Monday, December 21, 2009

الفساد الثقافي والعالمية

من موضوع عن الفساد الثقافي كتبه مهاب نصر ونشر في القبس في 4 اكتوبر2009


.الفساد سجن محلي
الروائي ابراهيم فرغلي يرى للفساد وجها اخر يعوق الأدب عن الوصول للعالمية، بمعنى عجزه عن طرح قضايا انسانية مواكبة لما يحدث في العالم:- بين آن وآخر نسمع من أحد المستشرقين أن نوبل ما زالت بعيدة عن الأدب العربي لعقدين آخرين على الأقل.تعكس هذه المقولة حكما بالقيمة، يرى أن الأدب العربي، ما زال بعيدا عن مستوى النص الابداعي في الغرب. وهي في الوقت نفسه تعكس أزمة عميقة يمر بها النص السردي العربي المعاصر، ليس لقلة المواهب، وانما للعديد من مظاهر الفساد التي تؤدي الى استمرار هذه الحالة على ما هي عليه.مثل هذه المقولة التي تتردد كثيرا تعكس رأيا «غربيا» مبنيا على حدود ما يتم الترويج له من انتاج النص العربي في الغرب، والحاصل أن جل ما يروج له لكي يهتم به الغرب لدواعي الترجمة وغيره هو نصوص يتم التعامل معها بوصفها وثائق سوسيولوجية وسياسية تشهد على أوضاع يهتم الغرب بالالحاح عليها مثل القمع والدكتاتورية والقيود على حرية التعبير، والفتن الطائفية وأوضاع الأقليات القبطية في الدول العربية الاسلامية، وأوضاع المرأة في العالم العربي، وغيرها. وهو ما اختزل صورة كلاشيهية تقول أن العالم العربي لا يمتلك كُتّابا وانما مجموعة من الكتبة المهتمين بالتعبير عن أزمات مجتمعاتهم.وقد يكون هذا صحيحا في جوانب منه، لكنه ليس كذلك في المطلق. فهناك العديد من النصوص التي تتضمن كتابة تجريبية وسردية وبنى غير تقليدية وحداثية تنافس كتابات العالم، لكن لا يهتم بها احد، لأسباب عديدة تمثل في مجمعها حالا من الفساد الذي يطال اليوم كل شيء تقريبا، في مصر على نحو خاص، والأدب والثقافة ليسا بعيدين عن أجواء الفساد هذه.ولعل النموذج الصارخ على أزمة الفساد في المناخ الأدبي العربي هو دورة معرض فرانكفورت للكتاب التي احتفت بالأدب العربي في عام 2004، فقد أوكل تنسيقها للجهات الحكومية الثقافية العربية، والنتيجة كانت عكسية تماما، اذ لعل هذه الدورة كانت سببا في تراجع الاهتمام بالأدب العربي وترجمته بدلا من العكس.وهذا ناتج طبيعي للشللية ولترشيحات وزارة الثقافة لكتاب بعينهم، ولموظفين من الوزارة لا علاقة لهم بالثقافة، كأنها تقدم لهم منحة أو جائزة بعيدا عن قيمتهم وأهمية حضورهم ذلك الملتقى ونوع الخطاب الذي يمكن أن يقدموه للمتلقي الألماني.وبالتالي ذهبوا جميعا كما جاءوا بل ولعل وجودهم كان مسيئا لهم وللثقافة العربية أكثر بكثير عن ذي قبل.من جهة أخرى حين تقبل وزارة ثقافة عربية منطق تقييد حرية التعبير بأي دعوى، فهي هنا بلا شك تلعب لونا من السياسة طبيعته مهادنة القوى المحافظة التقليدية، وهو ما يعبر عن انحياز للدكتاتورية، ومراوغة، وفي مناخ ما زال مكبلا بقيود التعبير عن الرأي لا يمكن أن نتوقع نصوصا كبيرة، لأن كل نص سيكون مكبلا بالمنع وما يراكمه ذلك في ثقافة الكاتب العربي، بلا وعي، ويلزمه بنوع من الرقابة الذاتية.هذه التناقضات في جوهرها اشارة دالة على حجم الفساد في العالم العربي، في مجالات عدة، والثقافة ليست بعيدة، لأنه مع الأسف، بدلا من أن تكون الثقافة هي مجال التنوير والتفكير، والارشاد، والوعي، أنتج الفساد مناخا لأشباه مثقفين يتصارعون على المصالح، والسفر والجوائز، والمناصب، وبالتالي صارت قضايا الثقافة هي النمائم التي تولدها هذه السفاسف، التي يتم الترويج لها بوصفها قضايا الثقافة المعاصرة بينما الثقافة الحقيقية والأفكار التي يمكن أن تحرك بحيرة الفساد هذه لا مجال لها لا في الاعلام ولا في المنابر السيارة أو الأدبية فأي عبث؟

2 comments:

سيد الوكيل said...

هذا كلام صحيح تماما ، وتحية لكاتبه ، ولكنىكنت أشعر طوال الوقت أنه يتكلم عن مصر بالتحديد وليس عن الأدب العربى عموما
شكرا للروائى إبراهيم فرغلى

Unknown said...

أشكرك جدا يا عم سيد
بالتأكيد الطابع التعميمي يتضمن خصوصية معرفتي بالدائرة المصرية