Tuesday, January 17, 2012

ما هي حقيقة هجرة الاقباط المصريين عقب الثورة المصرية؟



ما هي حقيقة هجرة الاقباط المصريين عقب الثورة المصرية؟

(ترجمة المقال المنشور في صحيفة NZZ السويسرية في 9 يناير 2012)  


إبراهيم فرغلي


عقب معرفتي بما نشره عدد من مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية عن تزايد معدلات هجرة المصريين الأقباط بعد الثورة المصرية وخصوصا عقب النتائج المبدئية للانتخابات البرلمانية في مصر، أسرعت بالاتصال بأصدقائي الأقباط، ووجدتهم جميعا  في القاهرة، يعيشون حياة طبيعية باستثناء بعض المخاوف التي نشعر بها جميعا في ظل غموض هذه المرحلة الضبابية من حكم العسكر، وتخبطهم الواضح، وازدياد حالة الاستقطاب السياسي في مصر بين أنصار استمرار الثورة وبين دعاة ما يطلقون عليه "الاستقرار".
والحقيقة أن هذا الخبر لم يجد لديّ اية مصداقية لأسباب عديدة بينها شواهد بديهية أعرفها بنفسي، وبينها حقائق تأكدت منها قبل كتابة هذا الموضوع.
بداية يمكن القول أن هناك إحساس عام تبناه شباب الثورة ويشعر به أغلب المصريين الآن وهو أنهم يستردون وطنا سلب منهم لعقود، مسلمون وأقباط. كما أنني شهدت في الكويت المرحلتين الأولى والثانية للانتخابات البرلمانية، وقد لعبت فيها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في الكويت دورا كبيرا في توفير المساعدة للمصريين أقباطا ومسلمين، في الحصول على استمارات الانتخاب وطباعتها وتصوير البيانات وتوفير المظاريف قبل التوجه بها للسفارة المصرية في الكويت، وهو ما أظهر اهتمام الأقباط بالعملية الانتخابية وتأكيد دورهم مع جميع المصريين في المشاركة في تحديد مستقبلهم، وانعكس ايضا على نسب مشاركة الاقباط في الانتخابات.
كما أن هذه المعلومة في الحقيقة تتنافى مع التاريخ الوطني لأقباط مصر الذين تثبت الإحصاءات بين عامي 1972 وحتى 2011 أن أعداد المهاجرين منهم لم تزد عن نسب المهاجرين المسلمين، وكانت اسباب الهجرة في الغالب أسباب اقتصادية، حتى في أكثر الأوقات التي تعرضوا فيها للاضطهاد، بل على العكس، يشعر الأقباط دائما بأن دورهم الوطني أهم كثيرا من دورهم الطائفي وهو ما أثبتوه في كل المحن إضافة إلى دورهم الآن في الثورة المصرية التي استشهد فيها الجميع مسلمين وأقباط من أجل الدفاع عن الحرية واستعادة دولة المؤسسات والقانون.
أما أحدث إحصاءات وزارة الخارجية المصرية للمهاجرين الأقباط من مصر والتي نشرتها إحدى الصحف المصرية مؤخرا فتشير الى هجرة 45 ألف مواطن مصري قبطي خلال السنوات العشر الماضية دون إغفال أن بين أسباب هجرة بعض هؤلاء الاقباط هو الإحساس بالاضطهاد الديني.
من جهة أخرى فإن الكاتب الصحفي المصري سليمان شفيق، وهو صحفي علماني يساري،  قام بإعداد إحصائية عن أعداد المصريين بغض النظر عن ديانتهم، الذين هاجروا إلى الخارج خلال عام 2011 طبقا لمصادر دبلوماسية. وقال شفيق لـ صحيفة«التحرير» التي تصدر في القاهرة، إن ما تناقله بعض المواقع القبطية، عن أن فى عدد المهاجرين الأقباط تزايدا، خصوصا بعد ثورة 25 يناير، هو كلام أسطورى، كما أن ما نُشر عن مقاطعة الأقباط الانتخابات بعد مذبحة ماسبيرو، هو كلام أسطورى أيضا، والدليل هذا الكم من الأقباط الذين شاركوا فى المرحلة الأولى من الانتخابات.
شفيق لفت إلى أن أرقام وإحصائيات الهجرة فى عامى 2010 و2011 وفق إحصائيات مصادر دبلوماسية مطلعة فى سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، تقول إن 6411 مصريا هاجروا إلى تلك الدول عام 2010، مضيفا أنه فى عام 2011 لم يحصل على حق الهجرة إلى تلك الدول حتى نهاية أكتوبر إلا 3804 مصريين بانخفاض بنسبة 59% عن عام 2010 وأنها أرقام تخص هجرة المصريين بغض النظر عن ديانتهم.
وبالرغم من أن هذه الأعداد والإحصاءات تسبق شهر أكتوبر 2011 الذي شهد موقعة ماسبيرو التي راح ضحيتها عدد من الشهداء الاقباط وبعض المسلمين أيضا. لكن حتى لو سلمنا جدلا بأن طلبات هجرة عديدة تقدم بها مواطنون مصريون عقب الأحداث فهي تأخذ وقتا طويلا، سنوات وليست أياما.

مع ذلك فمن البديهي تفهم دوافع من قاموا بنشر تلك الأرقام المخيفة عن هجرة الأقباط من مصر تعبيرا عن التخوف العام من الأقباط ان يحكم التيار الديني الإسلامي مصر وأن يطبق الشريعة الإسلامية.
لكن الحقيقة أن هذا التخوف لا يخص الأقباط فقط بل يخص شباب الثورة وعموم المصريين المعتدلين والعلمانيين، خصوصا وأن الشخصية المصرية بشكل عام هي شخصية ذات مزاج متوسط لا يقبل التطرف والتعصب بالرغم من الهجمة الوهابية السلفية التي أصابت عدواها الكثير من المصريين مؤخرا عبر السعودية. وبتأثير الفضائيات الدينية وما تبثه للناس على مدى العقد الماضي من خطابات دينية متشددة لم يواجهها للأسف لا مؤسسة الأزهر؛ بوصفها المؤسسة المعبرة عن الإسلام في مصر، ولا الإعلام المصري الذي اتصف بالبساطة والسذاجة في ظل توجهات وزير الإعلام الفاسد الأسبق صفوت الشريف والمسجون الآن على ذمة التحقيقات في قضايا فساد، وكطرف من أطراف إعداد خطة "موقعة الجمل" الشهيرة ، في اثناء الثورة المصرية.

والمؤشر الأهم الآن في إطار هذه التطورات أن مؤسسة الأزهر اليوم في ظل رئيسها الشيخ الدكتور أحمد الطيب تلعب دورا إصلاحيا مهما، ولا يزال امامها وقت للمزيد من الإصلاحات ومن أبرز مظاهر هذا الإصلاح أولا تاكيد شيخ الازهر على أن المؤسسة هي الممثل الرسمي للإسلام في مصر تأكيدا على عدم مشروعية الإخوان المسلمين أو السلفيين للتعبير عن الإسلام في مصر، وتاليا بإصدار شيخ الأزهر وثيقة مهمة، في شهر يونية الماضي، عرفت باسم "وثيقة الأزهر لمستقبل مصر" والتي شددت على تحديدالمباديء  الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة في المرحلة الدقيقة الراهنة، وذلك في إطار استراتيجية توافقية، ترسُم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها، وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري، بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية، ويكفل لمصر دخول عصر إنتاج المعرفة والعلم وتوفير الرخاء والسلم، مع الحفاظ على القيم الروحية والإنسانية والتراث الثقافي؛ وذلك حماية للمبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة وضمير العلماء والمفكرين من التعرض للإغفال والتشويه أو الغلوّ وسوء التفسير.

صحيح ايضا ان شباب الثورة يشعرون اليوم ان الإخوان والسلف قفزوا على ثورتهم السلمية، لكنهم لا يزدادون إلا حماسا بأن مصر تستحق حكما مدنيا عادلا ودولة مؤسسات لو تحققت فلن يهم إذا كان الإخوان أو غيرهم هم الذين سيحكمون طالما سيحكمون بالقانون ووفق دستور مدني يساوي بين كل المواطنين.

إن جوهر وروح هذه الثورة يمثله شباب الثورة الذين يمتلؤن إيمانا بأن "الثورة مستمرة" والذين رفعوا صور الشهيد القبطي مينا دانيال بابتسامته التي تغمر القلوب بالمحبة، في مواجهاتهم مع رجال الشرطة العسكرية والشرطة في موقعة شارع محمد محمود في شهر نوفمبر الماضي ليستمدوا الحماسة والقوة، وتاكيدا أنهم لن يهدءوا قبل ان يستعيدوا مصر التي يريدونها ونريدها جميعا: مصر لكل المصريين.