المدونات
الإفريقية
صورة لقلب
إفريقيا البيضاء!
إبراهيم فرغلي
انشغلت مؤخراً
بإفريقيا لأسباب عديدة، من بينها قراءة رواية مهمة مثلا للدنماركية كيرستن توروب
بعنوان "إله الصدفة"، وفيها قصة سيدة دنماركية تقودها الصدفة إلى جامبيا
وتتعلق بفتاة إفريقيا تتضامن مع ظروفها وتنجح في نقلها إلى اوربا. وهناك أسباب
اخرى ثقافية وأدبية جعلتني شغوفا بالبحث والقراءة عن إفريقيا. كما أنني وقعت مؤخرا
على كتاب بعنوان "إفريقيا والتحدي" من تأليف وانغاري ماثاي، الكينية
الحاصلة على نوبل للسلام في العام 2004، والتي توفيت في العام 2011، وصدرت ترجمته
العربية من ترجمة أشرف كيلاني عن سلسلة عالم المعرفة في شهر مارس الماضي.
وإزاء اهتمامي
بتأمل "الصورة الفريقية" بعيدا عن الكلاشيهات الشائعة قمت بالبحث على
شاشة الإنترنت عن صور إفريقيا المتاحة على شبكة المعلومات من جهة، والبحث كذلك عن
بعض الوثائق الفنية المصورة مثل التلفزيون، ومن خلال هذا البحث تكشفت مفارقتان
لافتتان، فبينما تكشف الصورة التلفزيونية وهي في غالبيتها منتجة بأيدي إفريقية
ممثلة في أفلام سينمائية وفنون دراما، تكشف عن تاريخ ليس بالهين من الأفلام
السينمائية والمسلسلات بعضها من إثيوبيا أو الجابون أو السنغال، وبعضها من نيجيريا
التي تمتلك صناعة سينمائية ضخمة تضعها في مصاف كبريات صناع السينما في العالم بعد
كل من هوليود وبوليود، بالمناسبة صناعة السينما النيجيرية تعرف باسم "نوللي
وود"، وهي صناعة هائلة تمتلئ بأسماء لمخرجين كبار وممثلين نجوم في بلادهم وفي
القارة الإفريقية وقصص وحكايات عديدة تجسد العديد من صور الإشكالات التي يواجهها
الفرد وصور الحياة اليومية لشعوب القارة السمراء، بالإضافة لدول إفريقية أخرى طبعا،
مثل جنوب إفريقيا. أقول أنه في مقابل هذه الصورة التي تكشف عنها الأفلام والدراما،هناك
الصور الفوتوغرافية، على شبكة الإنترنت؛ التي تصور جوانب من إفريقيا وتبدو وكأنها
موازييك مفتت، إذا نجحنا في جمعه معا لتكونت لنا صورة ضخمة بائسة، هي الصورة التي يبدو
الإعلام الغربي مصرا على بثها باعتبارها الصورة الوحيدة لإفريقيا وهي صورة إفريقيا
السوداء الفقيرة التي تعيش مجاعات، ويعاني أطفالها من الجفاف والهزال وسوء الصحة، وتعاني
من الحروب الأهلية، ويتفشى فيها المرض، وتمتلئ صحاريها بالهياكل العظمية لضحايا
الحروب والمجاعات والهجرات التي تمثلها فرق الهاربين من المآسي والكوارث الإفريقية
إلى دول الشمال، أو جنة العالم الغربية.
ولأجل التحقق من
هذه الصورة التي تبدو، حتى بالنسبة إلينا نحن العرب، الصورة الوحيدة لإفريقيا،
خصوصا في ظل الإفراط في المحلية الذي يعاني منه اليوم العديد من المجتمعات
العربية، حاولت تتبع المدونات المهتمة بإفريقيا التي يكتبها أهل الدول الإفريقية
المختلفة، أو يسهم فيها بعض الكتاب الغربيين المهتمين بالكشف عن الوجه الحقيقي
لإفريقيا وشعوبها، وتراثهم ومعتقداتهم، وبساطة أهلها، وقلوبهم البيضاء.
قبل الإشارة إلى
بعض ما يتضمنه محتوى شبكة الإنترنت مما يبث من قبل الأفارقة أنفسهم، ويعبر عن واقعهم
الفكري والاجتماعي والثقافي والفني أود الإشارة إلى مقتطف من كتاب "إفريقيا
والتحدي"، تقول فيه مؤلفته وانغاري ماثاي: "على مدى خمسة قرون ظل العالم
الخارجي يخبر الأفارقة من يكونون، بطريقة تشبه ما حدث لسكان البلاد الأصليين في
أستراليا، وسكان أمريكا الشمالية المحليين، وسكان الأمازون الأصليين، فقد قيل
للأفارقة أن مجتمعاتهم متخلفة، وعاداتهم الدينية آثمة، وممارساتهم الزراعية
بدائية، وانظمتهم في الحكم غير مناسبة، ومعاييرهم الثقافية همجية. ولم يحدث إلا في
وقت قريب نسبيا فقط أن أخذ عمل علماء الآثار والمؤرخين يحل ببطء محل التصورات
الأوربية المسبقة التي طال عليها الأمد عن إفريقيا باعتبارها "القارة
السوداء". واكتشف هؤلاء الدارسون أن القارة كانت لديها حضارات متطورة في
القرون التي سبقت وصول الأوروبييين، وهياكل حكم أساسية، وإبداعات ثقافية تضارع أيا
من مثيلاتها في في أوربا في ذلك الوقت.على سبيل المثال فمملكة الكونغو في وسط
إفريقيا التي امتدت لمسافة 130 ألف ميل مربع وكانت تضم ما يزيد على نصف مليون
نسمة، عاشت قرونا حتى حولتها تجارة الرقيق البرتغالية إلى دولة تابعة فعليا. وخلال
القرن الرابع عشر كانت الإمبراطورية مالي أكبر من أوربا الغربية، وكانت ، طبقا لما
ذكره بعض المعاصرين- واحدة من أغنى دول العالم. وفي عصر خلفائها، امبراطورية
السونغاي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بلغت جامعة سنكوري الشهيرة في
تمبكتو، وهي أحد أقدم مراكز التعليم في العالم، ذروة إنجازاتها".
إن ما أوجزته وانغاري
ماثاي في هذه الفقرة يختزل المفارقة التي أشرت إليها حول التناقض بين الصورة التي
يصورها الأفارقة بأنفسهم لأنفسهم وتبدو صورا حية تفيض بالحيوية والمرح والحزن
والثقافة والتراث والفنون، مثل أي مجتمع إنساني طبيعي، وبين الصورة التي يصر الغرب
على إشاعتها عن إفريقيا كقارة كئيبة لا يوجد بها إلا الجوع والفقر والمجاعات
والموت والخراب. أو كأنها ليست سوى قفار الموت.
وأظن أن دورنا
كعرب أن نحاول التعرف على صورة موضوعية عن إفريقيا، باعتبار أننا كدول تعرضت لنفس
ظروف الاستعمار الإمبريالي، وتعرضت كذلك لظروف التأطير في صور كلاشيهية صدّرها
الغرب الاستشراقي عنا ولا تزال تتداول حتى اليوم بوصفنا مجتمعات الحريم والبداوة
والتخلف ووأد الإناث واستغلال النساء والحروب الأهلية الطائفية وفقط، من دون أي
اعتبار لمظاهر الثراء الثقافي الذي تتمتع بها ثقافاتنا وحضاراتنا القديمة العربية
وغير العربية.
تجدر الإشارة هنا
أن مجلة "العربي" لعبت في الحقيقة دورا مهما، في حقبة من حقب صدورها في
الكشف عن جوهر روح إفريقيا عبر عدد من الاستطلاعات المصورة التي تناولت بعض المدن
الإفريقية أو جوانب من ثقافات إفريقيا، مثل السنغال في أكثر من استطلاع، والعفر في
القرن الإفريقي، وجنوب إفريقيا، التي استطلعتها المجلة أكثر من مرة أيضا، بسبب
تعدد ثقافاتها وكبر مساحتها، ومالي وبالتحديد تومبوكتو، والصومال وزنجبار وناميبيا
والسودان، وتنزانيا وزيمبابوي، وموريتانيا وجيبوتي.
مع التأكيد أن
العربي كان لها السبق في إطلاع القارئ العربي على بعض دول إفريقيا التي ربما لم
تتناولها قبلها أي مطبوعة عربية وبينها مثلا ناميبيا التي تقع في الجنوب في شمال
غرب جنوب إفريقيا والتي قدمها الكاتب الدكتور محمد المخزنجي في مطلع الاستطلاع
الذي كتبه عنها قائلا:" خلجان شفافة لجحافل من طيور الفيلامينجو،
وبرار لأسراب الغزلان الطليقة، صحارى تنبثق منها واحات النخيل الاستوائي، وغابات تربتها
حمراء تلامس السحب، مدن تحتفظ بعمارة القرن التاسع عشر الأوربية، وأرصفة تعج بمنحوتات
العاج والأبانوس الإفريقي، حكومة سوداء بها وزراء بيض، ونموذج ديمقراطي يحترم التنوع،
تراث غائر من القهر العنصري، ونزوع طيب لتجاوز الماضي نحو حاضر لا يعرف التفرقة، جامعة
وليدة تتحدث بلغة العصر، وطلاب لم ينسوا جذورهم الإفريقية. هذه بعض من وجوه ناميبيا
التي تشبه جوهرة يأتلق فيها مائة سطح وسطح، لكنها جوهرة منسية لقارة منسية، نسيناها
نحن الذين تعودنا أن تكون مواسم هجرتنا نحو الشمال ومهاوي أفئدتنا نحو الشمال، بينما
الجنوب الودود يزخر بألف بهجة وبهجة للبصر وللبصائر، وألف ألف نداء دافئ خجول. ولقد
لبت العربي النداء، رغم خفوت الصوت وحياء المنادي، لتكون أول مطبوعة عربية تقبس لقرائها
بعضا من هذا الألق الحميم البعيد".
ومن المؤكد أن
هذه الاستطلاعات لو جمعت في كتاب واحد، لكونت سفرا مهما عن الثقافة الإفريقية، ومع
ذلك فهناك الكثير من الدول الإفريقية التي تحتاج للتعرف عليها، وربما لم تتح
الفرصة للعربي أن تزورها بعد مثل كينيا ونيجيريا وإثيوبيا والعديد من دول وسط
إفريقيا مثل ساحل العاج ومالي وغيرها.
كما أن أغلب
الاستطلاعات التي تناولت إفريقيا في الحقيقة إما مر عليها وقت طويل جدا، او أن
بعضها تمت زيارته مرة واحدة فقط بما لا يكفي بالتأكيد لتكوين صورة معرفية شاملة
لهذه القارة اللغز، والثرية بالفن والتراث والحضارات والتعددية الإثنية والعرقية
واللغوية.
لهذا كله كان من
المهم الاطلاع على إفريقيا الإفتراضية، أو إفريقيا التي تقدمها شبكة الإنترنت،
وخصوصا المدونات التي أنشأها أفراد من المثقفين الأفارقة الذين يجيدون اللغات
الأجنبية، أو تلك التي أنشأتها مجموعات او مؤسسات إفريقية من أجل تقديم صورة ما،
حقيقية ووافية عن بلادهم وثقافتهم. وفيما يلي نماذج لبعض من المدونات.
· مدونة إفرقيتنا
www.ourafricablog.com
في هذه المدونة
المصورة تبث المدونة عددا من الصور وتذيل كل صورة بتعليق مكثف عن الصورة التي قد
تكون تمثيلا لزي شعبي لأحد البلدان الإفريقية، أو لوحة فنية تعبر عن ثقافة ما من
ثقافات إفريقيا، أو طابع معماري في إحدى المدن الإفريقية، وهي مدونة فنية ثقافية.
· أفريكا أون ذا بلوج
www.africaontheblog.com
هذه المدونة تعد
واحدة من المدونات المثالية لمن يريد أن يتعرف على إفريقيا بقلم أهلها، وأن يرى
صورة حقيقية للثقافة والمجتمع والحياة اليومية والآراء السياسية والفنون وأنواع
الطعام وغير ذلك من وجهة نظر الأفارقة أنفسهم، ومن دون تحيزات الإعلام الغربي التي
تستضيف الأفارقة على شاشاتها لكي يؤكدوا صورة ما يود الغرب تثبيته عن إفريقيا.
ومن بين ما تتناوله
هذه المدونة على سبيل المثال عرض كتاب "عشاء مع موجابي" من تأليف هايدي
هولاند، وهي صحفية من جنوب إفريقيا كانت تعيش في زيمبابوي، وتوفيت في عام 2012،
وفي الكتاب تستعرض سيرة حياة موجابي الذي يعد أطول حكام إفريقيا عمرا، فهو يكمل
هذا العام عامه التسعين، إذ ولد روبرت موجابي في زيمبابوي في العام 1924، ويعد أول
رئيس حكومة في زيمبابوي وثاني رئيس للبلاد بعد الاستقلال، وكان قد تولى الحكم بعد
الرئيس كنعان سوديندو بانانا، في العام 1987، وكان موجابي عضوا في حركة زابو التي
أسسها جوشوا نكومو كحركة سياسية نضالية أفريقية
وصفت باتحاد شعب زيمبابوي الأفريقي (زابو) "ZAPU" عام 1961، رفعت شعار المساواة في
الحقوق الانتخابية بين السود والمستوطنين البيض في روديسيا (سابقا). وكانت السلطات
البريطانية الاستعمارية حركة زابو في عام 1962 وتعرضت لانشقاق تمخض عن ولادة حركة زانو
"ZANU" بقيادة (سيشولي وروبرت موغابي)
وقد عمل جوشوا نكومو على التفاوض مع البريطانيين من أجل إقامة اتحاد أفريقيا الوسطى
دون نتيجة.
تتناول المدونة أيضا
على سبيل المثال طبيعة الوجود المسيحي في كينيا من خلال موضوع موسع يبحث تعداد
وظروف المسيحيين في كينيا.
ويمكن لمن يطلع على
هذه المدونة المهمة أيضا أن يقرأ موضوعا مهما عن مدى تأثر إفريقيا بما يعرف
بالربيع العربي، وما أسفر عنه في كل من مصر وليبيا وتونس، وكيف يمكن أن تستلهم إفريقيا
هذه الحركات من أجل التغيير السلمي ورفع الصوت أمام الحكام الديكتاتوريين في
إفريقيا ممن يتعاملون مع بلادهم كأنها محميات خاصة بهم، كما يسلط المقال الضوء على
بعض الوقفات الاحتجاجية التي قام بها المهاجرون النيجيريون في لندن إما تعاطفا مع
موجات التغيير الديمقراطي في العالم العربي أو شجبا للجماعات المتطرفة الإفريقية
مثل بوكو حرام وغيرها.
كما كتبت الناشطة الزيمبابوية
دورين جورا Doreen Gaura مقالا موسعا عن الدور الذي قامت به
ويني مانديلا زوجة الزعيم الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا في دعم زوجها
ونشاطها السياسي.
كما تنشر المدونة
كذلك موضوعا عن "معايير الجمال" وكيف سجن البشر الجمال
"الأسمر" في سجن القبح موليا وجهه للبشرة البيضاء معتبرا إياها مقياس
الجمال الوحيد أو الأول. وكيف يعاد النظر في هذه الكلاشيه القاصر والمحدود.
هذه مدونة مهمة
ووافية في إضاءة الكثير عن القارة السمراء، بأقلام أهلها، وبصدق واحترافية
وموسوعية.
· يوميات الرحالة
www.rangerdiaries.com
هذه المدونة تضم تدوينات مختلفة مصحوبة بالصور بأقلام
الرحالة الغربيين في رحلات السفاري التي يقومون بها في إفريقيا ويصفون ما يشاهدونه
من الطبيعة أو البشر، ومغامراتهم في مواجهة الحيوانات المختلفة في صحاري أو غابات
أو أحراش دول إفريقية مختلفة.
· سجلات تمبكتو
· timbuktuchronicles.blogspot.com
هذه المدونة المنوعة أيضا تلقي الضوء على العديد من شؤون
الثقافة والحياة الاجتماعية واليومية لعدد من الدول الإفريقية، كما تجد بها تقارير
مصورة عن بعض إبداعات فتيان إفريقيين يصنعون سيارات خشبية تشبه السيارات الجيب
الخاصة بالسفاري، وألوان من الأطعمة التي تختص بها بعض الثقافات الإفريقية، إضافة
إلى بعض التقارير حول مشاكل تمويل الاستثمارات في دول إفريقية مختلفة. وما يشبه
ذلك من موضوعات.
· افريقي أبيض whiteafrican.com
إريك هارسمان منشئ هذه المدونة نشأ في كل من السودان
وكينيا وهو الآن متزوج ويعيش في كينيا، وقد أنشأ المدونة لتسجيل كل التطورات
التقنية المتعلقة بوسائط الاتصال الحديثة في كينيا وإفريقيا بشكل عام، والتعريف
بمجتمع التقنيين الكينيين وإنجازاتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
إن عالم القارة
السوداء، في الحقيقة هو عالم كامل من الثقافة والفكر والأدب والطبيعة والتراث
والعلم، لكننا للأسف لا نعرف شيئا عنه، ولعل العالم الافتراضي يكون مدخلا أوليا
لفهم ومعرفة هذا العالم الثري.
نشرت في مجلة العربي العدد 666، مايو 2014
No comments:
Post a Comment