ما مستقبل الحرية في مصر ؟
منع فيلم نوح وتأييد المحكمة لسجن كرم صابر.. هل هذه دولة الحرية التي
تعدون؟
إبراهيم فرغلي
مرة أخرى، تختبر
حرية التعبير في مصر اختبارا صعبا، بعد أن أيدت إحدى المحاكم المصرية الحكم بسجن
الكاتب المصري كرم صابر خمس سنوات وكفالة ألف جنيه، بتهمة ازدراء الأديان، بسبب
مجموعة قصصية نشرت للكاتب في العام 2010 تحت عنوان "أين الله"، والتي
سبق أن تناولنا تفاصيلها الفنية.
وعقب يومين على
تأييد الحكم أعربت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» و«الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»،
عن إدانتهما حكم محكمة جنح (ببا - بني سويف)، بتأييد حبس الكاتب والحقوقي كرم صابر،
ودفعه كفالة ألف جنيه؛ في اتهامه بازدراء الأديان بسبب قيامه بتأليف ونشر مجموعته القصصية
«أين الله».
تعود وقائع القضية إلى
12 إبريل 2011، عندما قام عدد من المواطنين بمحافظة بني سويف بتقديم بلاغ إلى المحامي
العام لنيابات بني سويف، يتهمون فيه كرم صابر، بإصدار مجموعة قصصية تحمل اسم «أين الله»،
"تدعو إلى الإلحاد وسب الذات الإلهية وتحض على الفتن وإهدار الدماء"، بحسب
البيان.
كما أشارتا إلى أن
"الحكم الصادر ضد الكاتب يتنافى مع ما هو منصوص عليه في الدستور القائم الذي حظرت
المادة (67) منه توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج
الفني أو الأدبي أو الفكري، التي لا تدخل في نطاق الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف
أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد".
حين توجهت بالسؤال
لكرم صابر عن الموقف المتوقع في 9 نيسان المقبل، وهو الموعد المقرر للنطق بالحكم
النهائي أكد لي أن الموقف لا يمكن التنبؤ به، موضحا أن المحامين قاموا بعمل المستحيل
امام المحكمة، وقدموا أدلة براءة من الناحية الأدبية والدينية والقانونية، ومع ذلك
أيدت المحكمة الحكم. ومن جهتنا سوف نستأنف الحكم لمرة أخيرة، ونقدم دفوعنا ونتمنى ان
نحصل على البراءة. لكن من الممكن والمتوقع أن يكون الحكم نهائيا فى الجلسة القادمة.
وإذا حدث ذلك فلن اخرج من القفص ولا مفر من الحبس .
وحول دور المثقفين المصريين
أكد كرم أن بإمكانهم ان يتوجهوا الى الحاكم الذى يدير مصر الآن ويلزموه بتطبيق نصوص
الدستور والقانون، فاذا كانت المؤسسات ترفض
الالتزام بنصوص الدستور الذى اقره الشعب ومؤسسات الدولة ذاتها فماذا يبقى للمواطنين
فى كيفية معاملتهم وتنظيم حياتهم هل يريدون ان يقدموا نموذج الفوضى ليسود الخراب فى
المجتمع؟
من جهة أخرى قام عدد
من المثقفين المصريين بترتيب ندوة عاجلة تقام يوم الخميس المقبل في مقر دار العين للنشر
بالقاهرة من أجل إصدار بيان تضامن ورفض لقرارات المحكمة المخالفة للدستور، وبحث سبل
التضامن مع كرم صابر والتأكيد على أن قضية حرية التعبير ينبغي أن تكون أحد أهم مكتسبات
ثورة 25 يناير، خصوصا وقد شهد الأسبوع الأخير عددا من الأحداث المتلاحقة الخاصة بحرية
التعبير حيث منعت الرقابة عرض فيلم نوح في قاعات العرض، بدعوى أن تشخيص الأنبياء حرام
وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة الأزهر.
جدير بالذكر أن مجموعة
أين الله لكرم صابر تستعرض مشاعر البسطاء
من نماذج البشر الذين يعيشون في الهامش، وتحديدا في قرى الريف في مصر وتسلط الضوء
فنيا على تساؤلاتهم حول فكرة الخلق، والعدل، وتنتهي نهاية ذات منحى صوفي لافت، وإن
كان هاجسها الرئيسي فكرة العدالة الاجتماعية. وكنت قد أشرت في قرائتي لها هنا في
النهار إلى عدد من المآخذ الفنية من مثل المباشرة أحيانا، أو عدم إحكام بعض القصص،
او اتساع المساحة الزمنية لبعض القصص بما لا يتلاءم مع إيقاع السرد. ومع ذلك تظل
أسئلتها الأساسية على قدر كبير من الاهمية والجدية لأنها في جوهرها أسئلة عن
الحقوق الأساسية للبشر، وعن الظلم الاجتماعي في دولة لا تمنح العدالة الاجتماعية
لمواطنيها، وهي أيضا ف جوهرها أسئلة عن فكرة العدل والحق، ناهيك عن بعض الأسئلة
التي تجسد السؤال الوجودي عن ماهية الحياة ومآلها.
واللافت هنا أن
التصعيد المستمر من جهة المحكمة، على الرغم من تعارض الحكم مع أحكام الدستور
الجديد في مصر، ربما تعود في جانب منها إلى تخاذل المثقفين المصريين في هذه القضية
وقضايا أخرى تزامنت مع هذه الواقعة بينها منع عرض فيلم نوح في قاعات العرض
السينمائية بناء على توصية من الأزهر أشارت إلى تحريم تشخيص حياة الأنبياء، على
الرغم من أن قاعات العرض السينمائي في مصر عرضت فيلم آلام المسيح، قبل عدة سنوات.
ولعل مؤسسات
الوصاية الدينية تريد ان تحقق مكاسب خلال هذه الفترة الانتقالية التي يبدو فيها
الجمهور مستكينا ومترقبا لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية، ومدى تدخل الجيش في
الحياة المدنية للأفراد في مصر في الفترة المقبلة، خصوصا وأن هناك اعتقالات لعدد
من الناشطين بلا محاكمات، إضافة إلى بعض التقارير التي أشارت إلى شواهد تعذيب غير
ممنهجة في السجون المصرية ما يلقي الشكوك حول عودة الدولة الأمنية من الباب
الخلفي.
لكن هذه الفترة على
نحو خاص لا ينبغي للمثقفين فيها الرضوخ لأي من هذه المظاهر المقيدة لحريات
التعبير، ويجب أن تعلو اصواتهم ضد هذا الحكم الذي لم تشهده مصر ربما منذ قضية نصر
أبو زيد، وأن يتضامنوا كما فعلوا مسبقا في قضايا شبيهة بينها قضية كتاب وليمة
لأعشاب البحر وربما غيرها.
إن خروج غالبية
المصريين في 30 حزيران الماضي لتأكيد رفضهم لحكم الإخوان لم يكن فقط رفضا لفصيل
فاشل أثبت عدم معرفته بمعنى وجوهر "الدولة"، بل وأيضا وعن سبق ترصد؛ رفضا للفاشية الدينية،
بكل ما يرتبط بها من وسائل القمع السياسي والفكري والديني، وضد التمييز الديني
الذي كان سمة واضحة من سمات حكم الإخوان.
وقد يتصور البعض أن
الشعبية التي يحظى بها الفريق السيسي اليوم قد تسوغ لحاشية قريبة منه، أو لبعض
المؤسسات الرقابية ذات الطابع الديني أو سواهم، أن يلعبوا في المياه العكرة
ويمسكوا ببعض الأوراق التي قد تكسبهم بعض النفوذ مستقبلا مثل الأزهر وجهات الرقابة
والمؤسسات الدينية المختلفة، لكن على هؤلاء جميعا أن يحذروا فهذا شعب، رغم كل شئ
يحب حريته كثيرا. ووقود الثورة وروح شبابها المتقدة لم تصبح جمرا خابيا، بل هي لا
تزال تلفظ اللهيب في الأنفاس، قادرة على إشعال كل شئ مرة أخرى حين يصبح ذلك ضرورة.
وعلى المثقفين اليوم قبل غيرهم أن يقدموا مثلا للشباب ولقيمة الحرية في الدفاع عن
أهم منجزات الثورة التي حتى وإن لم تصبح واقعا بعد، لكنها مست أرواح المصريين
جميعا الذين يعرفون أنهم اليوم أحرارا. ولن يقبلوا بغير الحرية كاملة غير منقوصة،
ولمن لا يعي نحيله على ما فعله هذا الجمهور بالإخوان.
No comments:
Post a Comment