Sunday, March 13, 2011

أفكار متفرقة ..حول الثورة


بين آن وآخر كنت ألاحظ صورة جيفارا يستخدمها شباب كايقونة يرتدونها على تي
شيرت، أو يلصقونها على دفاترهم أو على سياراتهم، بينما كنا نسخر من هؤلاء الشباب عادة ونقول ليتهم يعرفون من هو جيفار، وربما ظن البعض ايضا أنها ربما لا تزيد عن موضة صور مطرب الريجي الشهير بوب مارلي خلال الثمانينات والتي كان الكثير منا يرتديها على تي شيرتات أو يعلقها هنا أو هناك تعلقا بمضمون أغنياته التي تحض على النهوض والوقوف أمام العنصرية والتمييز وهمجية السلطات القامعة في كل مكان..لكن دون أن يتجاوز الأمر فكرة الغناء مع بوب مارلي بصوت عال وأحيانا بغضب..ثم هذا كل شيء
اليوم ينبغي أن نقدم إعتذارا جديدا لهؤلاء الشباب، من عدم فهمنا المقيت لهم، ولعدم إدراكنا لما كان يختمر في وعيهم من رفض مطلق لما يحدث حولهم، دون أن يفقدوا اليقين مثلما كان شأن كثير منا، وأظن اليوم أن ايقونة جيفارا التي كنا نراها مجرد "تقليعة" جديدة من تقليعات الشباب كانت تؤدي في اللاوعي أو الوعي دورا مؤثرا يراكم فكرة التمرد الإيجابي، والغضب، وصولا إلى الثورة المجيدة التي أعادت لنا جميعا كرامتنا الممتهنة والمغتصبة على مدى عقود مضت

وأظن أن من جوانب وجوب الاعتذار للشباب ايضا ينبغي الإقرار بأن كل من لم يستطع أن يتفهم جوهر هذه الثورة ضد الخوف من القيم القديمة والإصرار على التغيير ضد كل تلك القيم وضد كل المخاوف ومنطق الريبة الذي تربى عليه وعي جيل كامل، وهو ما نلاحظه اليوم من جوانب التهويل الذي يمارسه الكثير من أصدقاء الثورة كلما سمعوا خبرا مؤكدا أو مغلوطا عن فلول النظام القديم والتعامل مع الموضوع بنفس الطرق القديمة.
دون وعي بأن الثورة تتبنى منطق عكسي تماما وهو منطق الفعل وليس رد الفعل، وأنها هي التي تجبر فلول النظام الآن على رد الفعل ومحاولة النيل من مكتسبات الثورة وبالتالي فلا ينبغي التعامل مع تلك التحركات كأنها مخيفة ومريبة بقدر ما ينبغي التيقن من أنها الآن تمارس من منطق رد الفعل.. والضعف لا القوة
الحذر مطلوب صحيح في هذه المرحلة، لكن ينبغي على الجميع التأكد من أن قوة الثورة تتحقق من خيالها النبيل ، وهو مكمن قوة فاعل بدليل ما حققته مما كنا نظنه من المعجزات قبل 30 يوما فقط من اليوم ولا تزال تحقق من المعجزات يوميا ما يفوق الخيال

النقطة الثالثة التي أظنها تستوجب الاعتذار ايضا هي فكرة القفز على الثورة.. هناك من أصدقاء الثورة مع الأسف أشخاص كثر تربوا على الخيال القديم..خيال القائد الأوحد والزعيم الأوحد والرجل الكبير الذين يتشدقون بالحرية والعدالة والثورة وحرية التعبير إلخ بينما هم لا يختلفون كثيرا في خيالهم عن الخيال المريض الذي سبق الثورة بالبحث عن صورة مماثلة لصورة الديكتاتور لكي يقدموها بديلا في صورة قائد الثورة أو المحرر وهو ما يظهر مثلا في محاولات البعض إسباغ الفضل لرجل مثل البرادعي بوصفه المحرك الحقيقي للثورة أو قائدها أو زعيمها، وهو في ظني بالفعل أيقونة من أيقونات منح الشباب الأمل في التغيير لكن لا يمكن أن نقوله ما لم يقله هو شخصيا خصوصا وهو يستعمل تعبيرات مثل وكيلا عن الشعب أو خادما له ولم يستخدم كلمة زعامة أو قيادة أو حتى رئيس،أو تحركات بعض الكتاب مثل الأسواني وغيره ممن تشعر من خطاباتهم أنهم يتمحكون في الثورة لكي يقدموا صورا لأنفسهم كاعضاء فاعلين في التثوير أو محركين للثورة وهذا كله ضد جوهر وروح الثورة التي تحارب  فكرة الكاريزما او الزعامة لصالح التحرك الشعبي والقوة الشعبية على حساب كل كاريزما او ايقونة للزعامة، وكل من لا يستوعب ذلك سيقضي على علاقته بالثورة إن عاجلا أو آجلا

أخيرا لعل من افضل ما أفرزته الثورة هو ذلك الجدل الصاخب من كافة اطياف المجتمع في الحوار حول مستقبل مصر وسبل محاربة الفساد وسبل تنفيذ السيناريو الافضل للمستقبل وهوايجابي جدا، لكن الشائع رغم ذلك في اغلب ما يتم من تعليقات يعتمد على الثقافة القديمة القائمة على النقد والنقد العنيف دون أي محاولة للاقتراح ببدائل ما يتم انتقاده.. وهناك أمثلة عيدة من شخصيات مثلا كانت تنتقد وجود حكومة شفيق لكنها لا تمتلك حدا أدنى من  تخيل البديل والاتكال على قائمة هزيلة كان بعض  الشباب قد اقترحوها للوزارة السابقة على الوزارة الجديدة وكانت تعاني من عدم معرفة حقيقي بطبيعة الشخصيات المقترحة فقد كان بينها على سبيل المثال بهاء طاهر وعادل السيوي ومحمد الصاوي ثلاث ترشيحات لمنصب وزير الثقافة وهو دليل على عدم معرفة كامل بمفهوم إدارة وزارة في عهد جديد لأن أي من الثلاثة رغم الاتفاق على نزاهتهم لا علاقة له بفكرة الوزارة 
أظن المرحلة الجديدة تحتاج للخيال والتفكير، والمبادرات، وهناك بالفعل مبادرات رائعة لمحاربة الفساد ومتابعة فلول النظام القديم وكذلك في مجال الدعوات لمجنمع مدني، لكن هناك جهد أهلي ضخم لازم ترتيبه للمرحلة الجديدة في محو الأمية والتعريف بأهمية منجزات الثورة، وفي تقديم الخدمات اللازمة للمجتمعات العشوائية التي تعاني من فقر الخدمات في كل شيء، وزيادة الوعي بالقيم وحقوق المواطنين، وفي مكافحة البلطجة وتتبعها في كل مكان في مصر، وهذا الدور مطلوب أكثربكثير من دور المخبرين بمحاولات الثورة المضادة لأن هؤلاء جميعا سيكونون قريبا جدا في السجون، والأهم الآن حشد الرؤى من أجل بناء  المستقبل بالأفكار والخيال والاقتراحات البناءة.. ولتكن هذه ثقافة جديدة يمكننا أن نتعلمها لنشيف سببا جديدا لشكر شباب هذه الثورة ومفجريها  .
.