مع ياسر عبد الحافظ
محفوظ
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=85354
الراوي» قناع الكاتب.. عينٌ على الذات وأخرى على التاريخ
إبراهيم فرغلي: أتوسل أجواء المتاهة والتلغيز
محفوظ
الروائي والقاص إبراهيم فرغلي كتب في الرواية «كهف الفراشات» و«ابتسامات القديسين» و«جنية في قارورة» كما صدرت له مجموعة قصصية «باتجاه المآقي». يقول إبراهيم: لاشك أن موقع الراوي قد تغير، في النص السردي العربي المعاصر منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، تقريبا، على يد الجيل الذي عرف بجيل الستينيات من الكتاب العرب، واختفى الراوي العليم العارف بكل شيء، لحساب الراوي الذاتي الذي لا يدعي معرفة ما يبتعد عن نطاق حواسه، ومعارفه الذاتية، ومشاهداته. بل إن نجيب محفوظ نفسه، الذي واكب تطورات المنجز السردي، وتجاوزه في كثير من أعماله خاصة تلك التي كتبها خلال ثمانينيات القرن الماضي، وما تلاها، قد استخدم الراوي بضمير المتكلم، وبلغ ذروة التجديد في هذا المنجز في أصداء السيرة الذاتية.ولعل الظروف التي مرت بها المجتمعات العربية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة كان لها دور كبير في هذا التحول في موقف الراوي، بعد انهيار المشروعات القومية، وهزائم الجيوش العربية أمام التخطيط الصهيوني المنظم المدعوم من القوى الغربية كافة. وما تسبب فيه ذلك من تغيرات في القيم، وشيوع الفساد، الذي جعل الأمور كافة خاضعة للشك، أكثر بكثير من فكرة اليقين، خاصة ان المجتمعات العربية، أو أغلبها، شاعت فيها ظواهر شتى تتكئ على الازدواجية الأخلاقية التي جعلت الكثيرين يمارسون في الخفاء، ما يشجبونه علنا، وبالتالي اصبح كل خبر، أو مقولة، وكل حدث، موضع شك وريبة، سواء على مستوى السلطة أو المستوى الإعلامي والجماهيري. جيل التسعينيات الذي انتمي إليه لم يكتف بالراوي الذاتي، والمونولوج الداخلي لراو يستخدم ضمير المتكلم، إنما ضيق نظرته وركزها على الباطني أو دواخل ذاته، وحواسه، وهواجسه الفردية على السواء، واستبعد كل ما يتجاوز هذه الذات أو الحواس، كأنه يقدم رفضا فنيا لمشروعات الأجيال السابقة التي توسلت الشكل، بينما لم تتخلص، في المضمون، من ميراث المعرفة المطلقة، وتضمين نصوصها ظلالا من إيديولوجياتها التي لم يستطع الكثيرون منهم الاعتراف بفشلها، أو على الأقل تجاوز الواقع لها.إلا أنه، ومع تطور مشروع جيل التسعينيات، فإنه سرعان ما شهد حيلا سردية حاولت تجاوز الإطار الضيق للذاتية، بعد عقد من الإفراط المبالغ فيه، وعادت بالتالي ظلال الراوي العليم في هيئة عودة شخص ميت، كما فعلتُ شخصيا في «ابتسامات القديسين»، او باستخدام صوتين مختلفين في موقع حدث واحد كما فعلت في «أشباح الحواس»، أو باستخدام صوت القرين كما فعلت منصورة عز الدين في «متاهة مريم». ومع ذلك فإن هذه الحيل ابتكرت أصواتا سردية لراو لا يدعي معرفة مطلقة كما هو شأن الراوي الكلاسيكي، وإنما بالعكس، فقد أكدت شكوكها، وأسئلتها الوجودية عن موقع الإنسان المعاصر من موقع اللايقين عبر توسل أجواء المتاهة، والتلغيز. وهو ما يعكس وعيا بتحول موقع الراوي من جهة، والبحث في الوقت عينه على أسئلة جمالية حديثة تليق بتطور المنجز السردي كما يراه كتاب هذا الجيل الجديد
في حلقة تالية كتب صديقي ياسر عبد الحافظ عن الموضوع نفسه فماذا قال
الروائي المصري ياسر عبدالحافظ (أصدر رواية «بمناسبة الحياة») يتحدث عن راوآخر يقف في منتصف المسافة بين الحلم والوقع ويمثل اختيارا متقاطعا مع سيرة الكاتب.. يقول: لست ممن يتميزون بقدرتهم على إعادة حكي المواقف الإنسانية، أتحدث عن الواقع هنا وليس الكتابة، صوت ما داخلي يقحم نفسه على عملية الحكي دوماً متسائلا عن أمر ما في تفاصيلها: هل هذا منطقي؟ هل هو طريف؟ هل تعتقد أنك مسل؟ كم من المرات حكى آخرون مثل هذا الموقف؟ أليس من الأفضل أن نصمت؟ما وظيفة الرواي؟ لدي إجابة، ولدى الراوي نفسه إجابة، فالحقيقة أنك إن امتهنت الكتابة الروائية فهذا معناه بداية أن تخلي مساحة ما لهذا الراوي... «دعه يلعب...دعه يمر»، هذا التسليم بتلك المساحة تفرض سؤالاً آخر ربما كان المفترض أن يسبق سؤال الوظيفة: من الراوي؟ دعنا نسلم أولاً أنه ليس تلك الشخصية الواقعية التي تمشي بين الناس في الأسواق، هو ليس الإلهام، وليس الروح، ولا الأحلام، ربما يكون مزيجاً من كل ذلك، لكن اللحظة التي تم تخليقه فيها والاعتراف بحقه في الوجود هي ما يمكن التعويل عليه كثيراً في تحديد شخصيته وطرائقه، بالطبع فإن طريقة حياة وتفكير كل كاتب تسهم في تشكيل هذا الكائن المفترض، والأمر أشبه بطريقة تربيتنا لأولادنا... هل نريد لهم أن يكونوا أحراراً، أم مجرد رقم يضاف إلى تلك القطعان الهائمة. عنايتك براويك، أو صوتك الداخلي يفرض فيما بعد شكل النص ودلالته، تلك العناية واحدة من المفردات السابقة بالضرورة على الكتابة، وهي تحدد فيما بعد كيفية سرد الأحداث والتعليق عليها، و هي ما يحدد أيضا وبشكل كبير ما إذا كنت ستحكي على طريقة: كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، أو ستجد طريقة أكثر حداثة. لكل زمن راويه، وهو عادة لديه من الحساسية ما يمكنه به أن يلتقط مفردات المناخ العام، وهذا يعني في الدرجة الأولى التطور النفسي للمتلقي المصاحب لتعقد وتشابك كل ما في العالم إلى هذه الدرجة الحالية. من المؤكد أن كثيرين لازالوا يحبون الراوي التقليدي... ذلك الذي يبدأ الحكاية وينهيها من دون إقلاق خطوات السرد. الراوي الهادئ، الذي يعمل وفق خطة محكمة وهدف يسعى إلى الوصل إليه، الراوي الواثق المؤمن بما يقول والذي نجد أبلغ مثال عليه في الستينيات، وأعظم ما لديه تلك الثقة المفرطة التي بموجبها يتوجه إليك قائلا: هذا ما تبحث عنه فاذهب مطمئنا. أنتمي لجيل التسعينيات المصري والذي أظن أن أهم ما قام به في مجال الفن الروائي تحديداً، وإن كان ينتظر مزيدا من العمل، إيجاد راو مختلف يناسب حالة الانهيار الشاملة التي يعيشها عالمنا العربي، راو يقف ويحيا في منتصف المسافة بين الحلم والواقع، ذلك التمازج الذي كان قد بشر به أندريه بريتون في بيانه حول السوريالية. هذا الراوي لا يمكنه أن يبتعد عن الواقع بل نجده يراقبه ويرصده لدرجة تبدو تافهة ومملة أحيانا، وفي الوقت نفسه يعادل هذا الواقع بالأحلام والأساطير والتخيلات الذاتية محاولا إيجاد ممر للهروب، وكأن الرواية هنا قد تحولت إلى محاولة للخلاص... خلاص فني وواقعي في الوقت ذاته
..
نشر هذا الرأي في إطار تحقيق موسع عن الموضوع كتبه الشاعر المصري والصحافي مهاب نصرونشر في صحيفة النهار الكويتية في 29 يوليو 2008
لقراءة الموضوع كاملا ويتضمن آراء أخرى للكاتبة ميس العثمان والكاتب فهد الهندال يمكن مشاهدة الرابط التالي.
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=85354
No comments:
Post a Comment