تابعت، مثل الكثيرين غيري، حفلتي الجوائز اللتين وزعتا في بحر الأسبوع المنصرم. واحدة للرواية وأخرى للشعر. جميل من حيث المبدأ أن نستيقظ على جوائز أدبية عربية، وبخاصة أننا غالبا ما رددنا وتحدثنا عن اختفائها. بالتأكيد لا تصنع الجوائز كُتّابا ـ بل ثمة كتّاب هم الذين يعطون شرعية ما لجائزة معينة ـ لكنها تشير إلى أمر قد يكون من المستحسن أن ننتبه له. من هنا جاءت جائزة «البوكر» العربية (أو كما تسمى «الجائزة العالمية للرواية العربية») لتكافئ رواية تكون قد صدرت في العام عينه. وسأميل مع ما اعتبره الزميل عباس بيضون، في «سفير» أمس الجمعة، من أن فضيلة الجائزة هي مكافأة كتاب لا تفضيل كاتب على غيره. هذه حسنة فعلا. لكن هل فعلا تقع رواية «عزازيل» ضمن هذه الخانة؟ أي هل هي فعلا رواية تستحق؟ يحق لنا أن نخالف رأي لجنة التحكيم الذي لم تنتبه إلى ما يمكن أن تسببه هذه الرواية من إشكاليات اجتماعية، نحن بغنى عنه، لكن الأهم من ذلك كلّه، أن هذه الرواية ـ التي اعتبرها الزميل بيضون أيضا «رواية ثقافية» وهو محق في ذلك ـ لا تنجح فعلا في تمتين هذه العلاقة الثقافية. أقصد أن رواية «عزازيل» التي لا بد لها من أن تأخذنا إلى مناخات امبرتو إيكو في «اسم الوردة» و«رقاص فوكو»، لا تنجح في ربط هذا المناخ لتقدم إلينا معرفة حقيقية. بل هي تقع في قشور هذه العملية الثقافية. حتى مع كلّ مساوئ رواية الكاتب الأميركي دان براون «شيفرة دافنشي» نجد فيها أن ثمة مجالا وفسحة كبيرة لهذه اللعبة الثقافية التي تحاول أن تعيد قراءة التاريخ الديني المتعارف عليه. رواية «عزازيل» لا تنجح في تعميق هذه المعرفة، أيّ أن الأسئلة التي تطرحها لا تنجح في الدخول إلى قلب عملية إعادة إنتاج أسئلة مخالفة، بل تتسلى بالقشور العادية، تماما مثلما فعل علاء الأسواني في «بناية يعقوبيان» حيث لم يستفد مطلقا من المادة الاجتماعية المتاحة له. لكن «فضيحة عزازيل» قد لا تبدو شيئا أمام تلك التي فجرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، حيث... منح لنفسه جائزة الشعر. في مؤتمر للشعر هو رئيسه ومنسقه و«الحاكم بأمر الله» فيه لم يجد غيره من «يستحق» هذه الجائزة. تخيّلوا فعلا هذا المشهد. شاعر يكره جميع شعراء العربية بل يطالب «بإبادة» نوع شعري مخالف لما يكتبه، لا يجد غضاضة من إعلاء شأنه، في حين أنه من المفترض أن يأتي غيره لينصبه «أميرا على الشعر». ربما هنا تكمن معضلة حجازي: أن يستعيد اللقب الذي كان مرّة لشوقي. لكن هذه الإمارة تستحق فعلا أخلاقيات مخالفة لم يقنعنا بها حجازي حين يلغي الجميع. جوائز؟ لا تجعلونا نعود ونتمنى غيابها.
نقلا عن السفير في 12 مارس2009.
No comments:
Post a Comment