Monday, September 8, 2008

مقتطفات من "المـــدونة"

مقتطفات من المدونة
المدونة هو اسم صفحة أسبوعية كنت أسستها وتوليت الإشراف عليها وتحريرها في الطبعة العربية لصحيفة لأهرام اليومية خلال عامي 2006 و2007
هنا مقتطفات من بعض ما نشر فيها

مـدن إبداعيـــة
كتبت في هذه الزاوية، خلال صدورها لأول مرة، مقالا عن المدن الافتراضية في المستقبل، وفوجئت بأن المدن الافتراضية لم تعد مجرد خيال، وإنما أصبحت واقعا افتراضيا، يمكن لأي شخص أن يدخل إليه ويختار لنفسه اسما افتراضيا ويدخل ليمارس حياة افتراضية كاملة، وهي فكرة جديرة بالتأمل كما سنرى في الموضوع المنشور في هذه الصفحة.لكني هنا لا أود التحدث عن العالم الافتراضي إلا من زاوية المدن الإبداعية، بمعنى أنني أستطيع أن أتصور أن مدينة مثل باريس هي مدينة إبداعية بامتياز، ليس لأنها تمتلك المقومات التي تجعل منها مكانا إبداعيا مثل المتاحف، ودورا لعرض والمسارح، والإصدارات الثقافية، وأماكن الترفيه، والمقاهي. لا ليس لهذا فقط، وإنما لأنها مدينة تحفز الإنتاج الإبداعي، لأن الثقافة جزء من هوية البلد، ولأن إنتاج الثقافة جزء مهم جدا من الإنتاج الاقتصادي في المجتمع. ولأن السياحة أيضا ترتكز على الثقافة في بلد مثل فرنسا، وبالتالي فهي تمتلك كل شروط المدينة الإبداعية، من الحرية التي يبدأ منها جذور الإبداع وصولا للتشريعات مرورا بالمناخ العام ودور النشر والجوائز والمعارض الدورية ..إلخ.لكن هل يمكن اعتبار مدينة مثل القاهرة مدينة إبداعية؟ فكرت كثيرا، واكتشفت أننا إزاء حالة استثنائية، فالقاهرة للأسف، لم تعد مدينة إبداعية، لكنها كانت كذلك، ولو أنني قررت أن أبتكر مدينة القاهرة افتراضيا بالشكل الذي أتمنى أن تكون عليه لكي تكون مدينة إبداعية، لما احتجت للخيال بقدر احتياجي لإعادة تمثل قاهرة الأربعينات والخمسينات، بمسارحها، ودور النشر فيها، وزخم مبدعيها كتابة، وغناء وتأليفا وتلحينا وتمثيلا وفكرا، واستوديوهات السينما، والفتيات الجميلات اللائى مثلتهن "فاتن حمامة" بفستانها الذي يصل للركبة بلا أكمام، فلا تثير حسية من أي نوع، على عكس ما يشيع الآن من حالة حسية كامنة في الوجوه والعيون والأجساد، التي تختفي كثير منها تحت حجب عدة.الشفافية والليبرالية اللتان ميزتا القاهرة في عز زخمها الإبداعي استبدلتا بالازدواجية وشيوع الكبت والمنع والمصادرة وثقافة التحريم. ترييف القاهرة حولها من الإبداع إلى النقيض. ومع ذلك فهناك بشائر، نتمنى أن تكون نسمات تعيد القاهرة لسابق عهدها، لا مجرد هبة خماسينية، لا نرجو بعدها أن نعيش إلا في نموذجها الافتراضي، نموذج الأحلام
الإثارة الإلكترونية بين مونرو وموس

لفت انتباهي وأنا أطالع موضوعا عن غرف الكتاب نشرته صحيفة الجارديان قبل نحو أسبوعين أن الكاتب البريطاني حنيف قريشي أشار في وصفه للغرفة إلى صورة مثيرة ل"كيت موس"، وتصورت، في البداية، أنها مطربة بوب بريطانية، لكني بالصدفة كنت أتابع أحد المواقع الإخبارية وعرفت أنها موديل وعارضة أزياء من أشهر عارضات أوروبا وبريطانيا على نحو خاص، وأنها شاركت أيضا في تصوير مجموعة من الفيديو كليب الخاصة بأشهر نجوم الغناء وبينهم "السير إلتون جون"، كما أنها تصدرت بصورها أغلفة 300 مجلة من أشهر المجلات الفنية والمختصة بالأزياء في العالم.وهي ايضا من أكثر الشخصيات الشهيرة تعاونا ومشاركة في المشروعات الخيرية، بالجهد والتمويل. واخيرا هي الآن أشهر مصممة أزياء بريطانية، وقد أثار افتتاح معرضها الأخير لأحدث تصميماتها ختناقات مرورية بسبب اصطفاف الجمهور في طابور طويل لمشاهدة العرض.كنت في الأثناء أتساءل عن سر اهتمام كاتب مثل قريشي بصورة موس، وأنا أعود بذاكرتي إلى بعض الصور الشهوانية لمطربة البوب مادونا خلال فترة المراهقة لعدد من أصدقائي وفي غرفتي. وتبينت أننا الجيل الذي كان يبحث عن صورة عصرية لأيقونة الجيل السابق علينا ممثلا في مارلين مونرو، التي تربعت على العرش بلا منافس.قارنت بين صورة موس ومونرو وتبينت أولا أن البريطانيين ينحازون إلى أيقونات من ثقافتهم، ويتجنبون الأيقونات الأمريكية، كما أن الذوق الآن يميل لتفضيل النحافة كرمز للأنوثة مقارنة بالجسد اللين الشائع في الستينات، والذي جسدته مونرو على القمة.وهذا كله يمكن تفهمه بلا جهد، لكن اللافت أن نظرة عيني موس تخلو من ذلك المزيج الفاتن من الذكاء المختلط بالإغواء، ومن بريق الفتنة التي لا يمكن أن تغفل أن هذا الجمال يسيطر عليه عقل جميل.وهو ما تأكد لي عندما طالعت الموقع الخاص بمارلين مونرو الذي تتصدره مقولة لها تقول فيها:" هوليود هي مكان يدفعون لك فيه ألف دولار من أجل قبلة، و50 سنتا فقط من أجل روحك" . لهذا ففي تأملي لصور مونرو كنت ارى في ابتسامتها المغوية استخفافا خفيا لا تستطيع إخفاءه وهي تحدق لعين مصورها عبر عدسة الكاميرا، بينما موس لا تهتم إلا بالصورة كنموذج، وكتشكيل مالي، يخلو من وهج الروح الذي اتسمت به صور مونرو اتي "تطل فيها علينا بنظرات تبدو كأنها تحاول أن تنفذ لروح من يشاهدونها. ولعل هذا ما جعلها أكثر امرأة وقفت أمام عدسات الكاميرا في التاريخ المعاصر، وأيقونة الإغواء للقرن العشرين، لكن ذلك لم تصنعه مواصفات جسدية وملامح فاتنة فقط، وإنما عقل جميل، توجهه روح أخفت مشاكلها النفسية والعاطفية المعقدة وبؤسه طفولتها أمام العدسات واحتفظت بها لنفسها ولطبيبها النفسي حتى أفلت في ذروة شبابها.
إبراهيم فرغلي
نشرت في المدونة في 9 يونية 2007


أصبحت المواقع الإلكترونية على الإنترنت بمثابة أرشيف موثق للكثير من الأحداث، ولكثير من الشخصيات، التاريخية والسياسية والأدبية والفنية وغيرها. وعلى ذكر الشخصيات الفنية فعلى تعدد الشخصيات التي تحظى مواقعها بأعداد كبيرة جدا من المتصفحين، فمن بين هذه الفئة،خاصة الفنانات اللائي يتمتعن بالجاذبية والإثارة، تظل نجمة الإثارة الراحلة مارلين مونرو على رأس القائمة رغم مرور عدة عقود على رحيلها.وربما ان محاولة المقارنة بين مونرو وأي شخصية معاصرة لن تكون سهلة، بمعنى أن المقارنة ستكون عادة في صالحها. وهذا ما جعلني، بعد عدد من المقارنات أتساءل عن سر مارلين مونرو: لماذا تحتل هذه المكانة والإعجاب الذي ينتقل للأجيال، جيلا بعد آخر؟ هل المسألة تتعلق، فقط، بكونها قدمت نموذج الفتاة المثيرة الساخنة، والقادرة على إغواء الرجال؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير؟ أعتقد أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فصحيح أن مونرو تربعت عرش النجومية بلا منازع كنجمة شباك في أفلام هوليوود، كما عرفت بتعدد علاقاتها التي تجاوزت دائرة النجوم والممثلين إلى مجال الكتاب المرموقين حيث تزوجت من المؤلف الشهير آرثر ميللر، ثم تعدت علاقاته كل ذلك إلى دوائرالسياسة وصولا للرئيس الأمريكي الراحل كينيدي. وصحيح أيضا أن انتحارها في ذروة تألقها أبقاها في المخيلة الجماعية شابة حية ومتألقة، وأثار الكثير من اللغط حول ظروف انتحارها.لكن ما لا يتحدث عنه أحد أن نموذج الفتاة الدمية البلهاء الذي دأبت هوليود على ترسيخه في أذهان الجمهور، هو لا أصل له في الواقع، لأن الرجال الذين ارتبطت بهم لم يكن معروفا عنهم البحث عن مثل تلك الدمى الشهوانية. كما أن تحلق الجمهور حولها كان مشوبا بهالة من الإعجاب، حافظت عليه بذكائها.وفي الكتاب الذي نشره طبيبها النفسي من تسجيلات الشرائط التي كان يسجلها لها في جلسات العلاج يمكن أن نلاحظ، بلا كثير من الفطنة، أننا إزاء سيدة بالغة الذكاء، والعاطفية، والنضج، والخبرة في الحياة. وأنها أبدا ليست دمية ولم تكن. وأن كل هذه الأسباب هي التي تجعلها،حتى هذه اللحظة، تعيش في ذاكرة الجمهور. وخيالهم، رغم محاولات تجار الأيقونات الذين حاولوا أن يقيدوها داخل أطر وقيود البراويز وإطارات الصور، بينما هي ترسم ابتسامتها الذكية، التي تجمع الشجن بالمكر والإغواء بالبراءة كأنها تأبى على نفسها الابتذال. ترضخ للصورة بينما تعرف أن روحها، التي تتوهج في نظرة عينيها، هي التي ستجعل الجمهور يتذكرها بلا شهوة أو شبق، على عكس كل من حاولن تقليدها بابتذال.
إبراهيم فرغلي نشرت في 9 يونية 2007