فن صناعة الكراهية
يظن البعض، وربما الكثيرون أن فن بناء الكراهية أو صناعتها، هو آفة الطائفة، أو العرق، أو الجنسية، وهذا صحيح نوعا، لكن تظل هناك أسئلة أخرى كثيرة ينبغي أن تطرح حول مسؤولية المجتمع العالمي بنخبه وجماهيره في تكريس مفاهيم الانغلاق الطائفي كدليل على جماعة حضارية بعينها.
أتأمل هذه الفكرة في ضوء قراءة لكتاب "الهوية والعنف للمفكر والفيلسوف الهندي امارتيا صن، الذي صدر عن عالم المعرفة من ترجمة سحر توفيق في يونية 2008
متوقفا عند فكرة جوهرية يدور حولها موضوع الكتاب وهو أن بناء الكراهية؛ مما نراه اليوم في الضغينة والكراهية الطائفية في مصر بين المسلمين والمسيحيين، أو في الخليج بين السنة والشيعة، أو في لبنان بين العديد من الطوائف، وغير ذلك من أمثلة هو نتاج عولبة الأفراد داخل صندوق هوية واحد فقط هو صندوق الطائفة.
..هكذا يبدو الشخص كأنه يمتلك هوية وحيدة فقط تعبر عنه
كأن المسلم لا هوية له سوى الدينالإسلامي
..هكذا يبدو الشخص كأنه يمتلك هوية وحيدة فقط تعبر عنه
كأن المسلم لا هوية له سوى الدينالإسلامي
بالرغم من ان المسلم المصري مثلا قد يكون محاسبا أو صحافيا أو مهندسا، وقد يكون محبا للون من الغناء والموسيقى، ولتكن الموسيقى العربية، أو موسيقى الجاز، وهذا الشخص نفسه قد يكون مفضلا لنوع معين من الوجبات، وقد يكون مناصرا لحقوق المرأة، أو لحقوق المثليين، بينما يتمتع بعلاقات طبيعية بالإناث، وقد تكون المرأة المسلمة كذلك مهندسة أو ممحامية تفضل ارتداء ملابس محتشمة، أو أخرى تبرز مفاتنها أو محجبة، وقد تكون محبة لفيلم معين، ولممثل أو ممثلة، وقد تكون محبة للرقص الشرقي في نموذج سهير زكي ،أو نموذج فيفي عبده، أو تفضل الموسيقى الكلاسيك أو الموسيقى الصوفية، وقد تحب من الرجال الخشن قوي الشخصية، أو الناعم المدلل، وسوى ذلك
إن كل شخص لديه عدد غير محدود من التفضيلات التي تعكس ذوقه وهويته، وهذا التنوع هو الذي يشكل الهوية الحقيقية للشخص، ويكشف أن الآخر أيضا لا بد ان تكون له العديد من الاختلافات في الذوق والقناعات .
على هامش التأمل للفكرة أتصور أن الطابع المحلي للشخصية المصرية، وانغلاقها المفرط على نفسها قد يكون أحد مفسرات تقوقعها على هوية وحيدة هي هوية الدين واحد من الأسباب المؤثرة في التدين الشكلي المرعب الذي تعيشه هذه الشخصية الآن
وأظن أن هذا الانغلاق ذاته، على مستوى آخر قد يبدو بعيدا للوهلة الأولى، هو أحد مسببات التحيز للكتابة بالعامية أيضا لدى جيل من الكتاب والمدونين، وكذلك
في تناول النخب للمجتمع المصري ايضا يبدو أن هناك نوع من التنميط باعتبار المجتمع المصري شيئا واحدا مع أنه ليس كذلك، فهناك تنوع في الذوق والقناعات كبير جدا لا يتم الالتفات إليه
وهو ما يخلق حالة من تفضيل النمط، وتكرار أي تجربة تبدو ناجحة
دون محاولة للابتكار
يقول صن "إن ما يمكن رؤيته كمشكلة أكبر وأكثر عمومية هو العواقب التي يمكن أن تكون مريعة لتصنيف الناس بناء على انتماءات منفردة تنسج حصريا حول الهويات الدينية. وهذا خطير خصوصا في فهم طبيعة وديناميات الإرهاب والعنف الكوكبي ي العالم المعاصر. فالتقسيم الديني للعالم ينتج فهما شديد التضليل للشعوب عبر العالم، وللعلاقات متعددة الأشكال والتنوع بينهم، كما أنه يؤدي إلى تضخيم فارق واحد بعينه بين شخص وآخر بدرجة تصد وتعزل كل الاهتمامات المهمة الأخرى".
وللحديث بقية.
No comments:
Post a Comment