لا تزال تحمل قضايا الحرية والمساواة والعدل بين أولوياتها
نوال السعداوي.. الأنثى هي الأصل!
إبراهيم فرغلي
لا اذكر أي منهما قادني للآخر "الأنثى هي الأصل"، أم
"المرأة والجنس"؟ الكتابان الأساسيان من بين كتب الدكتورة نوال
السعداوي، اللذان شاركا في توجيه عدة أجيال في مصر باتجاه فهم قضية حرية المرأة
وفق أسس ثورية ومختلفة. لكني أذكر جيداً أنني قرأتهما متتابعين وعمري سبعة عشر
عاما. وأظنهما الكتابان اللذان أسهما في تشكيل رؤيتي لقضية المساواة في المجتمع من
منظور مختلف، وفي تغيير الكثير من سلوكياتي وأفكاري الذكورية المتوارثة في مجتمع
يقدم فكرة القوامة باعتبارها مسألة بديهية تماما، مسيجة بهالة القداسة الدينية،
ومحمية بتراث اجتماعي رهيب من احتقار المرأة والآخر.
وأزعم أن اهتمامي الكبير بالجنس في الكتابة الأدبية، ومحاولات تقمص الصوت
الأنثوي في العديد من نصوصي، واقتراح كتابة نص أدبي بنبرة محايدة، إنسانية؛
لاذكورية ولا أنثوية، تعود أصوله الأولى للأفكار التي تعرفت عليها من خلال نوال
السعداوي.
بدأت تلك الأفكار مما أصبح اليوم بديهياً عن مفهوم "العفة"،
الذكوري، والازدواجية المقززة لمجتمع صنّم فكرة شرف المرأة في غشاء البكارة، وتسبب
في ممارسات إجرامية عديدة في حق المرأة، وقهرها جنسياً واجتماعياً، فيما الأبواب
السريّة لكل مظاهر اللاعدالة والكذب والدعارة الفكرية والأخلاقية مشرعة على
اتساعها.
بعد أن رسخت وجودها الفكري في
المجتمع، أصبحت بعض آرائها تبدو وكأنها تبتغي الإثارة وتحمل طابعا دعائيا، تأخذ
أشكالا من التطرف الذي لا يتناسب حتى مع حركات النسوية الجديدة التي لا ترى في
المساواة إلغاء لأنوثة المرأة وهويتها الجنسية. والتي لا ترى أن الجمال والموازنة
بين المظهر والعقلانية إثما في حق المساواة. أي أنها تعيد تأمل الكثير من الأفكار
النسوية التقليدية من وجهة تأكيد الاعتبارات الجسدية الخاصة بكل من الرجل والمرأة،
كما تمنح التكوين الطبيعي للمرأة من حيث قدرتها على احتواء روح أخرى (الأبناء)
أهمية تقدير اعتبارات عاطفية تميزها عن الرجل من حيث فطرية الاهتمام بالآخر وغير
ذلك من أفكار أعادت للمرأة لمستها الأنثوية المسلوبة من أفكار النسوية التقليدية.
ومع ذلك ففي النهاية يمكن القول أنه من حيث الجوهر لا يمكن أن نرى في
الأنثوية أو أفكار النسوية الجديدة الا اتفاقا رئيسا مع جوهر مطالب النسوية
التقليدية تصب في خانة دعم العديد من المطالب التي لا تخص المرأة العربية فقط، بل
تمتد للمرأة في الغرب أيضا؛ مثل قضايا الحقوق
الإنجابية (التي تتضمن – دون أن يحدها ذلك- الحق في اختيار إجهاض آمن وقانوني، منع
الحمل، ونوعية الرعاية الصحية المتوفرة للأمهات)، والعنف في العلاقات الأسرية، وإسقاط
الحمل، والتحرش الجنسي، والتحرش في الشوارع، والاغتصاب، والتمييز، وعدم المساواة في
الأجور. وعموما فهناك العديد من القضايا الخلافية التي تنتج من تطور الفكر النسوي،
مع ظهور تيارات جديدة مثل الأنثوية التي تمنح الحرية الجنسية الكاملة للأنثى، وهو
ما تعارضه تيارات نسوية أخرى.
وبالرغم من كل ذلك، ومن كل ما قد
يكون مصدرا للاختلاف مع السعداوي، في النسوية وفي السياسة وغيرهما، تظل الكثير من
أفكار نوال السعداوي ذات أهمية كبيرة تتحقق من حيث كونها محاولة تثوير فكري
للمجتمع، في اتجاه العقلانية، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل عام.
تقول السعداوي :"ليست المشكلة عجز العقل البشري, بل النظم الحاكمة الظالمة
بقوة الأموال والإعلام والدين والسلاح, واستخدام اللعب السياسية والكلمات المراوغة
لإخفاء الظلم والتفرقة"، وتتساءل حول مظاهر اللاعقلانية في المجتمع: "هل
توقفت عقولنا عن التطور حتي يسيطر علينا اللامعقول ؟ كيف لأستاذ جامعي أن يعلق بعنقه
خرزة زرقاء تقيه الحسد؟ كيف لأستاذة جامعية متخصصة بالنانو تكنولوجي أن تغطي رأسها
لأنه عورة؟"، وتتساءل عن غياب العدل الاجتماعي بشكله الفاجر في مصر قائلة:
"كيف يعيش1% من المصريين في القصور و95% في القبور؟".
وتظل أفكارها الأساسية التي طرحتها في مطلع السبعينات وتناولتها في أكثر
من كتاب هي ما تناضل من أجله حتى اليوم، وهو ما عبرت عنه في "المرأة والجنس"
مثلاً، بقولها: "المقاييس الأخلاقية الي يضعها المجتمع لابد أن تسري على جميع
أفراده بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الطبقة الاجتماعية. والمجتمع الذي يؤمن بالعفّة
في الجنس كقيمة خلقية، لابد أن ييسر أن تسري هذه القيمة على جميع أفراد المجتمع، أما
أن تسري على جنس دون الجنس الآخر، أو على طبقة دون الأخرى فهذا يدل على أن هذه العفة
ليست قيمة أخلاقية وإنما قانون فرضه النظام الاجتماعي القائم. وقد رأينا في المجتمعات
الرأسمالية كيف كان الحكام الرأسماليون يفرضون على العمال والأُجراء قيماً أخلاقية
معينة تضمن زهدهم في الحياة، وقناعتهم بأجورهم الضئيلة، وخضوعهم للقوانين الرأسمالية
الجائرة، وتطوعهم في الجندية للدفاع عن مصالح هؤلاء الحكام وأطماعهم الاستعمارية. هذا
في الوقت الذي يستمتع فيه الحكام الرأسماليون بقيم الجشع والنهم والربح المتزايد، والإفراط
في كل المُتع التي حرموها على الطبقات الكادحة. واذا كان الرجال هم السادة في المجتمع
فقد دعوا النساء الى الالتزام بقيم الشرف والعفة ليضمنوا خضوعهن على حين ينطلق الرجال
مبيحين لأنفسهم الاستمتاع بكل ما حرموه على المرأة".
ولا تزال إسهامات الدكتورة نوال السعداوي الفكرية اليوم، في مرحلة ما بعد
الثورات والانتفاضات العربية لها أهمية كبيرة، لأنها تؤدي دوراً أساساً ينطلق من
يقينها أن الثورة الحقيقية ثورة عقلية، وأن المستقبل هذ الذي سيفجر هذه الثورة بعد
أن بدأت الثورة الاجتماعية والسياسية.
يحسب لنوال السعداوي خوضها المستمر للمعارك المختلفة ضد التخلف والرجعية
والأفكار الظلامية، وهو ما عرضها للعديد من المتاعب ومحاولات النيل منها من قبل
خصوم حرية الفكر، والذين قاموا بتكفيرها أكثر من مرة كما أقاموا دعوى لتطليقها من
زوجها، إضافة إلى الحملات المنظمة لتشويهها وتشويه أفكارها باجتزاءات مُخلّة،
انتزعت من غير سياقها، من مقابلات تلفزيونية في برامج حوارية مختلفة، وبعض
المقالات. فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا قرأوا لها كتابا، لا لها أو لغيرها.
وهي بذلك تضرب مثلا مهما يوضح كيف أن مجتمعاتنا العربية الذكورية التي لا
زال التخلف سمة أساسية يجول في ربوعها بلا رادع، لا تكتفي بمحاولات قهر المرأة
جنسياً واقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً، بل ومحاولة إرهابها فكرياً إذا حاولت أن
تناصر الأفكار المناهضة لقمع المرأة.
تعرضت نوال السعداوي للسجن في سبتمبر 1981م، في أواخر فترة حكم الرئيس السادات،
كما تعرضت للنفي بسبب إرهاب معارضي آرائها ومؤلفاتها، وتم رفع قضايا ضدها من قبل
بعض الأشخاص المحسوبين على التيارات الإرهابية للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه
تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ما وصفت ب"قائمة الموت
للجماعات الإسلامية" حيث هددت بالموت. كما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة
في مصر في 12 مايو 2008 م. إسقاط الجنسية المصرية عن المفكرة المصرية نوال السعداوي،
في دعوي رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها المدافعة عن حقوق المرأة.
نوال السعداوي
نوال السعداوي (ولدت في 27 أكتوبر 1930)، طبيبة، ناقدة وكاتبة وروائية مصرية
ومدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص. ولدت في مدينة القاهرة، وتخرجت من
كلية الطب جامعة القاهرة في ديسمبر 1954، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصصت
في مجال الأمراض الصدرية.
وفى عام 1955 عملت كطبيبة امتياز بالقصر العيني، ثم فُصلت بسبب آراءها وكتاباتها.
وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة
والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية.
ومن بين أعمالها:
مذكرات طبيبة 1960، المرأة والجنس 1969، الأنثى هي الأصل 1971، الرجل والجنس 1973، الوجه العاري
للمرأة العربية 1974، المرأة والصراع النفسي 1975، أوراق حياتي 2000، مذكراتي في سجن
النساء، الزرقاء (مسرحية). قضايا المرأة المصرية السياسية والجنسية، معركة جديدة في
قضية المرأة، الإنسان .. اثني عشر امرأة في زنزانة، موت الرجل الوحيد على الأرض(رواية)،
تعلمت الحب، توأم السلطة والجنس، رحلاتي في العالم، كانت هي الأضعف (رواية). امرأة
عند نقطة الصفر (رواية). سقوط الإمام (رواية) وغيرها.
No comments:
Post a Comment