Sunday, July 7, 2013

تمرد .. درسان في الخيال وشرعية الإرادة الشعبية

"تمرد": درسان في الخيال وشرعية الإرادة الشعبية


إبراهيم فرغلي



بالرغم من الإحساس الشديد بالغبن، بسبب ممارسات الإخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة، وإعلانهم خطتهم لإقصاء كل التيارات السياسية الأخرى، وبينها قوى الشباب الذين قاموا أصلا بالثورة، والذين منحوا للإخوان فرصة لم ترد على خيالهم للوصول بالسلطة، وهو الشعور الذي شاركني فيه، بالتأكيد، كل الثوار والجمهور المصري الذي رأى في الثورة المصرية في 25 يناير حلما بأمل جديد لمستقبل مختلف؛ تصبح فيه مصر دولة المساواة والعدل والقانون، وتعايش كل الطوائف والقوى السياسية.
 أقول رغم ذلك لم يساورني اليأس إطلاقا، وبالرغم من أنني كنت أشعر أن المثقفين بشكل عام والنخبة وكثير من رموز الثورة الشباب قد ضلوا الطريق للحفاظ على الثورة والمضي بها في طريقها، بسبب قلة الخبرة، والتشرذم، وعدم وضوح خطة العمل الثورية أو وجود قيادة للشارع الثوري، وأسباب أخرى. لكن حدسا داخليا لم يبارحني أن هذا الجيل الذي خرج إلى الشوارع في 25 يناير عاري الصدر أمام جحافل الشرطة ضد نظام مبارك وحتى إسقاطه لا يمكن أن يستسلم، أو أن يهدر دم الشهداء الذين سقطوا من أجل مستقبلنا جميعا بلا خوف على حياتهم  أو تردد أمام أي قوة سياسية أو تنفيذية بدءا بالداخلية ثم العسكر في مرحلة ما بعد الثورة وحتى أجبروا العسكر على التخلي عن السلطة للمدنيين، ممثلا في رئيس ممثل للإخوان وعد أن يحقق مطالب الثوار وأن يكون رئيسا لكل المصريين ثم سرعان ما انقلب على وعوده فاتحا الباب لقيادات الإخوان أن يتصدروا المشهد  ويظهروا جانبا متحيزا لفكر واحد ووحيد، والذين باعوا الثورة مبكرا، مع الأسف، واوهموا أنصارهم وأتباعهم أن الهدف من الثورة هو إعلان الشريعة الإسلامية منهجا للحكم.

قليل من الخيال 

كان الأمر يحتاج إلى قليل من الخيال الذي لم يمتلكه في الحقيقة لا المثقفين ولا النخبة، بل جاء على يد مجموعة من الشباب الذين أطلقوا حملة باسم "تمرد" أعلنوا أن هدفها سحب الثقة من الرئيس المصري والدعوة لانتخابات مبكرة. ونجحوا في جمع 200 ألف توقيع في الأسبوع الأول لحملتهم سرعان ما تضاعف إلى أكثر من مليوني توقيع في الأسبوع الثاني.
هذه الحركة منحت للقوة الثورية حلا سحريا وفتحت الباب للخروج من المأزق الثوري الذي كان يريد في نهاية الأمر الالتزام بثوابته من حيث كون الثورة سلمية أولا وأخيرا، وأن المسيرة الديمقراطية هي هدفه الأول والرئيس لتحقيق كل مبادئ وشعارات هذه الثورة.
فقد كان هدف الحملة ليس فقط إسقاط المشروع الفاشي الديني ممثلا في رمزه، الرئيس الأسبق مرسي، الذى احتمى بما أسماه شرعية الصندوق، كأن الديمقراطية مجرد عملية اقتراع وتجييش لأصوات الأغلبية، على طريقة التصويت الجارية الآن في تلفزيونات الواقع، والمستلهمة من النظام الأمريكي، وبها يمكن تمرير كل الأفكار والقوانين الفاشية والانقلاب على القضاء وتكميم الإعلام بالسيطرة عليه عن طريق رموز من شخصيات لا تملك أي كفاءة سوى انحيازها التام لتنظيم الإخوان المسلمين.

أرادت حركة تمرد أن تقول أن الديمقراطية ليست مجرد الوصول للسلطة بالاقتراع ثم الانقلاب عليها، كما أن الديمقراطية ليست وضع دستور غير متوافق عليه لا يراعي حقوق الأقليات في بلد متعدد الإثنيات والطوائف، عانت فيه ولا تزال الأقليات من التمييز اللاإنساني والذي يهدر حقوق مواطنة فصائل عديدة في المجتمع.

وسرعان ما أكتسبت الحركة جماهيرية كبيرة، وساعد في ازدياد شعبيتها أزمة المثقفين مع وزير الثقافة علاء عبد العزيز الذي أعلن عن معاداته للثقافة والمثقفين بسرعة كبيرة، كما أظهر موقف الإخوان الرجعي من الفن والثقافة عبر إقالته رموز العمل الثقافي والفنون وإيقاف بعض أنشطة الأوبر مثل رقص الباليه مما أشعر المثقفين أن حرية الإبداع والفنون تواجه خطرا كبيرا أدى الى اعتصام المثقفين في وزارة الثقافة وإعلانهم أنهم مستمرين حتى إقالة الوزير.
ولم تتوقف حركة تمرد على نجاحها منقطع النظير في الحصول على تواقيع عدد يزيد عن عدد من صوتوا للرئيس المصري المعزول الآن محمد مرسي، والذين بلغ عددهم 22 مليون شخص مصحوبة بصورة لبطاقة الهوية لكل شخص من الموقعين، بل أعلنت أن يوم 30 يونية سيكون يوما للتمرد في الشوارع والميادين واستطاعوا من حشد  ملايين من المواطنين من جماهير المصريين في القاهرة والمحافظات، الرافض لوجود مرسي في الحكم، مما أكسب الحركة شرعية الشارع، والتي سرعان ما تلقاها الجيش وقرر أن يحميها بالتضامن التام مع كافة القوى المدنية في الدولة، وانتهت بعزل الرئيس السابق، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة لا تتجاوز ستة أشهر يتم خلالها عمل كل ما كان لا بد من عمله منذ بداية الثورة، من خلال حكومة إنقاذ وطنية تقوم بتعيين لجنة دستور توافقي ثم عمل انتخابات تشريعية ورئاسية.

إن درس تمرد هو درس الخيال، وتأكيد أن الشرعية ستظل للشارع الثوري حتى تتحقق كافة المطالب، وأن اي رئيس قادم يتصور أنه يمكن أن يلتف على مطالب الشعر، بما فيها العسكر أنفسهم سيتم عزله.
والأهم من هذا كله الدرس الذي قدمته "تمرد" للولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، وللغرب عموما، والذي يقول أن النموذج الشكلي للديمقراطية دون وجود مؤسسات ديمقراطية حقيقية، لا يمكن أن ينجح لمجرد أنه يحقق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تعتمد على إضعاف المنطقة بحكومات إشكالية وإقصائية يمكنها أن تتورط بسهولة في تقسيم البلاد التي تحكمها بحكم منهجها الطائفي وذهنيتها الإقصائية.



No comments: