رجال الدين يصطادون المبدعين
17/02/2009
عشرون عاما علي فتوي الخوميني بإهدار دم سلمان رشدي مر الأسبوع الماضي عشرون عاما علي الفتوي التي أصدرها المرشد الأعلي للثورة الاسلامية بإيران الامام الخوميني ضد رواية (آيات شيطانية) للكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي عام 1989 بتهمة الكفر والاساءة للرسول. والواقع أن فتوي الخوميني ضد سلمان قد وضعت مفاهيم وقيم جديدة علي خارطة الأدب العالمي، وفتح ذلك الباب أمام عدد من القضايا، مثل لجوء أدباء الشرق إلي الغرب هربا من جحيم الاسلام السياسي، وبالمقابل بدأ احتفاء الغرب بهؤلاء الأدباء، وكذلك دور رجال الدين في الأدب والرواية، الأمر الذي وضع بندا جديدا علي جدول أعمال علاقة الشرق بالغرب وهي علاقة لم تكن خالية من الأزمات في أي وقت من الأوقات. البديل تقرأ الفتوي التي خلقت ذهنية التحريم التي قادت مجتمعاتنا إلي مواجهة مفتوحة بين الأدب والدين.
كتبت: علا الساكت
لم تقتصر آثار فتوي الخوميني في 1989 ضد سلمان رشدي علي العالم الغربي ونزاعه السياسي مع إيران، لكن البعض يري أننا جنينا عدة أزمات من بعدها وخسائر تكبدها المبدعون في مواجهة ملاحقة الفتوي لأعمالهم الإبداعية، فحوادث مثل مصادرة رواية الكاتب السوري حيدر حيدر «وليمة لأعشاب البحر» ورواية الكاتبة نوال السعدوي «الإله يقدم استقالة» وغيرها من الأزمات التي مر بها العالم العربي لا يمكن إلا أن تعكس سيطرة الفتوي، كوسيلة لحسم النزاعات الفكرية، وكيف أفرزت هذه الفتوي تحديدا نموذج الدعاة الدينيين الذين يمارسون سلطة رقابية علي الأدب، وهو ما طرحته «البديل» علي مجموعة من المثقفين المصريين.يري الروائي إبراهيم أصلان أن انقضاء فترة طويلة علي الفتوي يسمح لنا أن ننظر إلي نتائجها بشكل معقول، فرغم شهرتها وجبروتها وفي نفس الوقت ندرة حدوث شيء مشابه، لم ينتج عنها في النهاية إلا انتشار الرواية بشدة بالإضافة إلي أنها كلفت الحكومات التي قررت حماية رشدي مبالغ طائلة من أجل تأمينه. الفتوي في رأي أصلان لعبت دورا أساسيا في تغذية ظاهرة الدعاة الجدد بحيث أصبحوا يتطوعون بفتوي في أمور لم يسألهم عنها أحد، ويقول: «أصبحت وسيلة من وسائل العيش كما رأينا في أحكام التعويضات التي جرت في الفترة الأخيرة».علي الجانب الآخر، يؤكد أصلان أن توالي الفتاوي تسبب في ردع أجهزة النشر الحكومية، لكن الهامش يظل واسعا أمام دور النشر الخاصة -حسب أصلان-، ويوضح: «الناشر الرسمي في نهاية الأمر ينشر بأموال الناس، ولا يمكنه أن يعطي لنفسه هذا الحق في الصدام معهم، وعلي الجانب الآخر فإن الشارع تتصادم فيه قوي دينية مع قوي أخري، وتتربص بهذا الناشر الحكومي، وقد وصل الأمر إلي الحد الذي يدفع هذا الناشر الحكومي في بعض الأحيان إلي المزايدة علي تلك القوي الدينية».لكن د.سامية محرز أستاذة الأدب بالجامعة الأمريكية فتؤكد أنه لا يمكن تعليق التطرف الفكري الذي آلت له الأمور في بلادنا علي فتوي الخوميني فقبل أن تصدر هذه الفتوي استهدف نجيب محفوظ وفي أحد تصريحاته قال عمر عبد الرحمن مطلق فتوي إهدار دم محفوظ: «لو كنا قتلناه لما عشنا لنراه يتسلم نوبل». وتابعت «تدخل رجال الدين في الرقابة علي النص الأدبي والكتب بدأ منذ أيام علي عبدالرزاق وطه حسين ولا يمكننا تعليق مصائبنا علي شماعات أخري». وبعكس كل ما يتردد من أن ملاحقة رجال الدين صارت رادعا للكتاب والأدباء تري د.محرز أن الأدب العربي المكتوب خلال العقدين الماضيين يؤكد أنه لا أحد يخاف، وتقول :«زادت الأعمال الأدبية حدة وإفصاحا علي المستوي الديني والسياسي والجنسي».ويشير أصلان في هذا المجال إلي أن الفتوي لا يمكن أن تردع مبدعا ويقول:«المبدع صاحب الضمير الفني الجيد، لا يمكن أن يكتب شيئا ضد الإنسان ففي نهاية الأمر هذا هو هدفه، وهو ما تختلف معه د. محرز وتنفيه نهائيا قائلة: «لا يمكن أن يقوم مبدع بعمل مشين كهذا، فنحن في وسط مليء بالشائعات، ولكن بعض الأعمال التي تمنع أو يثور حولها جدل تلقي رواجا نظرا لأن الممنوع مرغوب، فحين يحرم عمل يقرأه البعض من باب العلم بالشيء، والبعض يثور دون أن يراه حتي وهؤلاء هم الغالبية».الكاتبة الصحفية والناقدة فريدة النقاش أكدت أن «الفتوي تسيء للإسلام أكثر من كتاب رشدي نفسه»، ودعت إلي محاولة الوصول لفهم أعمق للإسلام قائلة: «حان الوقت أن نعيد قراءة النص الديني بشكل أكثر استنارة وعصرية».تري النقاش أن كتاب رشدي يمكن الرد عليه في كتاب أو حتي مقاطعته أو رفضه وتقول:» وصلنا إلي الدرك الأسفل في مجال حرية الفكر والتعبير وعلينا أن نقاوم».ويتعجب الناشط الحقوقي محمود قنديل أن الكثير من الأعمال يكفر دون أن يقرأ، فيصدر البعض فتوي عن جهل بالأعمال الأدبية، ويقول: «المجتمع المصري تخلي عن رشده الثقافي نتيجةلجملة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأصبح الدعاة الجدد يضعون أنوفهم في كل شيء».ويري قنديل أن الهدف الأساسي من هذه الفتاوي أن يضع رجل الدين نفسه علي الأجندة الإعلامية، ويقول: «لولا اهتمام الإعلام بهم لما أصبح لهم هذا التأثير»، ومن جهة أخري يؤكد قنديل أن السلطة السياسية المسيطرة عادة ما تستخدم هذا السلاح في إلهاء العامة عن إخفاقاتها السياسية
عن صحيفة "البديل" في 17 فبراير 2009 <
No comments:
Post a Comment