مايكل جاكسون..عقدة الطفولة ودور الفنان
إبراهيم فرغلي
لم يشهد غالبية جيلي أمجاد أجيال الموسيقى التي تحولت إلى ظاهرة عالمية مثل فريق البيتلز، أو أسطورة الروك آند رول "إلفيس بريسلي"، لكننا جايلنا أمريكي من أصول إفريقية، أسمر البشرة، بريء الابتسامة، عذب الصوت، صغير السن، الأبرز بين أشقائه برشاقته وحيويته على صغر سنه، والذي عرفناه لاحقا باسم "مايكل جاكسون".
وسرعان ما تحول مايكل جاكسون إلى أسطورة جديدة، يوما بعد يوم، كانت أغنياته الأكثر انتشارا في ارجاء العالم، ووجدت طريقها لقلوب الشباب، ونحن معهم في أرجاء العالم العربي. ولعل جزءا من ارتباطنا به أكثر من غيره، خاصة ممن استهوتهم الموسيقى الغربية وإيقاعاتها الحيوية، يعود لكونه الأسطورة التي تكونت بينما كنا نفيض بالأحلام، نكبر، ويكبر هو معنا، بينما كل أغنية من اغنياته تمثل لنا مرحلة جديدة، في حياتنا، وترتبط بذكريات، لعلنا كلما استعدنا ايا منها كلما غالبنا الحنين لأيامنا العربية التي تبدو لنا كأن كل يوم منها أجمل مما تلاها.
بعد النجاح المدوي لمايكل جاكسون، بدأت الصحف وقنوات الفضائيات تلاحق حياته الشخصية، والتي لم يكن ابرز ما فيها يزيد عن عمليات التجميل التي بدأ يجريها لوجهه، ولاحقا للون بشرته، وفورا بدأت الصحف العربية تتداول هذه الأخبار بنوع من النقد، كما شرعت صفحات الأخبار المثيرة في بث شائعات بانه يكره الإسلام والمسلمين، وهو ما نفاه جاكسون بشكل واضح، ووزع شهادة بهذا المعنى مع إحدى اسطواناته التي صدرت منتصف التسعينات من القرن الماضي، واستمرت تلك الحملات على جاكسون دون بحث للأسباب التي دعت جاكسون لهذه العمليات التي اتخذت شكلا مرضيا، يبدو أنه كان له علاقة بتدهور أوضاع الصحية قبل وفاته.
لم يستوعب صحافيو الإثارة أن جاكسون عاش حياة غير طبيعية، فقد بدأ الغناء بضغط من والده وهو في الخامسة من عمره، وببلوغه التاسعة كان قد أصبح نجما، وبعد انفصاله عن فريق جاكسون فايف كان قد قرر أن يصبح اسطورة في الغناء والموسسيقى، وراح يبذل جل وقته لتحقيق حلمه.
بعد أن حقق أحلامه اكتشف أنه في الأربعين ، لم يعش طفولته، وبدأ فاصل من غرابة الأطوار، بينها إصراره على غجراء المزيد من العمليات التي بدأت تؤدي غرضا عكسيا، لكن بعض الأطباء النفسيين البريطانيين يفسرون عمليات التجميل التي خضع لها، على مدى حياته، بأنها لم تكن سوى محاولة مَرَضية منه للإبقاء على وجه طفولي، كان يخشى أن يختفي كما ضاعت منه طفولته.
لكني أظن أن أحد أسباب استمرار جماهيرية وشعبية مايكل جاكسون، رغم كل شيء، هي انه قدم نموذجا فريدا للفنان صاحب القضية، الذي يضع الإنسانية ورفاهيتها بين أولوياته، غنى للفقراء في ارجاء العالم، وصور اغنياته بين الفقراء بالفعل، وبايقاعات حيوية وقوية شدا للمظلومين، والمقهورين سواء كانوا شعوبا، أو شبابا لا تتاح لهم فرص، وغنى للأطفال مطالبا البشرية برعاية حقوق الأطفال. غنى للأرض؛ للطبيعة التي يدمرها الإنسان بدعوى الحداثة، كما ووضع بصمته بصوته المميز في إحدى أشهر الأغنيات التي شارك فيها نجوم الغناء العالمي في الثمانيناتWe Are The World ، التي حذر فيها من الأخطار التي يتعرض لها البشر بسبب لامبالاة الآخرين وثراء الأثرياء على حساب الفقراء الذين يشردون ويموتون يوميا باللآلاف، بافضافة للعديد من المشروعات الخيرية التي شارك فيها.
مايكل جاكسون نموذج نحتاج لإعادة تأمله اليوم في ساحتنا العربية التي يعيش نجومها على الشائعات والنمائم والضغائن والمنافسة غير الشريفة دون أن يفكر اي منهم أن يجعل لفنه دورا إنسانيا يساهم في تنمية البشرية، خاصة في عالمنا العربي الذي يحتاج اكثر من غيره لمثل هذه النماذج.
نعم اظن أن محبي مايكل جاكسون افتقدوا هذا النموذج للفنان الإنسان المهتم بقضايا البشرية، تماما كما باغتهم فجأة أن أسطورة رافقت ذكرياتهم غابت فجأة مؤججة نيران الحنين لماض، كنا نظنه ليس افضل ما مررنا به، بينما الآن نعرف أنه كان الأجمل بلا منازع، ماض أرخته موسيقى وأغنيات ورقصات مايكل جاكسون، وكلاهما الآن أصبح مجرد ذكرى.
1 comment:
مقال رائع
أشكرك كثيرا!
كان الكبار زمان يتهمونا بالفسوق لما يعرفوا اننا بنسمع مايكل جاكسون
وماكانش فيه فايدة أبدا انك تحاول دفع التهمة
Post a Comment