Wednesday, October 5, 2011

لكتاب والكاتب ..مظاليم الحياة في سجن الألف نسخة!


الكتاب والكاتب
 ..مظاليم الحياة في سجن الألف نسخة!

إبراهيم فرغلي


قبل عدة ايام أعلنت مؤسسة PEN الأدبية المرموقة عن جائزة جديدة تمنح لأول كتاب لمؤلفه، وتشترط استلام الكتب مخطوطة على أن يكون نشر الكتاب، عبر إحدى دور النشر الأمريكية الكبرى، جزءً من الجائزة البالغ قيمتها 25 الف دولار امريكي.
لكن ما لفت انتباهي من بين شروط المتقدمين للجائزة وكما أوردها موقع المؤسسة ألا يكون الكاتب قد سبق له نشر اي عمل أدبي يتجاوز المطبوع منها عشرة آلاف نسخة !
أي ان هذه المؤسسة الثقافية تعتبر أن اي كاتب حتى لو أصدر أكثر من كتاب ولم يتجاوز المطبوع من الطبعة الواحدة منها 10000 نسخة يعتبر، في عرف هذه المؤسسة، وفي عرف الثقافة التي تعبر عنها بالتالي، كأنه لم يسبق ان نشر شيئا.
تأملت الخبر مندهشا، ثم أغرقت في الضحك، لأنني أدركت أنني، رغم نشري سبعة كتب حتى الآن، لا زلت في عرف هذه المؤسسة كاتبا لم ينشر شيئا.
إليكم مفارقة أخرى لها دلالتها، أجريت بحثا على كلمة قراءة باللغة الإنجليزية على محرك البحث جوجل فظهر عدد من النتائج بلغ مليار و650 مليون نتيجة أو رابط، بينما لم يتجاوز عدد الروابط التي يحيل عليها المحرك نفسه لكلمة قراءة بالعربية 66 مليون نتيجة غالبيتها العظمى تندرج في أنشطة لا علاقة لها بفعل القراءة الحقيقية مثل "قراءة الكف"، "قراءة في أخبار"، قراءة في أحداث"، والبقية الباقية تندرج في إطار قراءة القرآن الكريم، وما تبقى من روابط سيتجه غالبا الى القراءة بمعناها المعرفي الأشمل.
أخبار مضحكة، لكنها المضحكات المبكيات من فرط دراميتها وفداحة دلالتها، والمصيبة أن هذه المضحكات قتلت بحثا في موضوعات صحفية، وتقارير إعلامية تليفزيونية استخدمت لازمة "أزمة القراءة العربية" أو "أزمة توزيع الكتاب العربي"أو "أزمة النشر العربي" عشرات الآلاف من المرات لكن بلا جدوى.
يمكنني أن أضيف أن الأزمة الحقيقية فعلا هي في توزيع الكتاب وتسويقه في منطقة عربية بها 22 دولة ويعيش بها ما يناهز 350 مليون شخصا بينما يمكن أن نحصي عدد المكتبات فيها جميعا على اصابع يد عدد محدود جدا من الأشخاص.
هناك جهود من بعض المؤسسات والجهات عبر مشروعات ضخمة للنشر من بينها مثلا هنا في الكويت سلسلة عالم المعرفة، ومشروع القراءة للجميع في مصر، وهما معا يتسمان بتوفير الكتب في نطاق توزيع الصحف ما يوسع من مساحة توزيع اصدراتهما، لكن في المقابل هناك مئات من دور النشر العربي التي تضطر لطباعة نسخ محدودة لا تتجاوز 1000 الى 3000 نسخة من الكتاب لعدم وجود منافذ، ولغياب المشروعات الثقافية التعليمية المشتركة التي تقتني الكتب للمدارس والجامعات وغير ذلك.
المفارقة، وهي ليست الأخيرة بطبيعة الحال، أننا في إطار كل هذه الأزمات نجد قراءا كثرا يسألون دوما عن كتب لا يجدون إليها سبيلا، فلا يعرف أحد هنا في الكويت أو مصر شيئا عن كتب الجزائريين الا قليلا، والعكس صحيح، فكتب المصريين في الجزائر والمغرب شبه نادرة والعلاقة متشابهة بين أرجاء المنطقة، وتعد معارض الكتب حدثا استثنائيا، بينما جولة واحدة في اي مدينة اوربية ودخول عدد من المكتبات فيها يمنح الإحساس بأن المدينة تعيش معرضا دائما للكتاب، وهذا فارق اساسي في مدن حية تسعى للحياة، ومدن يعيش فيها المتشبثون بالماضي والمفضلون لقيم الموت والسكون عن قيم العيش والحياة.
والطريف أن الناشرين استسلموا طويلا للمأساة بدلا من البحث الجدي عن تمويل ضخم وتحالف لإيجاد منافذ بيع كبيرة في الدول العربية مثلا حتى لو بدات بشكل قطري لتتوسع لاحقا، وقرروا أن الشعب العربي لا يقرأ..لكن ظاهرة المكتبات المقاهي في مصر بدات في فضح دعاوي الناشرين حين أقرت بوجود آلاف من القراء ممن كانوا لا يجدون الكتاب أساسا ليشتروه، وفجأة أصبحت طباعة الروايات أكثر من طبعة في العالم العربي ظاهرة، ثم جاءت الثورات لتقتلع كل أكاذيب الناشرين من جذورها لتقول أن وراء هذه التمردات وعيا وعقولا قرأت وتقرأ ولا يزال لديها نهم كبير لما لم تقرأ بعد.
لكن التاريخ الطويل لدور النشر هذه جعل أفق حل الازمة بادرا وعقيما مثل طريقة النظمى الديكتاتورية في تزييف حلول المشكلات..أما كارثة الكوارث فهو ما تسعى إليه دور نشر عديدة، أغلبها خاصة، وبينها مؤسسات طموح مثل دور نشر خاصة في مصر، تعرف بريادتها، رغم أنها لا تنتج فكرا مثلا على أي مستوى، أو مثل مؤسسة قطر، التي تسعى لحل المشكلة باسلوب مروع، يمكن التوصل له بسهولة بعد تصفح موقعها وما يتم نشره لديها،  في السعي لنشر كتب مثيرة مثل الكتب البوليسية والمغامرات  وترويج نماذج "البيست سيللر" لتعطي لذاتها، وربما للقائمين عليها، إحساسا مزيفا بالنجاح من ارتفاع عدد المبيع من الكتب، بينما تهبط القيمة إلى قعر الجب كما كل القيم الرفيعة التي تنزوي يوميا في المجتمعات العربية التي تحتاج لثورات موازية، بالمعنى الحرفي، لمهن النشر والكتابة والإنتاج المعرفي، ثم ثورة أخرى في تسويق هذه المعارف الحقيقية بدلا من السفاسف والتفاهات، وهذا هو الرهان الحقيقي للناشر الناجح، وهو تاليا، النجاح الحقيقي الذي تترجمه شروط الجوائز المشار إليها في صدر هذا المقال لدى مجتمعات تحترم قرائها بالمعنى الحرفي للكلمة ولهذا يحترم قراؤها المناخ الثقافي كله.

 القبس في 1 اكتوبر 2011
    


1 comment:

AHMED SAMIR said...

صدقت و اللهي علاقتنا كعرب بالقراءة و الثقافة علاقة بعافية شوية
بس تفتكر ليه كدة على الرغم ان اول كلمة نزلت في القرأن الكريم هي اقرأ؟!!