Sunday, June 26, 2011

مغالطات الإخوان عن الثورة وعن تركيا وعن الحياة



مغالطات الإخوان

 استطاعت ثورة 25 يناير أن تكسر جدرانا كانت عصية حتى على أن تتعرض للشرخ  قبل عدة شهور، وتمكنت من عمل معجزات حقيقية في مدى قياسي، وما حدث بعدها كله طبيعي وبديهي من الفوضى إلى التسيب الأمني، ومن انفلات البلطجية والعصابات في الطرق والشوارع خصوصا بعد فرار الاف المساجين بتدبير وزير الداخلية السابق ومساعديه، ومظاهر إحساس الخارجين على القوانين بإمكان خروجهم بلا رقيب في هذه المرحلة الانتقالية، وانهيار الوضع الاقتصادي وغير لك.
في المقابل هناك حراك اجتماعي وسياسي مدهش، وبدايات تصورات عن العمل الأهلي في محو الأمية والتوعية السياسية والفنية، خارج حدود العاصمة وفي داخلها خصوصا في مناطق العشوائيات، وتقديم الخدمات للمحتاجين، جنبا الى جنب مع محاكمات راس النظام السابق ورموزه.
وكل هذا بديهي وطبيعي، وحتى دخول الإخوان المسلمين في معترك الحياة السياسية هو بديهي وشرعي، تماما، بل ومن حقهم تماما ممارسة ها الدور كأي قوة "سياسية" اخرى.
لكن غير البديهي والمدهش فعلا هو محاولة الإخوان المسلمين تصوير أن الثورة جاءت بسبب ازمة هوية وأن الدين الإسلامي لا بد أن يكون دين الدولة، كأن كل معاناتنا من الفساد وسوء الادارة وسوء التعليم والجهل والتخلف وانعدام الامن وكل المصائب التي كنا نعيشها ليست سوى ازمة هوية دينية، وهي مغالطة ان لم تكن سقطة لن يمررها لها التاريخ بسهولة لا هي ولا غيرها من تيارات السلف والجماعات الدينية، فليس ها ابدا ما تعانيه مصر، والدليل الوثيقة المحترمة التي اصدرها الازهر قبل ايام .

كما أنه من المدهش حقا ، وأيضا، أن تتبنى جماعة الإخوان خطابا يشي بانها تطمح لأن تقود تغييرا يسمح بحكومة دينية. وهو ما يتنافى مع الطابع المدني للثورة ومن أطلقوها.
الثورة قامت بإذن من شرارة أطلقها شباب مصر الشرفاء، وشارك فيها جموع الشعب المصري ضد الفساد وضد القمع والإهانات المتكررة من رجال الدولة في حق المصريين جميعا، وأملا في الحرية والعدل والمساواة.
وبالتالي فما نحتاجه جميعا في المرحلة المقبلة هو قانون يساوي بين الجميع، وضامن لكي يتحول رجال الدولة إلى دورهم الطبيعي كموظفين في خدمة مصالح الشعب الذي يحكم نفسه باختياره لهؤلاء الموظفين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية المحدد السلطات والمراقب وفق قوانين الرقابة الشعبية التي يجب أن يكفلها الدتور الجديد.
والمطلب الثاني هو حكومات يتولاها شباب من أفضل الكفاءات المتخصصة والمؤهلة علميا بشكل عال، والاحتكاك بخبرات ادارية مهمة مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا وتركيا، والنقل عنها فيما يصلح ويتوافق مع ظروفنا، والتحلي بالشجاعة والمبادرة في ايجاد سبل مبتكرة لرفع تمويل ميزانيتي التعليم والصحة لتتضاعف على الاقل خمس مرات عما هي عليه، لكي تحقق معدلات تنمية تنقل المجتمع المصري من الفقر والبؤس الإداري والتعليمي والصناعي والزراعي إلى دولة ذات معدلات تنمية هائلة.
وفي السياق نفسه نجد أن بعض دعاة الدولة الدينية يتشبثون بالنموذج التركي بوصفه نموذجا مبتغى للدولة المدنية ذات المرجعية الدينية، والحقيقة أنه لا يوجد وجه مقارنة بين ما يطرحه في ها الموضوع تحديدا اي طرف من الاخوان او اصحاب الدعاوي الدينية المشابهة،  فالحكومة التركية قد نقلت تركيا الى الاقتصاد رقم 16 في العالم عبر مشروعات انتاجية وسياحية صناعية مدهشة رفعت الصادرات الى ارقام غير مسبوقة ( نتحدث عن دخل قومي يتجاوز 700 مليار دولار) ورفعت متوسط دخل المواطن التركي من 3000 دولار الى 10آلاف دولار، وحققت طفرات إنتاج مرعبة في قطاعات عديدة صناعية وخدمية.
فما الذي يمكن أن يقدمه الإخوان في هذا الصدد؟ فأغلب رموز الاسلاميين الذين عرفوا بأنهم اصحاب ثروات حصلوا عليها من استثمار أموال المواطنين المصريين فيما عرف في توظيف الأموال وسواه وهي أنشطة "سمسرة"، مثلهم في لك مثل اغلب من اطلق عليهم مستثمرين في مصر في عهد الرئيس المخلوع، وليست انشطة إنتاج.
أما ما قدموه للمجتمع فأغلبه خدمات اجتماعية للفقراء ممن يكتسبون بها أصواتهم لمصالحهم السياسية، فما علاقة الإخوان أو اي تيار ديني بتركيا؟
تركيا اليوم تسعى لعمل دستور توافقي يحمي الأقليات ويرفع من شأن قيم المساواة ويتواءم مع مرحلة جديدة تسعى فيها تركيا لكي تكون عضوا في مجتمع الحريات الأوروبي فأين الإخوان والتيارات الاسلامية من كل هذا؟!.
تركيا ايضا رفعت من قيمة العدالة في المجتمع التركي وأرسى اردوغان هذه القيم بالشكل الذي اكسبه وحزبه ثقة الجمهور بما فيه المسلمين والعلمانيين وغير المسلمين فأين الإخوان الذين يفصلون الشباب من أعضاء الجماعة من عضوية الجماعة لأنهم يختلفون مع رؤى مكتب الإرشاد؟ في مشهد يكشف مدى التعسف ومنطق الإقصاء واليقين بالرأي الواحد بل الأوحد الذي تعتنقه هذه الجماعة وتكرس له.
إن الإخوان، وفقا لهذه الشواهد، وغيرها مما تضيق هذه المساحة المتعجلة عن ذكره، يبيعون الوهم للناس، وبضاعتهم سوف ترتد إليهم لأن الثورة وما تحلم به أكبر كثيرا من أوهام ومصالح هذه الجماعة التي نسمع كل يوم عن مراوغات وتصريحات و رؤى القائمين عليها التي تنحاز للماضي والتاريخ على حساب المستقبل والتطور والتقدم ، وهذا هو جوهر اختلافها مع اي تجربة تنموية متطورة.

مايكل جاكسون..ايقونة مراهقتي

مايكل جاكسون..عقدة الطفولة ودور الفنان
إبراهيم فرغلي




لم يشهد غالبية جيلي أمجاد أجيال الموسيقى التي تحولت إلى ظاهرة عالمية مثل فريق البيتلز، أو أسطورة الروك آند رول "إلفيس بريسلي"، لكننا جايلنا أمريكي من أصول إفريقية، أسمر البشرة، بريء الابتسامة، عذب الصوت، صغير السن، الأبرز بين أشقائه برشاقته وحيويته على صغر سنه، والذي عرفناه لاحقا باسم "مايكل جاكسون".
وسرعان ما تحول مايكل جاكسون إلى أسطورة جديدة، يوما بعد يوم، كانت أغنياته الأكثر انتشارا في ارجاء العالم، ووجدت طريقها لقلوب الشباب، ونحن معهم في أرجاء العالم العربي. ولعل جزءا من ارتباطنا به أكثر من غيره، خاصة ممن استهوتهم الموسيقى الغربية وإيقاعاتها الحيوية، يعود لكونه الأسطورة التي تكونت بينما كنا نفيض بالأحلام، نكبر، ويكبر هو معنا، بينما كل أغنية من اغنياته تمثل لنا مرحلة جديدة، في حياتنا، وترتبط بذكريات، لعلنا كلما استعدنا ايا منها كلما غالبنا الحنين لأيامنا العربية التي تبدو لنا كأن كل يوم منها أجمل مما تلاها.
بعد النجاح المدوي لمايكل جاكسون، بدأت الصحف وقنوات الفضائيات تلاحق حياته الشخصية، والتي لم يكن ابرز ما فيها يزيد عن عمليات التجميل التي بدأ يجريها لوجهه، ولاحقا للون بشرته، وفورا بدأت الصحف العربية تتداول هذه الأخبار بنوع من النقد، كما شرعت صفحات الأخبار المثيرة في بث شائعات بانه يكره الإسلام والمسلمين، وهو ما نفاه جاكسون بشكل واضح، ووزع شهادة بهذا المعنى مع إحدى اسطواناته التي صدرت منتصف التسعينات من القرن الماضي، واستمرت تلك الحملات على جاكسون دون بحث للأسباب التي دعت جاكسون لهذه العمليات التي اتخذت شكلا مرضيا، يبدو أنه كان له علاقة بتدهور أوضاع الصحية قبل وفاته.

لم يستوعب صحافيو الإثارة أن جاكسون عاش حياة غير طبيعية، فقد بدأ الغناء بضغط من والده وهو في الخامسة من عمره، وببلوغه التاسعة كان قد أصبح نجما، وبعد انفصاله عن فريق جاكسون فايف كان قد قرر أن يصبح اسطورة في الغناء والموسسيقى، وراح يبذل جل وقته لتحقيق حلمه.
بعد أن حقق أحلامه اكتشف أنه في الأربعين ، لم يعش طفولته، وبدأ فاصل من غرابة الأطوار، بينها إصراره على غجراء المزيد من العمليات التي بدأت تؤدي غرضا عكسيا، لكن بعض الأطباء النفسيين البريطانيين يفسرون عمليات التجميل التي خضع لها، على مدى حياته، بأنها لم تكن سوى محاولة مَرَضية منه للإبقاء على وجه طفولي، كان يخشى أن يختفي كما ضاعت منه طفولته.

لكني أظن أن أحد أسباب استمرار جماهيرية وشعبية مايكل جاكسون، رغم كل شيء، هي انه قدم نموذجا فريدا للفنان صاحب القضية، الذي يضع الإنسانية ورفاهيتها بين أولوياته، غنى للفقراء في ارجاء العالم، وصور اغنياته بين الفقراء بالفعل، وبايقاعات حيوية وقوية شدا  للمظلومين، والمقهورين سواء كانوا شعوبا، أو شبابا لا تتاح لهم فرص، وغنى للأطفال مطالبا البشرية برعاية حقوق الأطفال. غنى للأرض؛ للطبيعة التي يدمرها الإنسان بدعوى الحداثة، كما ووضع بصمته بصوته المميز في إحدى أشهر الأغنيات التي شارك فيها نجوم الغناء العالمي في الثمانيناتWe Are The World ، التي حذر فيها من الأخطار التي يتعرض لها البشر بسبب لامبالاة الآخرين وثراء الأثرياء على حساب الفقراء الذين يشردون ويموتون يوميا باللآلاف، بافضافة للعديد من المشروعات الخيرية التي شارك فيها.
مايكل جاكسون نموذج نحتاج لإعادة تأمله اليوم في ساحتنا العربية التي يعيش نجومها على الشائعات والنمائم والضغائن والمنافسة غير الشريفة دون أن يفكر اي منهم أن يجعل لفنه دورا إنسانيا يساهم في تنمية البشرية، خاصة في عالمنا العربي الذي يحتاج اكثر من غيره لمثل هذه النماذج.
نعم اظن أن محبي مايكل جاكسون افتقدوا هذا النموذج للفنان الإنسان المهتم بقضايا البشرية، تماما كما باغتهم فجأة أن أسطورة رافقت ذكرياتهم غابت فجأة مؤججة نيران الحنين لماض، كنا نظنه ليس افضل ما مررنا به، بينما الآن نعرف أنه كان الأجمل بلا منازع، ماض أرخته موسيقى وأغنيات ورقصات مايكل جاكسون، وكلاهما الآن أصبح مجرد ذكرى.

نشرت في مجلة الفنون - الكويت - 2010