Monday, May 23, 2011

عن الثورة المصرية والفتنة الطائفية


عن الثورة المصرية والفتنة الطائفية
مصر جديدة بلا تمييز

إبراهيم فرغلي
أين نحن؟ بالتأكيد امتطينا آلة زمن وعدنا لعدة قرون مضت، إذ لا يعقل أن تنتمي المشاهد التي نراها ونسمع عنها اليوم الى القرن الحادي والعشرين. مواطن قبطي مصري تقطع أذنه على يد مجموعة من المجرمين، بعيدا عن كونهم مسلمين أو ايا كانت ديانتهم، ومجموعة من السلفيين يقومون بهدم كنيسة. ثم في مشهد يعود للقرون الوسطى بامتياز، نرى ملتحيا تعبر سحنات وجهه عن زمن غابر بعيد، يقسم أنه وأتباعه لن يكونوا رجالا إذا لم يدخلوا الأديرة والكنائس بحثا عن "أختهم" المسلمة التي يدعون أنها أجبرت على التنصر وأودعت في إحدى الكنائس.
إن السؤال اللافت هنا هو اي جدوى من الثقافة في مصر إذا كان هذا ما آلت إليه الأمور؟ وبصياغة أخرى فإن ما نراه هنا يبدو جليا كناتج من نتائج تغييب العقل في مصر، وهو رافد من روافد القمع، وإشارة على أن الثورة المصرية حين اندلعت كان في وعي صانعيها إدراك غير مباشر أنها ثورة ليس فقط على حاكم مستبد ولا نظام سياسي فاسد بل على خراب كامل ثقافي واجتماعي وتعليمي أنتجه ذلك النظام على مدى ثلاثة عقود.
فما الذي يحدث هنا بالضبط؟ ولماذا اندلعت هذه الأعمال الدرامية بعد اندلاع الثورة المصرية الأهم في التاريخ المعاصر؟
بداية ينبغي ملاحظة أن كلا الجانبين سواء كانوا السلفيين، أوالأقباط الذين ردوا على العنف بمثله، كلاهما لم يكونا من أنصار ثورة 25 يناير في مصر، فقد امتنع السلف والإخوان المسلمين عن التظاهر واصدروا فتوى بمنع التظاهر بدعوى تحريم الخروج على الحاكم، وكذلك فعلت الكنيسة المصرية التي ناشدت رعاياها بعدم الخروج للتظاهر في يوم 25 يناير. وهذه دلالة مهمة على التضامن – السياسي- بين المؤسسات الدينية ومؤسسة الحكم في مصر.
النقطة الثانية تتعلق بأنه من بين مظاهر الفوضى التي ارتبطت بعنف طائفي في منطقة قنا في جنوب مصر بدا جليا استجابة بعض المتشددين لدعاوي انشاء إمارة مستقلة، وبغض النظر عن الافراط الفانتازي في المشهد لكنه دلل على تورط  أنظمة  محافظة ومتشددة في إشاعة الفوضى في مصر ما بعد مبارك، خصوصا وانها لا ترحب بالثورة المصرية التي جاءت للقضاء على مفاهيم قبلية ترى في الرئيس ابا أو زعيم قبيلة وليس مجرد موظف في الدولة  يعمل لدى الشعب، ويعزل إذا ثبت تقصيره في حق الشعب ويحاسب ايضا على هذا التقصير.
والواضح، أن هناك قوى داخلية من أنصار النظام المخلوع ممن يحرضون على إشاعة الفوضى والإبقاء على أسس الفساد التي وسمت تلك الفترة، لأن مصالحهم جميعا قائمة عليه ويمثلهم أفراد من الحزب الوطني المنحل الذي كان يجسد حزب الحكومة قبل الثورة، كما يمثلهم أفراد في وزارة الداخلية، خصوصا افراد من جهاز أمن الدولة الذي اسقطه الشعب، والتي تصر بعناد على التراخي في استعادة الانضباط في الشارع المصري منذ يوم 28 يناير وحتى اليوم.
ودور انصار النظام القديم في العديد من وقائع الفوضى التي اعقبت الثورة المصرية ثابت عبر العديد من الشواهد وبينه ما نشرته مجلة روزاليوسف مؤخرا من مقابلات مع عدد من البلطجية الذين اعترفوا بحصولهم على مبالغ نقدية مقابل تنفيذ مخطط حرق كنيسة امبابة ومحاولة اقتحامها.
والحقيقة ان التعامل الأمني مع ملف العنف الطائفي، قب وبعد الثورة له دور كبيرفيما وصلت اليه الامور إذ أن أغلب وقائع العنف بين الطرفين تنتهي – تحت ضغط الأمن- بالتصالح بين الأطراف، (تشير إحصاءات إلى 52 واقعة عنف طائفي العام الماضي انتهت جميعا بالتصالح) ولم يحاكم حتى اليوم اي ممن اقترف هذه الجرائم. وهذا سبب آخر من اسباب الاحتقان المستمر بين الطرفين على مدى العقود الثلاثة الماضية.
السؤال المهم الآن هو لماذا يكون الموضوع الطائفي سهلا في التخطيط لتحقيق سيناريوهات الفوضى في مصر؟
اذكر انني قبل ان أشرع في كتابة رواية "إبتسامات القديسين"، وموضوعها عن الأقباط والمسلمين في مصر، كنت أسأل المقربين مني عن آرائهم في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين كموضوع لرواية وكانت أغلب الإجابات أن الموضوع لا يستحق وأن العلاقات طيبة بين الجانبين.
لم أقتنع لأنني كنت أرى مشاهد التمييز في كل مكان، فلا يمكن إنكار أن هناك تمييزا في حقوق المواطنة لصالح المسلمين على حساب الاقباط في مصر؛ بداية من المادة الثانية في الدستور المصري التي تنص على ان الإسلام دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، مرورا بقانون بناء دور العبادة الذي يضع عراقيل أمام بناء الكنائس في مقابل بناء المساجد، دون ان نغفل التقصير الإعلامي في تسليط الضوء على الثقافة القبطية بوصفها أحد مكونات الثقافة المصرية، وعلى المشكلات التي يتعرض لها الأقباط في مصر
إضافة إلى قائمة طويلة من الأسباب  بينها تدني مستوى التعليم وزيادة معدلات الفقر وانخفاض الوعي بسبب مستوى الإعلام الرديء والانغلاق على الذات، وغيرها من الأسباب التي ترسخ هذا الفصل والتمييز بين الجانبين في الثقافة العامة، سادت على مدى الثلاثين عاما الماضية ، مما ساهم بمرور الوقت في ترسيخ مفهوم (نحن – هم) في حديث الجماعة القبطية عن المسلمين أو العكس على حساب مفهوم المواطنة القائم على مرادفة "نحن جميعا مصريين".
اعتصم الأقباط في مصر، وانفض اعتصامهم كما كان متوقعا، ولعلهم قد يعودون للاعتصام مرة أخرى وسوف ينفض الاعتصام بعد وعود بتنفيذ المطالب. فهل ستكون هذه الأحداث الدامية هي آخر ما نشهده من أحداث عنف طائفي في مصر؟
اغلب الظن أن الإجابة هي لا، لأن السبيل الوحيد لوقف هذا الاحتقان، ليس بالمصالحات والشعارات وإنما عن طريق تحقيق الثورة هدفها النبيل في أن تصبح مصر دولة قانون، وما ينبغي ان يترتب عليه من استعادة الأقباط لكل حقوقهم المنقوصة، في الترشح للرئاسة والمناصب السياسية القيادية في الدولة، وحق بناء الكنائس بلا تعقيدات قانونية، وضرورة الغاء التمييز الديني من بطاقات الهويات في مصر، وفي استعادة الأزهر قيمته الرفيعة، ومكانته، كمؤسسة تعلي من شأن الإسلام وتعرّف بصحيح الدين وتقود مسيرة الإصلاح الديني، وتستعيد مناهج التعليم التي خرجّت سابقا خيرة رموز الفكر الديني في مصر والعالم العربي، وفي تضمن المناهج التعليمية موادا جديدة ذات طابع أخلاقي، تعلم المصريين جميعا شيئا عن كافة الأديان لخلق وعي جديد بالتعددية لدى الأجيال الجديدة، بديلا للانغلاق على الذات وتضخيمها ووضع الدين مرادفا للهوية ، وليس بوصفه أحد مكونات الهوية، فمثل هذه المواد الاخلاقية الطابع من شأنها إشاعة مفاهيم التسامح والتعايش وقبول الآخر، وبأن العالم اكبر كثيرا من الزاوية الطائفية المغلقة التي تعلمها المصريون على امتداد عقود الانغلاق على الذات، بدعوى مقاومة الاجنبي، التي أرستها ثورة يوليو. وهيالمطالب التي ينبغيللمثقفين المصريين تبنيها بكل الوسائل الدعائية والابداعية في الفترة المقبلة.
 فمثل هذه المقترحات لم تعد ترفا بقدر ما هي مطالب ضرورية يمكن ان تضاف إلى قائمة مطالب الحرية والعدل التي تطالب بها الثورة المصرية، والتي اظنها ستنجزها، مهما اقتضى الأمر، ورغم انف كل الرافضين والمتعصبين، لأن روح هذه الثورة، كما ظهرت في ميدان التحرير، هي روح الطبقة الوسطى المتسامحة الواعية والمتطلعة لمصر جديدة لكل المصريين بلا تمييز. والا فالبديل سوف يكون باهظ التكلفة ليس على مصر وحدها بل المنطقة بأسرها.