Tuesday, August 9, 2011

موديل عاري 1 - القصة الكاملة


موديل عاري 1 (القصة كاملة) 


الوقت..تقريبا منتصف قدح القهوة الثاني. قهوة سوداء سكرها أقل قليلا من القدح الأول. ودخان السيجارة الثالثة يطوف حول وجهي. في هذه اللحظات الاستثنائية للإفاقة الصباحية سمعت صوت ارتطام قوي في الشارع. اقشعر بدني، وخرجت إلى الشرفة لأرى سيارة عصرية سوداء تفر بسرعة جنونية فيما صوت صراخ نسائي تبدو صاحبته أقرب لمحاولة كتمان ألمها منها إلى إشاعته. لكن يبدو أن الألم فاق احتمالها.
ومثل معجزة صغيرة في القاهرة كان الهدوء لا يزال متسيدا هذا الوقت المبكر من اليوم.. فالسيدة ظلت تزوم ألما، بينما الشجرة التي تراقب شرفتي، تعوق محاولتي رؤيتها. ارتديت قميصا على بنطلون التريننج وهبطت على الدرجات الستة وخمسين بسرعة ووصلت إلى باب البيت. وجدت شابة جميلة على الأرض. ترتدي جينز وتي شيرت يعلوه جاكيت جينز، ملابسها متربة، وساقها تحتها تمسك بها وهي تزوم ألما.
إقتربت منها فقالت:
-         مش قادرة أتحرك..
-         طيب طيب.. ايه اللي حصل؟
-         مش عارفه.. انا كنت ماشية جنب الرصيف، سمعت صوت عربية سريعة جدا، بس قبل ما الحق اعمل أي حاجة لقيت نفسي على الأرض..
-         خبطتك؟
-         أيوه.. أنا حاسة ان رجلي اتكسرت.
-         طيب على الأقل حاولي بس تقومي وتقعدي على الرصيف لأن المكان هنا خطر.

أشارت بيدها رافضة اي حركة بإلحاح. فاقتربت منها ووضعت يدي تحت ركبتيها والأخرى حول ظهرها ورفعتها عن الأرض غير عابيء بصراخها. ثم وضعتها على الرصيف القريب ، في منتصف المسافة بين الشجيرتين اللذين يتجاوران أمام باب البناية.
نظرت لي بعتاب، لكني لاحظت أنه ليس مهددا، بل عتاب الفة ومودة فابتسمت لها وقلت:
-         كده أأمن..مأخدتيش نمرة العربية؟
-         لأ طبعا. أنا لقيت نفسي متكومة على الأرض في ثانية.
-         طيب اطلب لك إسعاف.. ولا تحبي أوديكي مستشفى؟
-         مش عارفه بصراحة.. أنا الأهم عندي إني أشوف  نورا دلوقت.
-          نورا مين؟
-          نورا صاحبتي..طلبتني علشان مكتئبة وكانت خايفة ومش قادرة تقعد لوحدها.
-         طيب ما تتصلي بيها.
لم تعقب بشيء. فقط ارتخت على الرصيف فجأة وأغمضت عينيها. اكتشفت أن سجحات عدة طالت ذراعيها، وكانت الدماء تنزف قريبا من كوعها. هززتها فلم تتحرك، وسرعان ما سمعت صوت أنفاسها تنتظم كأنها تغط في النوم من عدة ساعات.
بصراحة في هذه اللحظة كاد قلبي يتوقف من الغيظ. كان بإمكاني أن أكمل قهوتي، وأدخل إلى مرسمي لأعمل قبل أن تبدأ حالات الضغط اليومي واتصالات الصحف والأصدقاء.
ماذا أفعل الآن؟  لتذهب هذه الفتاة إلى الجحيم. مالي ومالها؟ ثمة شيء غير مريح في هذه الواقعة كلها.
لكن ضميري انتفض في اللحظة التالية. ولما لم يكن ممكنا أن أتركها هكذا في عرض الطريق والذهاب الى الشقة لإحضار مفتاح السيارة، قررت أن أحملها أولا إلى الشقة ثم أتناول المفتاح وأرتدي ثيابي قبل أن أقلها إلى المستشفى.
حملتها مرة أخرى. بدا جسدها طيعا، مما جعلني أشعر أنها أخف وزنا، تأملت وجهها وأنا أعدلها بذراعي. كانت تمتلك وجها طفوليا غريبا تتدلى على جبهتها خصلات من شعرها البني الثقيل شديد النعومة. وجهها النحيف بملامحها المنمقة الجميلة جعلني أظنها طفلة جميلة. لكن جسدها البض كان يشير إلى أنها على الأقل في منتصف العشرينات.
لا حظت وأنا على أول الدرجات الستة والخمسين أنها تضع قلادة ذهبية رقيقة حول رقبتها بها حرف S، حاولت أخمن لها اسما كلما صعدت درجتين: سميرة، لا لا ، شكلها يقول أنها ربما تكون سولي أو ساره أو سالي، سيمون أو ربما ساندي. لكن أنت تعرف أن الأسماء احيانا ما تكون بعيدة عن شخصيات أصحابها. هكذا قلت لنفسي، بينما بدأت أشعر أنني فقدت أي قدرة على التنفس، قلت ربما يكون اسمها سعاد مثلا.. أو سناء.. أو.. أنا الآن أفكر جديا أن اطرحها أرضا لكي ألتقط أنفاسي. قلبي يدق بعنف اشعر معه أنني سأموت.

تحاملت على نفسي الدرجات الثمانية الأخيرة ووصلت الى الباب الذي تركته مفتوحا، ودخلت الشقة، عابرا الأرضية الخشبية في المدخل، ثم الأبسطة التي تغطي غرفة المعيشة الصغيرة. اتجهت إلى الأريكة المكسوة بالقطيفة الخضراء التي كنت أجلس عليها منذ دقائق اقرأ الصحيفة وادخن وأستمتع بقهوتي الثانية.
وضعتها على الأريكة برفق، وأنا أحاول أن أتمالك نفسي، وبمجرد ان أدرت ظهري لها بدأت أطلق العنان للهاثي، وباغتني صوتها تقول:
-         إيه ده .. انا فين؟
استدرت إليها وقلت لها بحس الدعابة وبصوت لاهث ومرتعش:
-         لا مافيش.. انا خطفتك...
وجدت ملامح وجهها تتقلص وأصبحت في لحظة مثل طفلة عمرها عامين، إذ شرعت تبكي بحرقة شديدة.
"يخرب بيتك ..إنت شكل أهلك مجنونة رسمي"..هكذا قلت بلا صوت طبعا.
أما صوتي فخرج بالتالي:
-         انتي بتعيطي ليه كده؟ انا يا ستي اللي نزلت لك من شوية لما العربية خبطتك.. وجيت آخد مفتاح العربية.. بس لما أغمى عليكي لقيت إني لازم أشيلك لحد هنا.
-         لأ أنا مش باعيط علشان كده.. انا باعيط علشان  نورا.
-         يا ستي خلليكي من  نورا دلوقت.. إنتي لازم الأول تروحي مستشفى وبعدين نطمن عليكي ولما نخلص من الحكاية دي تشوفي  نورا أو تجيلك هيا المستشفى أو اي حاجة.
توقفت عن البكاء فجأة، ونهضت لتعتدل جالسة.. حركت ساقها اليمنى ثم تأوهت. قالت:
-         لأ شكلها مش مكسورة.. انا قادرة أحركها رغم الألم.. إنت عندك تليفون؟
-         أيوه تليفون أرضي.
-         ماعندكش محمول؟
-         لا ما باستخدموش.. انا قاعد في البيت أغلب الوقت.
-         طيب ممكن أكلم  نورا؟
-         ممكن طبعا.. ثواني أجيب لك التليفون.
فكرت في هذه اللحظة ان اخرج من الشقة وانسى أمر هذه المشكلة برمتها .لكني تحاملت على نفسي. دخلت غرفة النوم وتناولت جهاز التليفون اللاسلكي وخرجت به من الغرفة عائدا اليها، أعطيته لها واستدرت بسرعة متجها إلى المطبخ، فقد كنت أشعر بحاجة جنونية لقهوة ثالثة وسيجارة.
أعددت القهوة، واكتشفت ان سجائري بالخارج.. فخرجت من المطبخ متجها لغرفة المعيشة.. سمعت صوتها يتعالى كلما اقتربت منها:
-         طيب انا مش عاوزاكي تضايقي نفسك.. بس أنا مش هاقدر اروح المستشفى إلا لما تيجي... ايوه دا راجل لطيف أوي.. عنده بوني تيل... آه والله... لأ مش عارفه..ما سألتوش.

ابتسمت لها وأنا أشير للسجائر بجوارها، فابتسمت، تناولت السجائر وعدت إلى المطبخ. اشعلت سيجارة وبدأت أشعر بتوتر حقيقي. الوقت يضيع..لم انجز شيئا في اللوحة التي أعمل بها.. والمعرض باقي عليه اقل من شهر. وبعد ساعة ستبدأ اتصالات الصحف تسأل عن الرسوم المتأخرة للموضوعات.. ورسمة الكاريكاتير الأسبوعية للصحيفة التي أعمل بها.. أوووووف...
تجرعت جرعة من القهوة مستمتعا بمذاقها، وسمعت صوت الفتاة عاليا:
-         لو سمحت..انت اسمك إيه؟
خرجت من المطبخ، واتجهت صوبها ثم قلت:
-         مش هنروح المستشفى بقى؟
-         لأ هنستنى  نورا.
-         ليه  نورا؟
-         كده.. علشان انا عندي فوبيا من المستشفيات.. مجرد ما بادخل اي مستشفى بيغمى عليا.
صمت وجلست بجوارها وأنا أشعر أنني فقدت مزاجي تماما.. دخلت في حالة من تلك التي تنتابني عندما يدخل بعض الناس إلى حيزي الخاص دون إذن مني. هذه الاقتحام المرعب يصيبني بشلل نفسي كامل.
نظرت إلى اللوحات المعلقة على الحائط وسألتني:
-         انت بتحب الفن أوي كده؟
-         أنا رسام.
-         رسام فعلا؟
-         أيوه.
-         طيب ممكن ترسم  نورا؟
-         ليه  نورا مش انتي؟
-         أصل بصراحة لازم أقول لك على سر.
دخلت غيمتي الباطنية واغلقت على نفسي، بعد أن أحسست أنها ثرثارة. حقيقة لم يكن أمامي إلا أحد حلين: وهما إما أن أخرج من المنزل واتركها تتحدث للجدران، أو أن أحملها وألقي بها على السلم وتنتهي علاقتي بها للأبد، أو أن أظل جالسا في مكاني واتقوقع على ذاتي خشية أن أفقد صوابي وأفعل أي من الخيارين الأولين..
لا أعرف كم بقيت في قوقعتي الداخلية يأتيني صوتها مثل وشيش بلا معنى، فيما أحلق مع أفكار المعرض الذي يكاد أن يفقدني الوقت صوابي باقتراب موعده يوما كل يوم.

لاحقا، وبعد أن جاءت  نورا فهمت أنها تريدني أن أرسمها في مدى ثمانية وعشرين يوما لأنها قررت أن تنتحر بعد ثلاثين يوما.
لم أعد أذكر تفاصيل الحوار الذي دار بيننا حول قرارها بالانتحار لأنني انشغلت بجمالها الخاطف،  نورا واحدة من تلك الإناث التي تحضر مسبوقة بهالة من الحضور بسبب فتنتها الطاغية.. وجه من تلك الوجوه التي لا تنسى، شعر اسود ثقيل مموج، منبته الغزير عند الجبهة بلمعته المثيرة يبدو كبداية شلال للجمال الخالص، بشرة خمرية لامعة من فرط حيويتها، أنف متوسط جميل بتكوينه الدقيق، وشفتان لا أظنني رأيت مثل جمالهما قبلا خصوصا مع المساحة المميزة للشفة السفلى العريضة، كأنها تفاحة، وذقن مرسومة بطابع حسن هين.
أما السبب الثاني لعدم اهتمامي بكل ما قالته  نورا عن الانتحار هو أنني لم آخذها على محمل الجد.
 على عكس الكلمات القليلة التي تبادلناها بالإنجليزية قبل أن ننزل من الشقة إلى المستشفى مباشرة. بالأحرى كانت همسات تنقلت عبر أذنينا كإشارات:"لا تخبر أحدا بالحقيقة.. لكن يجب أن ترسمني خلال 12 يوما فقط لأنني سوف أنتحر صباح اليوم الثالث عشر، لكني أكذب عليهم حتى لا يحاولوا إنقاذي". "ألا تخشين من أن أحاول إنقاذك؟". "لا، لأنك سوف تنشغل برسمي حتى آخر يوم في حياتي"." لا يمكنني أن أرسمك في 12 يوما إلا إذا رسمتك عارية تماما" ."موافقة.. متى نبدأ؟ ". "اليوم.. مساء.. هل هذا يناسبك؟"."إتفقنا".
****

بعد ساعة كاملة من وقوفي أمام اللوحة البيضاء بينما جسدها ممددا عاريا في وضع استغرق منا نحو ربع ساعة لتحديده وجدت نفسي اقف منهكا. كنت عاجزا عن فعل شيء. حاولت أن أتحرر من طغيان جمال جسدها، وبدأت أتامله كخطوط وزوايا وظلال، وأدرس مواقع العضلات وتشريحها، لكي يتحول من وقعه المادي إلى مستوى الفن والتشكيل لكي تطاوعني يداي وتبدأ في نسخ هذا الجسد بكل ما يضج به من حيوية، لكني لم أنجح.
فكرة أن يفنى هذا الجسد بعد ايام كانت من القسوة للدرجة التي كانت تزعجني. كل جسد عار رسمته من قبل كان يفيض بالحيوية، وشرط خلوده الفنية ما يضج به من حياة في لحظة نقله من الواقع إلى فضاء اللوحة أو التشكيل. لكن لم يسبق لي ان رسمت جسدا أعرف أنه سيصبح جثة بعد ايام..الفكرة كانت مرعبة.

قلت لها " مش قادر..لازم نمشي من هنا حالا". نظرت إلي وكأنها قد جاءت من عالم آخر ثم تحركت من وضعها الذي تصلبت عليه بإصرار كنت أحسدها عليه. ثم قالت بهدوء"أوكي".

نهضت وارتدت ملابسها بسرعة ثم دخلت الى الحمام وخرجت بعد قليل فيما كنت جالسا ادخن في انتظارها..قالت:"انا جاهزة".

****
تذكرت هذه الحكاية..أو بالأحرى تذكرت هذه التفاصيل الدقيقة، فالحكاية تعيش في داخلي منذ سنوات، بينما اجلس في مقهى سيء الإضاءة، بالرغم من جلوسي قريبا من نافذة مطلة على شارع صاخب نوعا ما، وبجواري تجلس فتاة بيضاء جميلة، يفوح منها عطر باريسي مثير، نحرها الجميل يدعوني لتقبيله،  ظلت تلاحقني منذ حضرت إلى هذه المدينة الأوربية لأعرض عددا من لوحاتي. في المحاضرة التي سبقت افتتاح المعرض كانت تجلس في الصف الأمامي، التفت لعينيها الملتمعتين فوجدتها تبتسم، ابتسامة ناعمة ومثيرة اكثر منها ابتسامة تحية، لكنها ابتسامة تجعل من وجهها ضحكا، ودعوة لحب الحياة. وكلما هربت بعيني عنها راحت تلاحقني، حتى أنني في فترات متقطعة عديدة كنت أشعر أنني فقدت الإحساس بالمكان ولم يعد يشغلني سوى تلك الفتاة وما تريده مني بنظراتها المجنونة هذه.

تهربت من اقتراحها لتناول القهوة فى ليلة الافتتاح، لكني وجدتها في بهو الفندق في صباح اليوم الثاني تقف في مواجهتي وهي تقول مبتسمة:
-         أنا انتظرك من ساعتين كاملتين فلست أعرف متى ستقرر الخروج اليوم.
-         أهلا..لكن ذكريني ..ماذا تريدين مني؟
-         إجابة السؤال الاخير من المقابلة الصحفية التي أجريتها معك.
-         وما هو السؤال؟
-         من هي صاحبة الصورة الناقصة التي تكررها في أعمالك كلها؟
-         شخصية خيالية.
-         ولماذا تظهر أنت في كل اللوحات بوجهك الذي تختلف ملامحه تماما من لوحة واخرى فيما تنظر إلى مرآه.
-         لوحاتي ليست كلاسيكية على هذا النحو.
-         أعرف ولكن حتى أكثرها تجريدا لم تخل من روح تلك الفتاة ولا من وجهك المعكوس في المرايا.
كانت ذاكرتي قد شرعت تستدعي التفاصيل التي استدعيتها قبل قليل بالرغم من اندهاشي من إلحاح هذه الفتاة على معرفة هذه التفاصيل.
تأملت وجهها الجميل الذي كان مزيجا فريدا بين الملامح الشرقية وبين لمسة غربية تتجلى في العينين الزرقاوين.
قلت لها:
-         وما الذي يهمك في كل هذه التفاصيل؟
-         لا أعرف، ثمة شيء خاص جدا يربطني بلوحاتك، وبهذه الفتاة، لا يمكنني ان اكتب الموضوع على النحو الذي اريد دون أن اتبين حقيقة ما أشعر به.
كانت فتاة لحوح، وللصدق، كانت مثيرة وغامضة، فأرغمتني على الرحيل في الزمن.
****


في المقهى جلسنا متجاورين.. خلعت الجاكيت الجينز وبقيت ببلوزه بيضاء خفيفة بلا اكمام تظهر جمال كتفيها ونحرها ومفرق ثدييها الكاعبين. أخرجت من حقيبتها علبة سجائر "جولواز"  حمراء والتقطت سيجارة. اشعلتها ونفثت دخانها ثم نظرت في عيني وسألتني:
-         عجبك جسمي؟
نظرت اليها بتوتر..وكنا لا نزال في انتظار قدحي القهوة الأمريكية السوداء واخرجت سيجارة من علبة سجائري واشعلتها ثم نفثت دخانها وقلت لها:
-         انتي عايزه تنتحري ليه؟
-         جاوبني أجاوبك.
-         ايوه عجبني جسمك..
نظرت الي باهتمام. ثم نظرت حولها بشرود ولم تعقب بشيء.
-         كويس..لازم تبين الحسنة اللي تحت صدري اليمين..دي علامة مميزة.
هززت لها رأسي وأنا استعيد صورة الحسنة بين نهديها تقريبا والنمش الطفيف أعلى النهدين.
دخنت من سيجارتها نفسين متعاقبين، اسندت ذراعها الأيمن على كوعها، فانسدلت اساورها من الرسغ الى الساعد. تأملت اظافر اناملها المطلية بلون قاتم من درجة من درجات الأحمر. وأخيرا نظرت إلي وقالت:
-         كفاية كده.
-         كفاية إيه مش فاهم؟
-         انا باجاوبك على سؤالك..انا زهقت من حياتي.. مافيش جديد..لكن الأهم إني من زمان أخدت قرار إني أبقى صاحبة القرار الوحيد في كل شؤون حياتي. ومن فترة بدأت أحس إن الموت أهم قرار ممكن ياخده الشخص. وعلشان كده قررت أموت في الوقت اللي أنا أحدده.
تأملتها قليلا..عيناها الواسعتان المكحلتان اللتان تضجان بالحياة، رموش عينيها الهدباء، شفتاها المصبوغتان بأحمر شفاه قريب من لون طلاء الأظافر. الهالة التي تحيط بها والتي تجعل الاقتراب منها معديا بحب الحياة. كيف لمثل هذه الفتاة التي تبدو أنها لا تعيش مآسي من أي نوع ان تفكر في الانتحار؟
-         أنا بصراحة اكتشفت النهارده إني مش هاقدر ارسمك.
-         ليه بقى..احنا مش اتفقنا؟
-         اتفقنا. بس بجد مش قادر..فكرة التناقض بين إحساسي بأد إيه انتي شخصية حيوية وبانك مقررة الموت بعد 12 يوم مش مخللياني اقدر ارسمك.
-         ارجوك افهمني..الموضوع ده مافيش فيه اي حاجة مأساوية..بالعكس..اولا انت ماتعرفنيش علشان تزعل عليا لو مت. ثانيا. انا سعيدة جدا بأني أخدت القرار.. لأن أنا عملت كل حاجة كان نفسي اعملها..اكتشفت بس إن الحاجة الوحيدة اللي كان نفسي اعملها هيا اني اترسم عريانة..يعني إنت هتحقق لي الأمنية اللي هتخلليني احس فعلا بالسعادة الكاملة قبل ما اموت.
أحضرت نادلة نحيفة ورشيقة القهوة ووضعتها امامنا فصمتنا، حتى غادرت، وقلت لها:
-         طيب ايه اللي مكن يخلليكي تراجعي نفسك وتفكري تتراجعي في موضوع الانتحار ده؟
-         شوف..حاول تفهمني كويس.. أنا الموضوع ده مفكرة فيه من زمان، وحتى مقررة الطريقة اللي هاموت بيها.. بس مش هاقول لك عليها طبعا. وعمري من يوم ما اخدت القرار ما فكرت مجرد تفكير في التراجع.. وما اعتقدش إن فيه أي حاجة ممكن تخلليني اتراجع عن القرار ده. انا فعلا غبية إني قلت لك على الموضوع ده من الأصل.
صمتنا قليلا فعادت تشعل سيجارة أخرى بعد ان أطفات سيجارتها ثم نفثت دخانها وقالت:
-         تعرف؟ وانا باكلمك دلوقت فكرت للحظة اني ممكن اراجع نفسي فعلا في موضوع الانتحار ده لو عجبتني اللوحة اللي انت هترسمها لي.
-         اشمعنى؟
-         يعني..يمكن لأن دي هتكون اول فرصة اشوف فيها نفسي بعيون حد تاني..هاشوف شكلي زي ما انت شايفني.. او شكلي اللي انا ماعرفوش..
في اليومين الأولين كنت ارسم بكل طاقتي الذهنية، وبعد ان تنتهي من الوقت المخصص لجلوسها أمامي، أعود للوحة لكي اعمل على التحديد والضوء والظل، وعلى التفاصيل التي تكون مختزنة في ذاكرتي ولا احتاج خلالها لوجودها. لكني بدأت اشعر منذ اللحظة التي تنهض فيها من على الأريكة بإحساس غريب، الخواء هو وصفه الوحيد، نعم..شيء يشبه الإحساس بالعدم.. بلا جدوى أي شيء، وأحيانا بأن الموت بالفعل هو فكرة جيدة لحل مثل هذا الخواء الروحي.

في منتصف سيجارتها الثانية بدت شاردة، تنظر من النافذة لكنها بدت غارقة في عالمها الداخلي. ثم التفتت لي وقالت:
-         عايز تعرف ليه انا عايزه أنتحر؟
-         جدا.
-         المرايا.
-         أفندم.
-         ماحدش بيبص في المرايا.
-         يعني إيه؟.
صمتت وشردت وتلفتت حولها في قلق ثم نفثت دخان سيجارتها وأطفأتها. ثم حدقت بعيني وقالت:
-         كل ما اتكلم مع حد عن المصايب اللي حوالينا..يسب ويلعن.. وينم على ميت واحد يوصفهم بأنهم فاسدين واولاد ميتين كلب، بس ماحدش حاسس أنه جزء من المشكلة.
تأملت عينيها الحزينتين، وشعرت بشيء غامض يتحرك في روحي. إحساس لا يمكن تفسيره. شجن عابر، أو حزن، كأن روحي أدركت ما تقوله، لكن عقلي لم يستوعبه تماما. أدركت في هذه اللحظة أن الروح أذكى من العقل، أو على الأقل أن العلاقة بين الإحساس والإدراك تشبه العلاقة بين الصوت والضوء، الروح مثل الضوء أسرع إدراكا.
كانت تنظر إلي كأنها لاتراني. لكن عندما برقت هذه الفكرة في ذهني وجدت حدقتي عينيها تتسعان بدرجة هينة لكن كافية لأن ألاحظها..كأنها أدركت ما يجول بخاطري. مرت بين عينينا لمحة من حوار خافت سريع من تلك الحوارات التي لا يمكن للغة أن تترجمها.
قالت: ماقابلتش حد قال لي أنه غلطان. أنه جزء من المشكلة. كل واحد فاكر أن ربنا ماخلقش حد غيره. وكل واحد فاكر أنه ملاك مابيغلطش. أمال الخراب اللي احنا فيه ده سببه إيه؟
-         يعني عايزه تموتي نفسك علشان الخراب اللي احنا فيه؟
نظرت إلي نظرة تغيرت فيها ملامحها، وبدت في عينيها لمحة استغراب كأنه تراني في هذه اللحظة لأول مرة ثم قالت:
-         إحنا ممكن نغير الموضوع على فكره.
-         طيب عايزاني أقول إيه؟
-         مافيش حاجه..مافيش مشكلة.
لمحت في عينيها لمحة من الشفقة والاستغباء. احبطني ذلك..لكني فكرت وقلت انني ساثبت لها العكس فقلت:
-         أنا كنت مشغول بأكتر من فكرة في وقت واحد..فاتشتت.. أنا آسف.
نظرت لي بدهشة، ثم ابتسمت ابتسامة خافتة سرعان ما اتسعت، وهزت يديها وهي تقبض كفيها بقوة فصلصلت أساورها بينما هتفت هي بنبرة حادة :
-         ييسسسسسس.
انطلقت عدة علامات استفهام كفقاعات لا يراها أحد اعلى رأسي، لكن يبدو أنها لمحتها وحدها فضحكت وقالت لي:
-         أخيرا فيه حد مستعد يعترف بغلطة، ويعتذر..أهو إنت أخيرا فهمتني.
ضحكت سعيدا ببراءة. أحسست أنني كطفل يتلقى تدليلا من أمه فينتشي بالاستحسان الذي يغذي أنانيته القاتلة المخفية تحت ستار الطفولة.

قالت أنها لاحظت أن كل من تتحدث معه :الأصدقاء، وهم كثر كما وصفتهم، وصديقتها الأنتيم، ولا زلت أذكر اسمها، رغم انها لم تنطق به سوى مرة واحدة عابرة مرددة إياه برقة: "طيف"، وحتى "سهام" ؛ التي كانت السبب في تعرفي إليها، والعشاق، وذكرت لي قائمة أسماء، ثم الزملاء والناس في الشارع والمذيعون في التليفزيون وغيرهم وغيرهم، كلهم جميعا يتحدثون كأنهم ملائكة. كأن كل منهم يعرف تماما مأساة المجتمع وأنه وحده الذي يسلك سلوك الأنبياء، رغم الجهل الفاضح الذي يقطر من ألسنتهم.
قالت أنها لا تستطيع أن تعيش في مجتمع يكذب على نفسه بكل هذا الإلحاح. مجتمع يجلد نفسه دون ان يحاول أن يتلقى العلاج أو يعترف بمرضه لأن كل شخص يحيل المرض واسبابه على غيره، أو يتحول إلى حالة هيستيريا تدين شكلي ليحاول حل مشكلته وإقناع نفسه أنه في معسكر المتدينين، وبهذه الاتهامات يحاول الكل أن يتطهر والنتيجة أننا نهبط إلى الحضيض.
قلت لها: كلام معقول جدا.. لكن أكيد فيه ناس زيك عندهم استعداد يعترفوا بأخطائهم ويعالجوا مشاكلهم.
قالت: مابقاش فارق معايا.. في النهاية طالما مالناش صوت انا وكل اللي بيعترفوا بأخطائهم ويقفوا قدام المرايا يوميا،، يبقى الموت أكرم لنا..على الأقل بالنسبة لي.
ابتسمت لها..فابتسمت لي ابتسامة غامضة..لمحت بها مزيجا مؤلما من الحزن والخوف.
قلت: لكن يعني القرار ده حكم بالموت على الشخص الخطأ.
قالت: إزاي؟
قلت: يعني فيه ناس كتير من اللي بتحكي عليهم هما اللي لازم يموتوا أو على الأقل يختفوا من حياتنا..مش انتِ ولا اللي زيِّك.
ابتسمت وردت علي بالإنجليزية:
-         تفتكر؟ إحنا في حالة عمى كامل..ما حدش عايز يتعب نفسه ويحاول يشوف بجد، واللي بيقودوا ويوجهوا تفكير الناس كلهم على بعض بلاوي..مرتزقة من الاعلاميين والصحفيين..كل واحد بيقدم نفسه للعالم على أنه نبي آخر وكل واحد منهم مصيبة كاملة من النرجسية والجشع والفهلوة والاستعداد الكامل لقتل زميله لو احس أنه ينافسه.

*****

كانت تتجول عارية في البيت بعد ان اعتادت ذلك، في محاولة منها لمقاومة تقلصات عضلاتها بسبب الجلوس عارية أمامي لساعات بلا حركة، تتأمل غرفة النوم، او تطالع بعض الكتب عن الفنون في مكتبتي، أو تعد القهوة في المطبخ وتجلس لقراءة كتاب يعجبها حتى أطلب منها العودة مرة أخرى.
لكن ما كان يحيرني فيها هو نظرة عينيها التي كانت تسددها إلي حين أقوم برسمها، فقد كنت أبدو آنذاك أنني أنا العاري، رغم أنني لم استطع أن أقف أمامها عاريا إلا حين سمحت لي بذلك واقتربت مني في الليلة الأخيرة . استجبت لها لأنني كنت أعرف أنني قد أتحرر من إحساسي بأنها تبدو دوما كأنها تعرف عني ما لا أعرفه عن نفسي.

تأملت اللوحة الناقصة بأسى..كانت نورا على اللوحة ترقد عارية، الجسد لا تظهر تفاصيله بشكل جيد، لكنها في اللوحة تمنح جسدها لمن يرى، جسد فاتن، يبدو راقدا على أريكة مخملية حمراء، تبدو الأريكة والجسد يسطعان بالضوء الذي ينعكس عليهما من إضاءة مركزة عليهما فيما بقية الغرفة تغرق في العتمة.
كانت نورا في اللوحة تضطجع على جنبها الأيسر،بشكل يبرز نهديها الكاعبين والحسنة التي تصنع ثلالثية فنية مع الحلمتين الداكنتين، ينسدل شعرها على كتفها وذراعها وتغمض عينيها غافية على ابتسامة غامضة كأنها تحلم بما تمنت ان تراه في صحوها بلا جدوى.
***

لا أظن أنه من حقي أن أتحدث أكثر من ذلك، فلم يكن ذلك مسموحا لي. اللوحة العارية لنورا لم تكتمل، ليس لأنها ماتت قبل أن أنتهي منها، ولكن ربما لأن رغبتي في رسمها هي التي ماتت أولا.
فقبل ثلاثة أيام من انتهاء المدة المحددة للرسم كانت تتمدد في المكان الثابت حيث اعتادت أن تجلس ثابتة لكي أرسمها، عارية، جميلة، وملهمة، لكنها فجأة تمددت، نامت في مكانها. ولم أحاول أن أوقظها، لكني وجدت نفسي أتعرى تماما والقي بنفسي بجوارها .اقتربت منها حتى التصقت بها، صدري يعانق ظهرهها، وبطنى اعلى اردافها وفخذاي تعانق وركيها وفخذيها من دبر.
أظنها استيقظت لثوان أدركت خلالها وجودي الحميم ملتصقا بها، لكنها لم تجفل أو تمانع بالعكس، أحسست انها دفعت بجسدها نحوي قليلا كأنها لكنها استغرقت في النوم وانتظمت انفاسها.
وجدت في جسدها ملاذا، أردت أن يشعر كل جزء من جسدي بعريها .. وضعت يدي على خاصرتها  والصقت صدري بظهرها الناعم جميل التكوين، وجعلت من بطني وسادة لردفيها، ولم تتحرك هي. وبين آن وآخر، وجدت جسدها الطيع الجميل الناعم يرتجف ارتجافة واهنة، وأحيانا تنتفض احدى ساقيها انتفاضة مباغتة كأنها تتحرك تلك الحركات دون إرادة منها، ثم سرعان ما شعرت بتعرق جسدها بشكل بدا لي بعد لحظات مرضيا، لأني شعرت أن المساحة الملتصقة بها من جسدي صارت مبتلة تماما.
احتضنتها وكانت ترتجف ارتجافا واهنا مستمرا، مختلطا بأنات خافتة كانت تصدرها من جوفها دون أن تفتح فمها. نهضت واسرعت صوب غرفة النوم وأحضرت بطانية عدت بها لأغطيها بها.
أدركت في تلك اللحظة أنها تعاني من فكرة الموت. شعرت بالخوف من أنني اشارك هذه الفتاة في جريمة قتلها لنفسها، دون أن أعرف الدافع الحقيقي للجريمة على أي نحو. أحسست أن قرارها بالموت ليس هينا كما قد يبدو أو كما تحاول هي ان تبديه. كانت تعيش صراعا داخليا عنيفا وتكبته بقوة داخلها. لم أعرف ما ينبغي أن أفعله. هل التصق بها أكثر كي أوحي لها بفكرة الحياة، أم أبتعد عنها خوفا من أن تنقل لي هي رغبتها الملحة في الموت؟
جلست على الأرض قريبا منها، وفكرت فيما قالته عن دوافعها للانتحار، كنت أتأرجح بين التسليم الكامل بكل ما قالته، وبين التكذيب التام لكل حرف مما قالته دون أن أمتلك الوسيلة التي أهتدي بها إلى اي القناعتين ينبغي أن أطمأن.. واحسست فجأة بالبرودة تعربد في اوصالي.. ورحت أرتجف كمريض حمى غير قادر على السيطرة على جسدي نهائيا.
****


أحسست بالتشوش، وبجبيني مبتلا تماما، مسحت العرق بكفي فلاحظت برودة جبيني. نظرت للفتاة التي كانت تحدق في بشكل غريب.
قلت لها: هذا كل شيء.
-         ماذا؟
-         هذا كل ما اتذكره.
-         والفتاة؟ هل ماتت فعلا؟ هل انتحرت؟
-         أي فتاة؟
-         نورا.
-         بصراحة لا أعرف.
-         كيف لا تعرف.
-         هذه قصة قديمة وقد اصبحت مشوشة في ذهني تماما، حتى أنني في الحقيقة لا أعرف إذا ما كان ما حكيته هذا حقيقيا أم لا. فأحيانا نحن نتمنى أشياء أو نحلم بها ونتوهمها ويحدث في بعض الأحيان نوع من التوحد بين احلامنا وتفاصيل حياتنا.
صمتت الفتاة وبدت على ملامحها الحيرة. لكنها لم تنطق بشيء. وظلت تحدق عبر النافذة بشرود. وفعلت مثلها.
وجدت نفسي اردد: "ورأيت نورا في الغرف"..
مرت الجملة على ذهني غامضة، فرحت أرددها كما أردد جملا غامضة كثيرة ، تحط على عقلي مثل خفاش اعمى، وتمسك بي فأكررها مثل المجانين مرارا  بلا هدف..ورأيت نورا في الغرف..ولم تلمس يدي يدها..
تذكرت أنها بعض جمل مبتسرة في قصة لهرمان هسة أوحت لي بلوحة لنوافذ خالية لغرفة مضيئة. كانت الجملة توحي بأن عشيقا  يبحث عن امرأة ما كانت تقف في النافذة واختفت، او يبحث عن امرأة عبر نوافذ منزلها، أو وهذا المعنى المقصود أنه فقط أحبها من بعيد وفي الليلة الأخيرة التي لن يراها بعدها توقف قريبا من منزلها لكي يلمحها للمرة الأخيرة لكنه لم ير سوى نور الغرف الخاوية.
جاءني صوت الفتاة لينتزعني من هواجسي..قالت:
-         هل تقصد انك رسمت ما تمنيت حدوثه ؟ هل رسمت امرأة حلمك؟
نظرت إليها شاردا وفكرت في كلماتها قليلا ثم قلت:
-         لوحة تنبؤية؟ هل هذا ما تقصدين؟
التفتت الفتاة حولها وبحركة خاطفة فتحت زرارين من قميصها،  لتكشف عن نهديها المتحررين، مقربة صدرها مني بشكل لافت، لكي أرى العلامات..
-         أنظر جيدا..الا تذكرك هذه العلامات بأي شيء؟.. هكذا قالت متهدجة الأنفاس.
نظرت الى النهدين الكاعبين، ثم لاحظت الحسنة البارزة بين الحلمتين الداكنتين المتصلبتين.
كان حلقي جافا..  لكن يداي لا تقويان على الوصول إلى كوب الماء البارد الموضوع على المائدة أمامي تماما في منتصف المسافة بيني وبين نهدي هذه الفتاة.



2 comments:

Mohammad Othman said...

أمتعني بحق النص كاملا. الموديل عار تماما، فقد كشف عن مكمن الشخصية الباحثة عن الخطأ الذى يرتكبه الكثيرون فى حق الذات والآخرين. تميزت فى السرد وتقنيات الحكي التى تألقت وتباينت بين مواقف الايروتيكية والمواجهة الصريحة مع الذات البشرية ..ابراهيم فرغلي أظنك محفوظ الجيل. أراني أقرأ قصصك بتمعن وتدبر، ربما لم أجد هذا الاسلوب والعرض الممتعين عند آخرين إنما التميز مطلوب.

ســـآرونةة said...

انت حاجةة مو طبيعيه ابداااااااااااع
متميز
ملهم
مشوق
رااااائع