Wednesday, November 23, 2011

أشفق على الإخوان ..بقلم مهاب نصر

أشفق على الإخوان ..مجرد خواطر 
مهاب نصر






أشعر بشفقة حقيقية على الإخوان من الأحداث الجارية. فهم الخاسر دائما في كل اختبار حقيقي لنضال اجتماعي غير فئوي أو طائفي. فهذه 

الجماعة الريفية "أي الممثلة الحقيقية للوعي الريفي المقهور" كانت دائما الوجه الآخر للسلطة التي تواجهها. ولذلك كانت الانتهازية ليست عرضا طارئا فيها، بل جزءا أصيلا من تكوينها التفسي المريض. انعكس حتى على خطابها الأيديولوجي المائع، بعكس الحركات الجهادية وبعض التيارات السلفية الأكثر اخلاصا للفكرة التي اختارتها.
قبل الثورة كان الإخوان يكومون رصيد شعبيتهم من فكرة الاضطهاد،  وهي فكرة قد تعطي لصاحبها الحق في أن يعلن رأيه بحرية ولكنها لا تعني مطلقا صحة رأيه. على العكس بستدل الاخوان، وكثير من البسطاء معهم، على صدقية الرأي من حجم العداء الذي يواجهه أصحابه دون النظر، بل وبغض النظر عمدا، عن تعقيدات المصالح السياسية والاقتصادية، التي دفعت السلطة يوما ما الى اضطهادهم، وأحيانا الى اللعب بورقتهم، ذلك أنهم مجرد ورقة فعلا، ختى لو وصلوا الى الحكم.
وبعد الثورة اتخذوا من طرح فكرة مدنية الدولة والعلمانية فرصة لإظهار الاسلام "وليس الاخوان" في موقع المعتدى عليه، ووصل الأمر الى حد الاستنفار الدعائي في ليالي القيام على العلمانيين وهو ليس من الأدعية المأثورة. خوف الاخوان من العلمانيين أو من كل القوى التي ترى في السياسة أمرا عقليا عاما مشاعا وحقا للكل من أجل حياة الكل. هو خوف الريفي الذي تشخصنت قيمه "تجسدت في أشخاص" وتأصنمت أخلاقه "صارت أصناما" في صورة سلم هيراركي أبوي، تعكسه تراتبية الجماعة نفسها. انها تتعامل مع نفسها ليس كجماعة سياسية مفتوحة للداخل والخارج، بل كعائلة لها أسرار، من حقها أن تخفيها عن الجيران، عائلة تربي أبناءها على الخوف ممن يغايرونها، ويتعلم أبناؤها ابتسامة التملق اللزج للنازلين والطالعين، متلصصين بعين زائغة على فضائح الغير، أو على اختلافه باعتباره فضيحة، سيسرون  بها بعد عودتهم الى بابا في  مكتب الارشاد.
أشفق على الإخوان لأنهم رغم اعتبارهم لأنفسهم جماعة تعبر عن فكرة الا لأنهم أبدا لم يصدفوا هذه الفكرة، ولذلك ظلت خسيسة جبانة وانتهازية، روجت لدين أناني لا ترى فيه الا ذاتها، وكأنها تستعمل الله و لاتعمل له. الشعوب تجوع والجماعة تحارب كاتب رواية، الشعوب تضطهد، والجماعة تدعو الى الحجاب، الشعوب يسرق مستقبلها والجماعة تقول ان مستقبلها في الماضي تحقق ولا مزيد عليه. الشعوب تائهة وسط محيط قاس من المعلومات يربط خيوط حياتها دون أن ترى بداية كل خيط، والجماعة ترطن في الخطب بالكلمات المسجوعة مثل كتاب عصور الانحطاط.
لاعلم ولا ثقافة  ولا موهبة.
وأقوى دلائل البؤس لفكرة، يفترض أنها ثورية، ألا يجرف الايمان أفرادها فيصبحون بطريقة ما شعراء أو كالشعراء، فالرياء الاجتماعي والرغبة في اظهار التوازن أمام الآخر تجعل الفكرة أقرب الى الخصي، ويصبح التأدب والأدب صنعة لا ابتكارا. صنعة باردة كالخد المشدود بعد الحلاقة.
وأظن أن هذا الخد قد صفع بما فيه الكفاية. الغرور والحقد فقط، سيجعله يستمر، ويبتسم كمن لم يسمع بأمر الصفعة، أو كأن خده يخص شخصا آخر.
أخيرا ، سواء نجحت الثورة أم لا، سواء وصل الاخوان للحكم أن لم يصلوا فقدرهم بكف التاريخ، ينتظرهم عند كل منعطف. فالتاريخ كالقانون لا يحمي المغفلين، حتى لو كانت هذه الغفلة هي ميراث تاريخ القهر شديد الالتباس، تاريخ لا يسألون عنه وحدهم بل نحن جميعا.
اذا كان من واجب علينا نحن جيرانهم الذين ينظرون الينا بتحفظ، فعلينا أن نشعر أن هذه الصفعة ليست على خدهم فقط، فخدودنا أيضا شبعت من الصفع، أن نفتح كتاب التاريخ أمامنا وأمامهم لنعرف ما سر هذا التعثر في اللسان كلما أردنا أن نعرب عن فكرتنا لغريب، لماذا نشعر أنه غريب أصلا، لماذا تكون قسوتنا هي التعبير المأساوي ليس الكره، بل عن عجزنا عن المحبة. ولذلك فهي قسوة تتسم بقدر لا يستهان به من النذالة.
 ·