا من استخدام المتفجرات، تستطيع الجماعات الإرهابية من خلال الضغط علي لوحة
المفاتيح تدمير منشآت كالبورصات والبنوك، وتحقيق آثار تدميرية تفوق مثيلتها
المستخدم فيها المتفجرات، ولهذا فإن أغلب المواقع الجهادية الأصولية تتضمن دعوات
لهذا النوع الجديد من الإرهاب"..ومثل هذه التقارير لا تصدر عن تعميمات
محتملة بل عن دراسة حالات لأن التقرير يذكر بالإسم عددا من المواقع التي تخص
تنظيمات الجهاد وبينها فروع التنظيمات الجهادية التابعة للقاعدة في العراق وغيرها.
وربما أن الموضوع لا يحتاج حتى لتصفح هذه المواقع، فقد
انتشرت الأخبار عبر وكالات الأنباء العالمية على مدى عدة شهور وهي تحمل تصريحات من
قيادات عديدة في جماعات جهادية من بينها القاعدة تتضمن إما تهديدات بتفجير لكنائس
في مصر، أو قتل افراد وضباط في العراق، أو غيرها من أعمال عنف وتدمير.
والحقيقة أن موضوع الإرهاب الإلكتروني لا يتوقف فقط عند
حدود وجود مواقع الكترونية تمثل مثل هذه الجهات التنظيمية الجهادية ذات التطلعات
السياسية، بل يمتد لمواقع أخرى تبدو مهتمة بالقيم الدينية بينما هي، شاءت أو أبت،
وقصدت أم لم تقصد، تمهد المناخ لمثل تلك الأفكار المتطرفة بالتركيز على تقديم
أفكار تبدو في مظهرها جذابة بينما في جوهرها تعبر عن المنطق المتضاد ولن أقول
الانتهازي الذي يبرع فيه مع الأسف العديد من الرموز المهتمون بقضايا تتحدث كثيرا
عن الدين لكنه حديث عام، خصوصا إذا ما تناول مفاهيم مهمة مثل التقدم المجتمعي، أو
المجتمع العلمي، أو اي من سبل تحقيق التنمية البشرية في المجتمع.
تنتقضات الغاية والوسيلة
على سبيل المثال فإن الموقع الشخصي لأحد رموز الدعوة
الدينية الإسلاميةيتضمن مقالا بين العديد من مقالاته، وفيه يقول عن
الديموقراطية "أن البعض يقول عنه إنه مبدأ مستورد، فالاستيراد في ذاته ليس
محظورا، إنما المحظور أن تستورد ما يضرك ولا ينفعك، وأن تستورد بضاعة عندك مثلها
أو خير منها، ونحن نستورد من الديمقراطية: آلياتها وضماناتها، ولا نأخذ كل فلسفتها
التي تغلو في تضخيم الفرد على حساب الجماعة، وتبالغ في تقرير الحرية ولو على حساب
القِيَم والأخلاق، وتعطي الأكثرية الحق في تغيير كل شيء، حتى الديمقراطية ذاتها!! نحن نريد ديمقراطية المجتمع المسلم، والأمة المسلمة،
بحيث تراعي هذه الديمقراطية عقائد هذا المجتمع وقِيمه وأسسه الدِّينية والثقافية
والأخلاقية، فهي من الثوابت التي لا تقبل التطور ولا التغيير بالتصويت
عليها".
والمعنى أن الدعوة هنا لاتخاذ الديموقراطية سبيلا للوصول إلى الحكم، ثم
الانقلاب عليها وعلى جوهرها، وهذا هو جوهر التناقض في أفكار هذه الفئات التي تنتشر
على الشبكة آرائهم وتقدم للشباب باعتبارها أفكار العلماء والفقهاء، رغم أن بين
هؤلاء الفقهاء من أساءوا لطوائف إسلامية أخرى غير السنة، وتقولوا عليها بما لا
يليق من دعاة يثق بهم الكثير من مواطنيني عاديين لا يفرقون الغث من السمين.
ويبدو أن الكثير من هذه المواقع تتعرض للقرصنة من قبل أجهزة المخابرات
والجهات المتخصصة في ملاحقة الإرهاب في الولايات المتحدة واوربا، حيث أن الكثير من
هذه المواقع عند دخولها لا تجد محتواها الأصلي من مثل موقع يعرف باسم موقع جيش ابي
بكر، او موقع شبكة الخلاص الإسلامي الذي يعرف نفسه بأنه موقع مختص بالجهاد
الإلكتروني.
ظاهرة الدعاة الجدد
كذلك توجد مواقع عدة لمن يعرفون في مصر على نحو خاص بـ"الدعاة
الجدد"، وبتصفحها تبدو كمواقع دعائية للبرامج التليفزيونية التي يقدمها هؤلاء
الدعاة على شاشات الفضائيات العربية المختلفة، أو حتى الدعاية لقنوات تليفزيونية
يمتلكها بعض هؤلاء الدعاة. أما المحتوى فهو لا يزيد عن عدد من الفتاوي المكرورة في
موضوعات فقهية اغلبها في الحقيقة موجود في كتب الفقه الموثوقة.
بمعنى آخر فإن العديد من المراقبين والمتابعين الرصينين لهذه المواقع بل
وحتى للقنوات التليفزيونية التي تقدم برامج لهؤلاء الدعاة الجدد يلاحظ مدى بساطة
الخطاب المقدم وسطحيته أو كما نشر تقرير في إحدى الصحف وصفا لهذا الخطاب أهم ما يميز خطاب الدعاة الجدد أنه
"خطاب عام فضفاض غير محدد الملاح ولا واضح القسمات إذ هو خطاب مغرق في
بساطته، يتكلم في العام وغير المحدد، يستثمر أشواق الشباب في الرغبة في التدين
والبحث عن سبل نجاة في وجه مادية طاحنة إمّا أن تغرقه في ملذاتها وتلهيه في مستوى
الوفرة أو تطحنه بحرمان لا يعرف له منتهى" ويضيف كاتب المقال د.عمرو عبد
الكريم أن خطاب الدعاة الجدد هذا "
يبدأ بالتمترس خلف قصص السيرة النبوية وحياة الصحابة وزوجات الرسول صلى الله عليه
وسلم والجوانب الأخلاقية السلوكية والبعد عن الجدال الفقهي والخلافات الفقهية
والمسائل السياسية حتى يكتسب أرضية ومساحة للحركة ثم لا يلبث أن يطرح نفسه في
الساحة كرمز من الرموز الدعوية، وهنا تبدو صناعة الرمز بأبعادها الرأسمالية
وقوانين السوق وما يترتب عليها من شبكة علاقات ومصالح "بزنس" تكون
الدعوة نفسها بعد الفترة من مكملات الديكور الشكلي وليست من صلب الصورة".
وما يثير الانتباه هنا نقطتان
الأولى تتعلق بالمواقع الخاصة بتنظيمات جهادية من مثل ما سلف الإشارة إليها وهي في
الحقيقة قد فقدت الكثير من مصداقيتها بعد أن تحرك الشارع العربي مطالبا بحقوقه في
الحرية والعيش الكريم عبر ثورات سلمية استطاعت بهذه القوة الناعمة أن تحقق ما لم
تتمكن منه أي من هذه التنظيمات الجهادية التي تدعو للعنف والقتل، وحققت الثورات
العربية الشعبية المدنية نتائج هائلة بإسقاط أنظمة ديكتاتورية مثلما حدث في تونس
ومصر، وبعضها لا يزال مستمرا في الثورة مثل اليمن وليبيا وسوريا مع الاختلاف في
الظرف الخاص كل حالة منها.
النقطة الثانية تتعلق
بالمواقع الخاصة بالدعاة الجدد وما تتضمنه المواقع الشخصية الخاصة بهم من محتوى،
في بساطته، وعاديته يبدو مؤشرا على خلو الساحة لمثل هؤلاء الدعاة الذين يبحثون عن
الشهرة والثروة، من رموز الإصلاح الديني الكبيرة التي عرف خلالها المجتمع العربي
مظاهر التدين الحقيقي المعتدل الذي يعلي من قيمة العقل والعقلانية والتسامح.
وهو ما دعا إحدى
المواقع الإسلامية الى نشر مقال جاءت فيه فقرة ترى تشابها بين هؤلاء الدعاة الجدد
ونظراء لهم من الدعاة الجدد في الولايات المتحدة، وجاء فيها: " تصنع
الفضائيات دعاتها الذين يكونون على شاكلتها يتشابهون فيما بينهم حد التنميط حتى
يصح القول أن ما يجمع بين الدعاة التلفزيونيين عبر العالم أكثر مما يفرقهم أيا
كانت دياناتهم، ومن ثم فلم يكن غريبا هذا التشابه الكبير بين الدعاة الجدد في
العالم الإسلامي وخاصة عمرو خالد وبين نظرائهم الإنجيليين في الولايات المتحدة
الذين كانوا الأسبق ظهورا، على أن التيمة الأساس التي تجمع بينهم هي تيمة
"النجم": الداعية النجم أو النجم الداعية وما تقوم عليه من منطق دعائي
تسويقي أساسه صناعة النجم الذي يتأيقن ويصير أيقونة تحمل قيمتها في ذاتها، ليتحول
لاحقا إلى ماركة تجارية!.
إن
فكرة الداعية " النجم " لم تكن يوما أصيلة في فضاء الدعوة
الإسلامية، بل هي وليدة منطق السوق وزمن الدعوة في الفضائيات، وقد أشاعها الدعاة
الجدد في الحقل الدعوي رغم أنه "يفترض" أن يختلف تقليديا حد التناقض مع
فكرة النجومية، فـ(الحق لا يعرف بالرجال ولكن يعرف الرجال بالحق واعرف الحق تعرف
أهله) وحيث ثقافة راسخة في رفض الشهرة والحذر منها والتحذير من عواقبه".
تدين أم هوس ديني؟
إن تأمل هذه الظواهر التي
يمكن رصدها بسهولة عبر شبكة الإنترنت مع الغياب الكامل تقريبا للمواقع العلمية
العربية، والفقر الفادح في المحتوى العربي المعرفي على شبكة الإنترنت، يكشف عددا
من الظواهر بينها ظاهرة "الهوس الديني" التي تجتاح المجتمعات العربية
التي تبدو كانها تكتشف الدين وليست مجتمعات متدينة بالفطرة منذ اقدم العصور وحتى
الآن، هذا الهوس هو الذي يبرر ظهور مثل تلك المواقع الإلكترونية التي تغذي هذا
الهوس لأنه يمثل استثمارا لاصحاب تلك المواقع يزيد من شهرتهم ويرفع من نسب مشاهدة
برامجهم وبالتالي من أجورهم، كان المجتمعات العربية قد فقدت تدينها فجأة.
كما أن غياب دور المؤسسات
الدينية الإصلاحية وعلى راسها الازهر الشريف كان له دور كبير في تفاقم مثل هذه
الظواهر، وإن بدا أن مؤسسة الأزهر في عهد الدكتور أحمد الطيب قد بدأت تستعيد
مكانتها بالتأكيد على فلسفة افصلاح الديني والتاكيد على القيم العقلانية ومفاهين
التسامح والمعرفة العلمية كقيم أساسية في الدين الإسلامي تم تغييبها وتهميشها
لصالح اصحاب المصالح السياسية في المنطقة العربية لعقود طويلة.
وللدكتور رشدي راشد العالم
العربي المصري المقيم في فرنسا رؤية خاصة لتفسير تراجع المستوى العلمي وغياب
العقلانية في العالم العربي يقول فيها :"منذ
عهد محمد علي, وعهد عبدالناصر الي الان, لم يهتم احد بالعلم كقيمه اجتماعيه,
حيث كان يتم الاهتمام بالتكنولوجيا اكثر من العلم, او بالابحاث التطبيقيه اكثر
من الابحاث العلميه النظريه, لان مفهوم العلم كان تطبيقيا,
واستمر هذا الوضع, ولما جائت ثوره او الانقلاب عام1952, كان هناك شعور باهميه العلم, لكن كان التصور ـ ايضا ـ تطبيقيا ولم تخلق او تنشا معاهد الابحاث التي تعمل علي العلم النظري, وحتي معهد الابحاث المصري, هو اساسا ذو اتجاه تطبيقي اكثر منه نظريا.
ومن هذه الاسباب ايضا, وجود الاستعمار القديم, واحد اهم الاشيائ التي فعلها الانجليز فور دخول مصر هو الغائ الكليات العلميه, وعندما اسست الجامعه المصريه وظهر افراد ممتازون مثل مصطفي مشرفه, ومصطفي نظيف, حاولوا بجهود فرديه احياء البحث العلمي والعمل من أجله, وأنشاوا جمعيات ومجلات ما بين الأربعينيات والخمسينيات, ولأنها مجهودات فردية في أغلب الأحيان, فلم تتحول الي خبرات اجتماعية داخل المجتمع المصري والعربي, ولم يفرض العلم كقيمة اجتماعية, لأن هذا لكي يحدث لابد أن تعترف بالعقلانية كالقيمة الاجتماعية الاولى وهو ما لم يحدث ايضا.
وبعد النكسات والهزائم ودخولنا في مرحلة جديدة, بدأت بانتهاء العهد الناصري, ومع أول أيام السادات, ثم دخولنا في معاهدة كامب ديفيد, وكانت لهذه المعاهدة شروط, ومن هذه الشروط الغاء كل المحاولات العلمية الجنينية التي تمت في عهد عبدالناصر, مثل معهد الطاقة النووية الذي كان يضم مشرفه وآخرين, ووقف البعثات العلمية الي روسيا, ووقف الأبحاث في الفيزياء والكيمياء التي كانت ضمن مقررات معهد الطاقه النووية, وكما نعرف فان الأبحاث تولد الأبحاث, فاذا توقف مجرد البحث فماذا ننتظر؟ فالبحث في الفيزياء مثلا يقتضي تكوينا علميا في الرياضيات والكيمياء ومجالات علمية اخري, وهذه قيمه البحث الذي يساعد على نوع من النهضة العلمية وليس مجرد الشكل النفعي لها.
وبدلا من تحويل العلم الي مناخ كما كان يحاول عبدالناصر, استجبنا لشروط كامب ديفيد, واخترعنا قانون الرّدة, ودخلنا بالتالي في هوسة دينية وأقولها بكل وضوح هوسة دينية, لأننا نرى آثارها الآن في المجتمع المصري, وبدلا من اكتساب القيم العقلية وفرضها كقيم أساسية, بدأنا نفرض قيما أخرى باهتة دينيا, فتواري دور العلم والعقلانية تماما, هذا ما حدث ويحدث إلى الآن".
واستمر هذا الوضع, ولما جائت ثوره او الانقلاب عام1952, كان هناك شعور باهميه العلم, لكن كان التصور ـ ايضا ـ تطبيقيا ولم تخلق او تنشا معاهد الابحاث التي تعمل علي العلم النظري, وحتي معهد الابحاث المصري, هو اساسا ذو اتجاه تطبيقي اكثر منه نظريا.
ومن هذه الاسباب ايضا, وجود الاستعمار القديم, واحد اهم الاشيائ التي فعلها الانجليز فور دخول مصر هو الغائ الكليات العلميه, وعندما اسست الجامعه المصريه وظهر افراد ممتازون مثل مصطفي مشرفه, ومصطفي نظيف, حاولوا بجهود فرديه احياء البحث العلمي والعمل من أجله, وأنشاوا جمعيات ومجلات ما بين الأربعينيات والخمسينيات, ولأنها مجهودات فردية في أغلب الأحيان, فلم تتحول الي خبرات اجتماعية داخل المجتمع المصري والعربي, ولم يفرض العلم كقيمة اجتماعية, لأن هذا لكي يحدث لابد أن تعترف بالعقلانية كالقيمة الاجتماعية الاولى وهو ما لم يحدث ايضا.
وبعد النكسات والهزائم ودخولنا في مرحلة جديدة, بدأت بانتهاء العهد الناصري, ومع أول أيام السادات, ثم دخولنا في معاهدة كامب ديفيد, وكانت لهذه المعاهدة شروط, ومن هذه الشروط الغاء كل المحاولات العلمية الجنينية التي تمت في عهد عبدالناصر, مثل معهد الطاقة النووية الذي كان يضم مشرفه وآخرين, ووقف البعثات العلمية الي روسيا, ووقف الأبحاث في الفيزياء والكيمياء التي كانت ضمن مقررات معهد الطاقه النووية, وكما نعرف فان الأبحاث تولد الأبحاث, فاذا توقف مجرد البحث فماذا ننتظر؟ فالبحث في الفيزياء مثلا يقتضي تكوينا علميا في الرياضيات والكيمياء ومجالات علمية اخري, وهذه قيمه البحث الذي يساعد على نوع من النهضة العلمية وليس مجرد الشكل النفعي لها.
وبدلا من تحويل العلم الي مناخ كما كان يحاول عبدالناصر, استجبنا لشروط كامب ديفيد, واخترعنا قانون الرّدة, ودخلنا بالتالي في هوسة دينية وأقولها بكل وضوح هوسة دينية, لأننا نرى آثارها الآن في المجتمع المصري, وبدلا من اكتساب القيم العقلية وفرضها كقيم أساسية, بدأنا نفرض قيما أخرى باهتة دينيا, فتواري دور العلم والعقلانية تماما, هذا ما حدث ويحدث إلى الآن".
No comments:
Post a Comment