خارج الكادر
مســخرة خــــالد
اعتقد "الناصري" المسكين خالد يوسف أنه لا ينقص هيفاء وهبي أي شيء لتصبح بيورك، ففعل مثلما فعل لارس فون ترير مع المغنية الايسلندية في "راقصة في الظلام" التي منذ اول انتقال لها من الغناء الى التمثيل اقتنصت جائزة أفضل ممثلة في احدى الدورات السابقة من مهرجان كانّ. كرمى لعيني بيورك وترير، أسند يوسف الى المغنية اللبنانية دوراً في مسخرته السينمائية الجديدة "دكان شحاتة" (يُعرض حالياً في سلسلة صالات "أمپير") ورافقها الى مدينة كانّ، خلال المهرجان، لا الى المهرجان، على سبيل التوضيح. هناك قال كلاماً كبيراً في شأنها واعتبرها "نجمة العرب الاولى" للسنوات المقبلة. وفيما كنا في طريقنا الى افلام المسابقة، التقينا بعض الزملاء العرب العائدين من العرض التمهيدي للفيلم. بعضهم كان يشتكي سوء التنظيم والبهدلة، وآخرون كانوا يتذمرون من انهم اضاعوا وقتاً كان يمكن استغلاله لشيء مفيد. لكن الجميع كان متفقاً على أمر واحد فحواه ان الصالة كانت مكتظة الى درجة انها لم تستوعب فريق الفيلم، وحصل نتيجة ذلك بعض الهرج والمرج والمعارك الصغيرة. وفي اليوم التالي، علمنا ان الصالة كانت تتسع لـ35 شخصاً... تقريباً.قبل ايام قليلة وصلت نسخة من فيلم "دكان شحاتة" الى بيروت مسبوقاً بصيت فضائحي. السبت الماضي كان موعدنا معه في صالة "غالاكسي"، وكنا شبه متأكدين ان الفيلم لن يتضمن اي شيء يثير الجدال، ولا يشتم اياً من الديانات السموية، كوننا اعتدنا هذا النوع من المناقشات الفارغة الدائرة في مصر، البلد "السينمائي" الوحيد في العالم حيث يتحدثون عن "تهمة" اسمها الاغراء! كنت اتوقع ان ارى هناك أمام الصالة ما يلقَّب بالصحافة الصفراء ومجلات الربع. "الكل كتب عن الفيلم، لم يعد يهمهم مشاهدته"، قال أحدهم. بعد نصف ساعة تأخيراً، أمضيناها نناقش أحوال دور العرض في زمن القرصنة والتحميل المجاني على الانترنت، انطلق جنريك صاخب جعلنا نعتقد ان انفجاراً ما قد وقع في مكان ما بالقرب من الشيفروليه. وسرعان ما انهالت علينا شلالات وفيضانات من قصاصات الصحف تستعرض حوادث سياسية وتاريخية مهمة مثل حذاء منتظر الزيدي و... رحيل يوسف شاهين، واللفتة الأخيرة تحية سمجة من تلميذ الى معلمه، كان يمكن الاستغناء عنها. ثم على مدار ساعتين ونيف: شخصيات بهيمية وزعيق وبلطجة وتطرف وعنف، انطلاقاً من نصّ ركيك لناصر عبد الرحمن. هذا كله مصوّر على طريقة أسوأ أفلام اميتاب باتشان، مع ما تتضمنه "التنصيبة" من اخطاء تقنية موجعة وهندسة صوت في ادنى مستوياتها وصورة وظيفية كي لا نقول شيئاً آخر. لا يحكي خالد يوسف قصة النبي يوسف وأخوته انما يحاكيها، من خلال رواية بواب صعيدي (محمود حميدة) في القاهرة يفضل ابناً له على آخرين، فيصبح عرضة للاضطهاد في مرحلة اولى، ثم، بعد موت الأب، يلصقون به تهمة ويزجون به في السجن ويسطون على حصته وخطيبته، وتنهال عليه كل مصائب الدنيا وصولاً الى الموت الذي يبدو أقلها وجعاً، له ولنا، لأنه يتيح للفيلم أن ينتهي. مع بداية فصول عذاب شحاتة، يبلغ الفيلم "ذروته" اثر اقحام آنسة وهبي لأداء دور بيسة وبكائها الملحمي التمساحي الذي هو مزيج من الدلع الانثوي الفيديوكليبي الآتي من خارج سياق الحكاية كلها. ولا يقل عنها إثارةً للشفقة، شحاتة الذي يجسده عمرو سعد، بشعره الحليق وبشاربيه، والذي يبدو كغروشو ماركس مصعوقاً بتيار كهربائي. أما "قومجية" المخرج المتزايدة فلا بد ان تترجم بشكل ما، والطريقة المثلى هي الضرب على الوتر الحساس، واسناد دور ما الى اسرائيل وسفارتها في سياق الحوادث. وعلى رغم ادعائه معرفة الكثير عن احوال المصريين والعرب، ليس الفيلم الاّ بالوناً بلاستيكياً يزداد خطر انفجاره كلما زاد الهواء (الهراء) فيه. نحن ازاء فيلم يستفز عندي سؤالاً واحداً وحيداً: كيف لتلميذ يوسف شاهين أن يكون على هذا القدر من التسطيح والشعاراتية؟
مقال اهوفيك حبشيان نشر في صحيفة النهار الخميس 25 يونية 2009
هـ. ح
هـ. ح
No comments:
Post a Comment