Sunday, March 25, 2012

الطاهر بن جلون: ترجمت الخبز الحافي انقاذا لشكري



الطاهر بن جلون: ترجمت الخبز الحافي انقاذا لشكري من استغلاله معنويا!


هذا الحوار تم الترتيب له بسرعة وبسبب ضيق وقت بن جلون لم تتجاوز مدة الحوار نصف ساعة قضيناها في مقهى باريس الذي اختاره بن جلون مكانا للقاء، وقد كانت فرصة جيدة للجلوس في هذا المقهى الشهير الذي ارتاده عدد كبير من مشاهير الأدب العالمي ممن ترددوا على طنجة. وبادرت بن جلون قائلا:
·       بداية ماذا تمثل لك مدينة طنجة؟ ولماذا اخترت الإقامة بها بعد عودتك من فرنسا؟
** الحقيقة أنني اصلا من مدينة فاس، وبها ولدت، لكن عندما كنت في العاشرة تعرض والدي لأزمة مالية في إطار ازمة اقتصادية كبيرة مرت بالبلاد، واختار والدي مدينة طنجة بسبب وجود بعض أفراد من العائلة بها. فاستقرينا بطنجة واستكملت دراستي وحتى المرحلة الثانوية بها وحتى توفي والدي. وصحيح ان الكثير من الناس يرددون أنني من فاس، لكني لديّ بالفعل ارتباط كبير بطنجة التي قضيت بها طفولتي وهي مرحلة يكون فيها الفرد بالغ الحساية للأشياء والتفاصيل من حوله ويرتبط بها كثيرا، لكن لا يمكن القول أنني استقريت هنا بالمعنى الحقيقي للكلمة. أنا لدي شقة في طنجة ودائما اتردد عليها اكثر من عشر مرات في السنة قادما من فرنسا او متنقلا بينها وبين بلاد العالم لأنني اسافر كثيرا، لكنني افضل الإقامة هنا في الصيف.
·       في الكتابة هل هناك علاقة لطنجة أو تاثير مباشر بالإلهام أو التاثر بمن عاشوا بها مثلا؟
** أنا لدي روايتين تمثل طنجة فيهما إطارا روائيا هما "أن ترحل" و"يوم صامت في طنجة"، وهي ايضا تلعب دورا كبيرا في حياتي، لكني لم انتم غلى البيئة الاجنبية التي عاشت او استقرت في طنجة من الكتاب الأجانب، مثلما فعل شكري في علاقته ببول بولز مثلا، لا انا كانت حياتي محايدة جدا.

·       كيف تصف علاقتك بشكري والمعروف انك الذي ترجمت روايته الشهيرة للعربية وقدمته للقاريء العربي بالتالي؟
** لا الحقيقة الفضل في التعريف بشكري يعود أولا لمحمد براده، فهو الذي اكتشف شكري وهو الذي كان يروج له ويدافع عنه قبل زمن طويل. لأن شكري كان مهملا في الصحافة المحلية في المغرب. وبعض الكتاب المغاربة لم يهتما به أو يولونه أية أولوية أ واسبقية.
وعندما رأيت كيف تم استغلال شكري من قبل بول بولز ماديا ومعنويا بعد أن نشر سيرته الذاتية باللغة الإنجليزية قلت انه من واجبي ككاتب صديق ان اسهم في ترجمة سيرته الذاتية للعربية واعطيت الكتاب الاسم الذي عرف به لاحقا في كل مكان "الخبز الحافي".

·       هل كانت تجمع بينك وبين شكري علاقة صداقة بالمعنى الحقيقي للكلمة؟
** كانت تجمع بيننا علاقة ما، لكننا كنا مختلفين فهو مثلا كان يشرب كثيرا وأنا لا أفعل، وكنت أشعر أنه بما يفعله بنفسه كان ينتحر بشكل شبه يومي، كأنه يتعمد أن يهدم نفسه بنفسه..كان تعيسا وممرورا واظن أن هذا طبيعي لإنسان عاش مثل ما عاشه هو في طفولته من بؤس وفقر وجوع. لكني أظنه ظل يعاني طويلا ولم يتجاوز تلك الطفولة البتة. وهذا ما جعله عدوانيا مع الكثيرين وعلاقتي به كان يشوبها شيء من الجذب والشد، وأعتقد ان هذه سمة مشتركة لكل من تعاملوا معه، واظن ان هذه كانت طريقته مع الجميع حتى مع نفسه.
·       عندما تأتي إلى طنجة ما هي الأماكن التي تحب ان تتردد إليها؟
** الحقيقة انني لا استقر في طنجة في مكان واحد، أتجول باستمرار، وما يهمني في هذا التجوال ملاحظة الأشياء الصغيرة والتفاصيل والتغيرات التي تطرأ على البشر وعلى الأماكن، خصوصا وان هناك تغيرات كثيرة ملموسة الآن، فعلى عكس الملك السابق الحسن الخامس، الذي ترك المنطقة مهمشة ولم يزرها،فقد اولى الملك محمد السادس اهتماما كبيرا بالمدينة والشمال بشكل عام ويمكن القول انه أحيا المدينة من جديد ومنحها أهمية جعلت منها بالفعل الآن مدينة مهمة في المغرب، ولعل ابرز دليل على ذلك هو ميناء طنجة المتوسط الجديد الذي يعد مشروعا تنمويا عظيما ليس للمنطقة فقط بل وللبلد ككل.
·       هل منحك البشر من سكان طنجة ممن تتامل غلهاما لشخصياتك الروائية؟
** أنت تعرف ان الشخصيات الروائية عادة ما يكون بها نوع من التركيب، وكل شخصية تتكون من عدد كبير من الشخصيات التي يكون الكاتب قد خبرها أو عرفها. وبالتالي لا يمكن القول ان شخصية بعينها من الواقع تنتقل كما هي إلى الرواية، هذا صعب. لكن ما أهتم به حقا في طنجة وفي العديد من المدن المغربية واحرص عليه هو زيارة المدارس والتحدث إلى الطلبة الصغار، فهذا من جانب يفيدني كروائي وفهم الجيل الصغير وتطلعاته، كما يمنحني فرصة جيدة لأؤدي دوري ككاتب في محاولة زرع حب القراءة لدى الصغار بل وتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم وعلى الكتابة أيضا. والحقيقة ان الفرد يمكنه أن يصل إلى اشياء إيجابية عديدة مع الأطفال، لكن ذلك يكون صعبا مع من اكتمل تكوينهم النفسي والشخصي.


·       هل لديك تجارب في الكتابة للاطفال إذن؟
** نعم، كتبت بعض القصص القصيرة للأطفال، ولدي كتابين أحدهما يناقش موضوع العنصرية كما شرحتها لابنتي وهذا ترجم على نطاق كبير في نحو 40 دولة والثاني كتاب عن الإسلام حيث قدمت شرحا مبسطا للإسلام للطفل بحيث يستوعب جوهر الدين الإسلامي، وقد سمح لي هذان الكتابان فرصة اللقاء بالأطفال، والتجول في نطاق المدارس المغربية وهذا من أهم التجارب بالنسبة لي.
·       هناك بعض من كتبك التي ترجمت للعربية تعرضت لصعوبة الوصول للقاريء احيانا بسبب سوء الترجمة..كيف ترى هذا الامر؟
** الحقيقة أن هذا الموضوع سببه القرصنة التي تعرضت لها من عدد من الناشرين السوريين الذين لم يراعوا أية حقوق أدبية أو مادية، وهؤلاء أساءوا بالفعل لترجمة كتبي. لكن كما قال لي صديق سوري هم لا يحترمون حقوق الإنسان فهل سيحترمون حقوق المؤلف؟ لكن في المقابل هناك بعض اعمالي التي صدرت ترجمتها في لبنان وقد ترجمت بشكل جيد.
·       ألم تحاول مطلقا أن تكتب باللغة العربية؟
** أنا أحترم اللغة العربية جدا، وأعتقد ان اي محاولة من جانبي للكتابة بها سيتضمن قدرا من الغساءة إليها وهذا ما لا ارضاه لا لنفسي ولا للغة العربية، لذلك افضل ان أكتب بلغتي الأجنبية ولا اتعسف على لغتي الأم.
·       لغة السرد في اغلب اعمالك لغة تبدو بسيطة، ولا تتضمن اي قدر من التعقيد بالرغم من أنك تكتب الشعر أيضا؟ هل هذا مقصود من جانبك؟
·       الحقيقة ان الوصول إلى هذا الأسلوب الذي يبدو بسيطا كما تقول هو نتيجة لبذل جهد كبير جدا في اللغة واختيار التركيب المناسب للجملة وتحاشي تعقيد وطول الجملة، لأنني بشكل شخصي أن تعقيد الاشياء هو على العكس ضد العمق.
·       بالرغم من سمعتك العالمية كروائي إلا انك كرمت في المغرب بصفتك شاعرا..كيف تلقيت هذا التقدير؟
** طبعا أنا سعيد جدا بهذا التقدير خصوصا انني بدأت عملي الأدبي كشاعر بالفعل، لكن كوني شاعرا من عدمه فهذا حكم اتركه للقاريء فإذا حكموا علي بكوني شاعرا فسوف يسعدني ذلك، لكني في المقابل وفي الحقيقة لم أقترح نفسي كشاعر. الشعر نوع أدبي بالغ الصعوبة، ولذلك تجد أن الشعراء الكبار في العالم قليلون جدا لذلك يمكنني القول انني أحاول الشعر لكني لست شاعرا.

 هذا الحوار نشر في مجلة العربي في عدد مارس 2012 كجزء من استطلاعي عن مدينة طنجة بعنوان "طنجة تاريخ جديد يبدأ مع ميناء المتوسط"

الطاهر بن جلون وأنا


قال الكاتب المغربي الطاهر بنجلون إنه دائم التجوال خلال إقاماته بطنجة التي يتنقل بين فضاءاتها متعقبا الأشياء الصغيرة والتفاصيل والتغيرات التي تطرأ على البشر والأماكن.
واستعاد الكاتب الحائز على جائزة غونكور الأدبية٬ في حوار مع مجلة "العربي" نشرته في عددها الأخير ضمن ملف عن "أسطورة طنجة"٬ علاقته بمدينة البوغاز التي أكد ارتباطه الكبير بها.. خصوصا أنها المدينة التي قضى بها طفولته٬ "وهي مرحلة يكون فيها الفرد بالغ الحساسية للأشياء والتفاصيل من حوله".
وقال بنجلون متحدثا عن حضور طنجة كمصدر إلهام لأعماله الأدبية: " لدي روايتان تمثل طنجة فيهما إطارا روائيا٬ هما 'أن ترحل' و 'يوم صامت في طنجة'. إنها تلعب دورا كبيرا في حياتي" غير أنه حرص على التأكيد أنه لم ينتم " إلى البيئة الأجنبية التي عاشت أو استقرت في المدينة من الكتاب الأجانب٬ مثلما فعل شكري في علاقته مع بول بولز مثلا.. حياتي كانت محايدة جدا".
"ما أهتم به حقا في طنجة -يقول الكاتب- هو زيارة المدارس والتحدث إلى الطلبة الصغار٬ فهذا من جانب يفيدني كروائي ولفهم الجيل الصغير وتطلعاته٬ كما يمنحني فرصة جيدة لأؤدي دوري ككاتب في محاولة زرع حب القراءة لدى الصغار٬ بل وتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم وعلى الكتابة أيضا".
ولم يخف الطاهر بنجلون انبهاره بالتغيرات التي عرفتها طنجة ملاحظا أن "جلالة الملك محمد السادس أولى اهتماما كبيرا بالمدينة والشمال بشكل عام ويمكن القول إنه أحيى المدينة من جديد ومنحها أهمية جعلت منها بالفعل الآن مدينة مهمة في المغرب٬ ولعل أبرز دليل على ذلك ميناء طنجة المتوسط الجديد الذي يعد مشروعا تنمويا عظيما ليس للمنطقة فقط بل وللبلد ككل".
وعن سؤال لمحرر المجلة إبراهيم فرغلي حول سر البساطة التي تميز الأسلوب السردي للكاتب المغربي٬ قال بنجلون إن "الوصول إلى هذا الأسلوب الذي يبدو بسيطا نتيجة لبذل جهد كبير جدا في اللغة واختيار التركيب المناسب للجملة وتحاشي تعقيد وطول الجملة٬ لأني بشكل شخصي أرى أن تعقيد الأشياء هو على العكس ضد العمق".
ورغم سعادته بتتويجه٬ العام الماضي٬ بجائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر في المغرب٬ فإن بنجلون يصر على أن "الشعر نوع أدبي بالغ الصعوبة...لذلك تجد أن الشعراء الكبار في العالم قليلون جدا. يمكنني القول إنني أحاول الشعر لكني لست شاعرا".
وعلى صعيد آخر٬ أبدى الكاتب استياءه من بعض الترجمات التي لم تساعد على وصوله بالشكل اللائق للقارئ العربي. بالنسبة له "الموضوع سببه القرصنة التي تعرضت لها من عدد من الناشرين السوريين الذين لم يراعوا أي حقوق أدبية أو مادية٬ وهؤلاء أساؤوا بالفعل لترجمة كتبي". لكنه نوه في المقابل بالترجمات التي صدرت لكتبه في لبنان.
واستبعد الطاهر بنجلون أي نية للكتابة بالعربية قائلا "أحترم اللغة العربية جدا وأعتقد أن أي محاولة من جانبي للكتابة بها ستتضمن قدرا من الإساءة إليها...أفضل أن أكتب بلغتي الأجنبية ولا أتعسف على لغتي الأم".
وتناول صاحب "ليلة القدر" جوانب من علاقته مع كاتب طنجة الراحل محمد شكري معتبرا أن "الفضل في التعريف بشكري يعود إلى محمد برادة٬ الذي اكتشفه وروج له ودافع عنه قبل زمن طويل٬ لأن شكري كان مهملا في الصحافة المحلية في المغرب". وقال "عندما رأيت كيف تم استغلال شكري من قبل بول بولز ماديا ومعنويا بعد أن نشر سيرته الذاتية باللغة الانجليزية٬ قلت إنه من واجبي ككاتب صديق أن أسهم في ترجمة سيرته الذاتية للعربية وأعطيت الكتاب الإسم الذي عرف به لاحقا في كل مكان 'الخبز الحافي'."
وجاء حديث الطاهر بنجلون لمجلة "العربي" في إطار ملف ضخم خصصته للمدينة٬ حمل عنوان "أسطورة طنجة... تاريخ جديد مع ميناء المتوسط"٬ جال في فضاءاتها وأساطيرها والشخصيات التي طبعت تاريخها٬ والمعالم العمرانية والتنموية الكبرى التي تزخر بها.