Thursday, June 9, 2011

الديموقراطية الافتراضية

ثقافة إلكترونية 

الديموقراطية الافتراضية على الإنترنت

إبراهيم فرغلي
يعرف الذين أتيحت لهم فرصة العيش في مجتمعات ديموقراطية حقيقية، للإقامة أو حتى الزيارة، ذلك الإحساس الذي يلفهم بالحرية، يكاد المرء يتنشقه في الهواء دون ان يفهم سره، فيما يلفهم الشعور بأنهم غير مراقبين، ان لهم مطلق الحرية في التصرف كما يشاءون دون خوف من رقابة معلنة أو سرية، وأن يقولوا ما يشاؤون أينما كانوا.
حرية التعبير إذن في المجتمعات المتحررة، خصوصا اوربا، وبعض الدول المعروفة بأن ثقافتها وهويتها مؤسسة على التنوع وحرية التعبير مثل كندا، وما شابهها من دول، هي جزء من ثقافة المكان التي تتجذر بحيث تصبح جزءا من نسيجها، وجزءا من الهواء الذي يتنشقه الناس أو يتنسمونه.


وهذا على وجه التحديد هو المناخ الذي اتاحته شبكة الإنترنت لكافة شعوب العالم ممن يعانون من أنظمة شمولية أو تحكمهم الديكتاتوريات القمعية، أو يعانون من التضييق على حرية الرأي والتعبير.
وبظهور الشبكات الاجتماعية المختلفة، تكونت مجتمعات افتراضية بديلة وجد فيها المواطنون من مستخدمي الحواسيب، مجتمعات رأي يمكن لكل واحد منهم أن يعبر فيها عن أفكاره بلا قيود أو خوف من بطش، ويطلق أفكاره ويرد على الرأي بالحجة والمنطق أو حتى بالسباب والعبث في بعض الأحيان، تعبيرا ربما، عن ثقافة كممت أفواه أفرادها طويلا حتى فقدوا الإحساس بمعنى حرية الرأي من حيث هو إتاحة الفرصة للجميع أن يبدوا آرائهم بحرية، مما أفقدهم القدرة على التعليق وفقا لآداب الحوار والعقلانية.
وعقب الثورتين التونسية والمصرية، وفي خضم أحداث الاحتجاجات القوية في اليمن وليبيا وسوريا، تجلت ظاهرة حرية التعبير في الإنترنت، خصوصا في الفيس بوك، وقد بدت أكثر نضجا وفاعلية باعتبارها آلية تقدم رصدا للرأي العام باتجاه الأحداث بل وتعديل مسار الأحداث.
كما تسارعت وتيرة إنشاء مجموعات لمبادرات إكتشفت الجماهير العربية احتياجها لها عقب إسقاط النظم السابقة كوسائل للتوعية والتثقيف ورفع المطالب للحكومات الانتقالية، خصوصا ما يتعلق بمحاسبة رموز الفساد، والدعوة لإشاعة قيم الدولة المدنية التي تقوم على القانون والمساواة. والدعوة لإعادة إنشاء دساتير جديدة غير معيبة.
واذا كانت الإنترنت عبر المنتديات أولا ثم عبر المدونات والمواقع الاجتماعية قد استطاعت أن تحول الممارسة الديموقراطية على مستوى الحوار على الأقل واقعا موجودا في فضاء الإنترنت، فإن الثورات العربية قد لعبت دورا كبيرا في تحويل دور الانترنت من مجرد وسيلة أو مساحة للمارسة الديموقراطية إلى وسيلة ضغط لتحقيق الديموقراطية على أرض الواقع الحقيقي.
فقد شهد الفيس بوك، ربما قبل غيره مئات المبادرات التي تخلقت على سبيل الإعلان ومن بينها الدعوات المدنية كثقافة أساسية لأي مجتمع ديموقراطي، أو عبر إنشاء حركات سياسية شبابية ثم أحزاب سياسية جديدة.
ويبدو واضحا من خلال هذا الحراك الثقافي السياسي الفكري على الإنترنت أن هناك محاولة قوية لتفعيل المفاهيم من منطقة النظية الى التطبيق، فالمعروف أن تعريف الديموقراطية هو :
حكم الشعب لنفسه، لكن كثيرا ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ "الديمقراطية" لوصفالديمقراطية الليبرالية خلطا شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأقليّات والأفراد. وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى الديموقراطيات اللاليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في امور وتباعد في اُخرى يظهر فيالعلاقة بين الديموقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديموقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظامالديمقراطية الليبرالية أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة .
ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مـجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.
بالإضافة إلى التأكيد على أن الانتخابات الحرة لوحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديمقراطياً: فثقافة المؤسسات السياسية والخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضاً، وهي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي إعتادت تاريخياً أن يكون انتقال السلطة فيها عبر العنف.
ويبدو أن إدارة الفيس بوك التي تعرف المضمون الحقيقي للديموقراطية قد استوعبت المناخ العربي  الجديد فأضافت بعض الآليات الجديدة التي انتعشت بسبب هذا المناخ العام بالنسبة لمستخدمي الشبكة من المنطقة العربية وبينها إمكانية أن يدعو المستخدم الآخرين لمطلب محدد ويتم مناقشته عبر جماعة، أو إضافة خدمة استفسار او question، وهو بمثابة خدمة استبيان أو قياس للرأي حيث يصبح من حق كل مستخدم أن يسال سؤالا عن قضية محدة او شخصية ويضع عددا من الاجابات الاحتمالية، ومن الإجابات يمكن قياس التوجه العام تجاه هذه القضية أو تلك، أو حتى ميول المستخدمين في قضايا الدولة المدنية او الدينية مثلا، او ترشيح هذا المرشح أو ذاك للرئاسة في هذه الدولة أو تلك وما شابه ذلك من موضوعات.
وبالرغم من ذلك فإن إدارة الفيس بوك لا تلعب دورا إيجابيا على طول الخط، فقد قامت قبل شهرين بإلغاء صفحة تدعو للانتفاضة الثالثة في فلسطين، دون إبداء الأسباب، ما يؤكد خضوع الفيس بوك لضغوط اللوبي الصهيوني على نحو ما، وكيلها بمكيالين في بعض القضايا.
مع ذلك فإن الدور الكبير الذي لعبته في تحريك وتطوير المزاج الشعبي الديموقراطي النامي في المنطقة العربية لا يستهان به. ومن الموضوعات الشيقة، والمفيدة، والتي يمكن أن تفسر ما يحدث اليوم في المنطقة العربية حول مفهوم الديموقراطية  التي يمكن قراءتها على الشبكة ما يتعلق بمفهوم الديموقراطية على موسوعة ويكيبيديا على هذا الرابط http://en.wikipedia.org/wiki/Democracy، ويمكن قراءة الترجمة العربية للموضوعات باختيار العربية من نفس الصفحة.
ومن بين ما يلفت الانتباه أن الموسوعة الاليكترونية نفسها قد أضافت بعض التحديثات لزاوية تعريفها لمفهوم الثورة حيث ضمنت أحداث ثورتي تونس ومصر، والوقائع العربية التي تمور بها المنطقة الأن بالقول: الثورة هي مجموعة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تؤدي إلى تغيير جذري شامل في المجتمع. ومن أحدث الثورات وأكثرها تفردا في التاريخ هي "ثورة الكرامة" في تونس التي أدّت إلى خلع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بعد23 سنة من الحكم الفردي الاستبدادي، بوسائل مدنية سلمية ذهب ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء العزل. وما يميّز الثورة الشعبية التونسية هو قيادتها من قبل فئة واسعة من الشعب وفي مقدّمته شريحة الشباب بدون غطاء سياسي أو ديني، بالإضافة إلى ملازمة المؤسسة العسكرية لموقعها الطبيعي في حماية البلاد والعباد ومحافظة السلطة في تونس على طابعها المدني بتولي حكومة مدنية مسؤولية الفترة الانتقالية من نظام الحكم الفردي إلى نظام سياسي ديمقراطي تعددي يستجيب إلى إرادة الشعب. وقد مثّلت ثورة تونس إذان بميلاد عهد عربي جديد كانت أول صوره ثورة 25 يناير 2011 في مصر التي ادت إلى تنحى الرئيس المصري السابق محمد حسنى مبارك من منصبه بعد أكثر من ثلاثين سنة في الحكم اسناده مهمة الحكم إلى الجيش. ويقال إن ثورة مصر واحدة من اعظم الثورات في التاريخ لانها كانت بأيدى الشعب بجميع طوائفه وتياراته وبدون استخدام أي شكل من اشكال العنف أو القوة مع أنهم استخدموا القوة ضد رجال الأمن وقام المتظاهرون بحرق أقسام الشرطة في كل مدن مصر(بحاجة إلي مصدر). كما ان ثورة الكرامة في تونس كانت الشرارة الأولى في إنشاء ثورات شعبية أخرى أو حتى اندلاع احتجاجات في بعض البلدان العربية وشرق أوسطية بالإضافة إلى الثورة الشعبية المصرية مثال : العراق, الجزائر, البحرين, المغرب, واليمن (يذكر أن حتى وقت كتابة هذه السطور هذه الاحتجاجات ما زالت مستمره اي ان النتائج ما زالت غير معروفة).
وعلى سبيل المثال أيضا كشفت نتائج الأبحاث التى نشرها مركز بيركمان للدراسات التابع لجامعة هارفارد على موقعه الالكتروني  www.harvard.cyber.law.edu عن مؤشرات تدل على أن الإنترنت دخلت معركة لفرض «الديمقراطية» فى مصر بما توفره الشبكة من أدوات جديدة استطاعت ان تحرك سكون بحيرة الوضع السياسى المصرى، وضمن تلك المؤشرات انتقال النشاط السياسى إلى العالم الافتراضى لما يستوعبه من قيود متعددة مفروضة على وسائل الإعلام الكلاسيكية، إذ يتيح الإنترنت للجميع أن يقول ما يشاء وقتما يشاء، ورصدت الدراسة أن هناك ٣٥٠٠٠ مدونة من جميع التيارات السياسية تناقش المشاكل السياسية الداخلية، وذكرت الدراسة أن شباب الإخوان المسلمين هم الأكثر نشاطا فى المعارضة المصرية على الإنترنت، وأن هناك مئات المجموعات على موقع «فيس بوك» تناقش الانتخابات الرئاسية قبل موعدها.

ديموقراطية الفنون على الإنترنت

بسبب ما وفرته الإنترنت من فرص بث اللقطات المصورة على الشبكة شهدت الفترة التي واكبت الثورات العربية خصوصا في تونس ومصر بث العديد من اللقطات المصورة التي وثقت لحالات فنية تمت في الشوارع أثناء الاعتصامات: أغنيات غناها الثوار، فقرات تمثيلية ساخرة من رموز الفساد، وما شابه ذلك، ثم تطور الأمر إلى إنتاج أغنيات مستوحاة من الثورتين وموثقة لها، أصبحت بمثابة أغنيات ملهمة للثوار وللجماهير.
إلا أن الأمر شهد تطورا آخر خلال السابيع الماضية حين بدأ بعض المنتجين الشباب في إنتاج برامج مصورة ساخرة منها مثلا برنامج يقدمه طبيب قلب مصري اسمه باسم يوسف ينتقد فيه بشكل شديد السخرية لا يخلو من خفة الظل من الفنانين والاعلاميين الذين هاجموا الثورة المصرية في بداياتها. واللافت أنه بعد بدء تحميل هذه الحلقات المصورة خصيصا للإنترنت، على موقع اليوتيوب المتخصص في بث اللقطات المصورة، سرعان ما بدأ تداولها على الفيس بوك بشكل يشبه كرة الثلج، إذ ارتفع عدد مشاهديها إلى ما يزيد عن مليون مشاهد بعد اسبوع واحد من ظهور أولى حلقاتها، وهو ما دعا التليفزيون المصري، وتحديدا قناة دريم، لاستضافة بطل البرنامج باسم يوسف في العاشرة مساء.
كما تمت عبر الإنترنت تبني دعوات لعدد من الفعاليات الفنية الثقافية التي عرضت في الشوراع، في خطوة استهدفت التوجه بالفنون الشعبية للجمهور البسيط في الشارع تأكيدا على دور الثقافة في المرحلة المقبلة في توعية الشارع بأهداف ومباديء الثورة.


المجـــتمع المـــــدني

بدا واضحا من بداية ثورتي تونس ومصر أن هناك رغبة حقيقية لدى الشعبين التونسي والمصري في التحول إلى مجتمع مدني بكل ما يعنيه ذلك من إنشاء دساتير جديدة تقلص نفوذ الحاكم والسلطات التنفيذية، وتحقيق المساواة بين كافة أبناء الشعب وعدم التمييز بينهم على اساس الدين او الجنس وسوى ذلك من أعراف عامة.
وقد كانت ساحة الإنترنت بمثابة المرآه الكاشفة لهذه الرغبة العميقة من جهة، والملعب الأولي الذي صيغت فيه الأفكار حيث تم إنشاء عدد كبير من المجموعات الخاصة بهذا الهدف أو إنشاء مواقع إلكترونية، وبينها موقع دولة مدنية الذي أسسته الكاتبة المصرية مي التلمساني مع عدد آخر من المثقفين بهدف توعية رجل الشارع بأهمية فكرة الدولة المدنية بما توفره من حقوق المواطنة القائمة على المساواة، أو منظمة الثوار المجتمعية، المهتمة بتقديم خدمات اجتماعية وتثقيفية للجمهور، الجبهة الشعبية الثورية، ميداني..مبادرة المجتمع المدني، ممثلية الإعلاميين الشباب العرب، وكذلك الأمر في تونس، إضافة للعديد من المجموعات المشابهة التي ظهرت على الفيس بوك في اليمن وليبيا وغيرهما.

الثورة المضادة الافتراضية

لكن السؤال هو هل كل هذا الحراك الافتراضي، والذي ينبثق على الشبكة ويتحرك للشارع يعبر عن مناخ ديموقراطي حقيقي؟

ربما تصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال بشكل دقيق، في إطار عمليات التخوين المستمرة بين الأطراف المتعارضة، وفي إطار التشوش الذي تتسبب فيه أحداث تبدو قوى الثورات المضادة هي التي تقوم بتنظيمها عبر افتعال وقائع دموية بين الطوائف المختلفة أحيانا، أو إطلاق البلطجية لافتعال أحداث عنف وسرقات، إضافة لتحركات افتراضية عبر إنشاء مجموعات مضادة للثورة وتوجهاتها يبدو جليا من تعليقات اعضائها أنهم يحشدون قواهم لتقييد تطور منجزات الثورة وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه، وغير ذلك من ممارسات تجعل المتعاملين مع الأخبار التي يتم تناقلها على الإنترنت عرضة للانفعالات العاطفية من قبل مستخدمي الشبكة خصوصا الفيس بوك، أكثر من قدرتهم على التحرك بشكل منظم ووفقا لفهم حقيقي لمطالبهم والتي ينبغي أن تأتي عبر دراسة جادة لنموذج التنمية الذين يرغبون في استبداله بالنظام الاستبدادي القديم. بمعنى أن تتم دراسة نماذج التنمية المختلفة سواء تلك التي تأسست وفقا لثورات شعبية، او تلك التي قامت بسبب خطط تنمية وطنية مدروسة علميا مثل نموذج ماليزيا أو كوريا على سبيل المثال، أو غيرهما من تجارب التنمية المختلفة التي نقلت مجتمعات متخلفة او نامية إلى آفاق التقدم والرفاهية، وأظن أن المساحة الافتراضية على شبكة الإنترنت ستضع هذا المفهوم في أولوياتها في المرحلة المقبلة.



نشرت في مجلة العربي يونية 2011